عودة قريبة للمغرب إلى الاتحاد الأفريقي: منافع وتحديات

عودة قريبة للمغرب إلى الاتحاد الأفريقي: منافع وتحديات

24 يناير 2017
قام الملك بزيارات أفريقية عديدة أخيراً (سولان غيمشو/فرانس برس)
+ الخط -
تبدو الطريق سالكة أمام المغرب للعودة إلى الاتحاد الأفريقي بعد غياب دام أكثر من ثلاثة عقود، وتحديداً عندما انسحب من المنظمة عام 1984، بسبب انضمام "الجمهورية الصحراوية". ومن المفترض أن يناقش جدول أعمال القمة الأفريقية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، يومي 30 و31 يناير/كانون الثاني الحالي، موضوع عودة الرباط إلى الاتحاد الأفريقي. وحصل المغرب على موافقة زهاء 28 دولة في الاتحاد الأفريقي على عودته، من بين 54 عضواً، ما يعني أن النصاب القانوني متوافر، فيما سبق للعاهل المغربي محمد السادس الذي من المقرر أن يحضر القمة الأفريقية المذكورة، أن أكد على أن "قرار المغرب العودة إلى أسرته المؤسسية الأفريقية لا يعني أبداً تخلي المغرب عن حقوقه المشروعة أو الاعتراف بكيان وهمي"، في إشارة إلى جبهة البوليساريو وجمهورية الصحراء.
وإذا كانت الطريق معبّدة أمام المغرب للعودة إلى الاتحاد الأفريقي، فإن الأسئلة التي تُطرح في هذا الصدد، تتمثّل في القيمة المضافة التي يمكن للمغرب أن يقدّمها للقارة الأفريقية في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد والدين، وأيضاً كيف يمكن للمغرب أن يوازن بين عودته إلى الاتحاد الأفريقي في الوقت الذي لا زالت فيه جبهة البوليساريو عضواً مقبولاً في الكنف الأفريقي.


ثقل سياسي وتحديات أمنية

ينتظر الاتحاد الأفريقي من المغرب تقديم إضافة سياسية قوية إلى القارة السمراء، رأى أستاذ العلاقات الدولية سعيد الصديقي، أنها تتجلى أساساً في المساهمة أكثر في حل المشاكل التي تواجهها القارة في إطار جماعي ومؤسساتي، معتبراً أن هذه المنظمة الأفريقية في أمسّ الحاجة إلى المغرب خلال هذه المرحلة، لتوحيد جهود كل الدول الأفريقية لتعزيز مكانتها على الصعيد العالمي.
وأوضح الصديقي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن الدبلوماسية المغربية، التي راكمت تجربة غنية في حل النزاعات والمشاكل الدولية، ستفيد القارة الأفريقية التي تواجه باستمرار مشاكل سياسية بسبب عسر الانتقال الديمقراطي في بعض الدول، ونتيجة الموروث الاستعماري الذي خلف في القارة بؤر التوتر، بسبب رسمه التعسفي للحدود الإقليمية. ولفت إلى أن "الدبلوماسية المغربية كانت تتدخل دائماً بالوساطة والمساعي الحميدة، وأحياناً بالمشاركة العسكرية، لحل بعض المشاكل السياسية في بعض الدول الأفريقية، أو لتسوية بعض الخلافات الثنائية بين دول القارة"، مضيفاً أن "هذا الانضمام سيعزز من دون شك هذا الدور، وسيجعل الدبلوماسية المغربية أكثر نشاطاً وفعالية".
وليست السياسة وحدها التي تأمل بلدان الاتحاد الأفريقي من المغرب أن يدفع بها عربة تطور القارة السمراء، ولكن أيضاً مؤهلاته الأمنية التي راكمها طيلة فترة انسحابه من المنظمة الأفريقية منذ 1984، إذ هناك عناصر كثيرة تجعل من عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي مختلفة عن لحظة مغادرته له.
وفي هذا الصدد، اعتبر رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، عبد الرحيم منار اسليمي، أن "المغرب يعود كقوة إقليمية له موقع جيوستراتيجي يجعل لسياسته الخارجية تأثيراً جيوسياسياً وجيوأمنياً في القارة الأفريقية"، موضحاً أن "الاستقرار الموجود في غرب أفريقيا أدى فيه المغرب دوراً أمنياً كبيراً". وتوقع اسليمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "يؤدي المغرب هذا الدور في دول أخرى من القارة، من بينها نيجيريا، فالمغرب يقدّم بعودته للاتحاد الأفريقي نموذجاً أمنيا بأذرع ثلاثة: الأمن الروحي الديني، والأمن الاجتماعي، والمدرسة الاستخباراتية المغربية بنموذجها في التدخّل الأمني الاستباقي".


واعتبر أن "المقاربة التي ظلت داخل الاتحاد الأفريقي عسكرية صرفة لم تستطع أن تحدّ من خطورة الأزمات والتوترات المنتشرة في بعض أجزاء القارة؛ من القرن الأفريقي إلى نيجيريا وبحيرات تشاد وشمال مالي، والشريط الممتد من جنوب ليبيا إلى جنوب الجزائر". ورأى أنه "لمواجهة الخطر الإرهابي، سيقدّم المغرب لدول الاتحاد الأفريقي أساليب أمنية غير تقليدية، ما يفسر الطلب الكبير من قِبل العديد من الدول الأفريقية على عودة المغرب للاتحاد الأفريقي، لكونها تدرك جيداً أن للمغرب نموذجاً من شأنه تغيير مقاربة دول الاتحاد في التصدي للمخاطر والتهديدات الجديدة، إذ يعمل على تأسيس مفهوم جديد للأمن القومي لبعض دول القارة السمراء".

مصالح اقتصادية وارتباط ديني
يبدو أن المغرب بات يغري العديد من بلدان القارة الأفريقية باستثماراته واتفاقياته ذات الطابع الاقتصادي التي يبرمها مع عدد من الدول التي قام الملك المغربي بزيارتها، منها بلدان عُرفت حتى فترة قريبة بكونها تؤيد طرح جبهة البوليساريو المطالبة بانفصال الصحراء عن سيادة المملكة، كنيجيريا التي سبق للملك أن زارها، أو زامبيا التي ينوي زيارتها قريباً.
وفي هذا السياق، قال الباحث الاقتصادي محمد مجدولين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "لغة المصالح متبادلة بشكل جلي بين المغرب وعدد من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، تمزج بين السياسي والاقتصادي، فالرباط تبحث عن كسب بلدان أفريقية في صفها في قضية الصحراء المتنازع بشأنها منذ 1975، أو على الأقل تحييدها ووقف دعمها لما يسمى الجمهورية الصحراوية، بينما البلدان الأفريقية تحصل مقابل ذلك على استثمارات ومشاريع تنموية تشغل شبابها العاطل من العمل وتحرك عجلة اقتصاداتها الراكدة".
واعتبر مجدولين أن الدبلوماسية الاقتصادية للمملكة أدت أدواراً حاسمة في كسب أوراق عدد من البلدان الأفريقية، خصوصاً نيجيريا التي زارها الملك قبل بضعة أسابيع، حيث تم التوقيع على اتفاق مغربي نيجيري لإقامة أنبوب لنقل الغاز النيجيري إلى دول أوروبا عبر دول غرب أفريقيا، لافتاً إلى أنه مشروع شكل نقلة نوعية في العلاقات الاقتصادية بين المغرب وبلدان أفريقية.

وتقول الأرقام الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية إن المملكة استثمرت ما يزيد عن 600 مليون دولار في أفريقيا خلال سنة 2015، وخلال سنة 2016، بلغت الاستثمارات المغربية في أفريقيا جنوب الصحراء 85 في المائة من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتطاول خصوصاً قطاعات العقارات والمصارف والزراعة والصناعة والاتصالات. وليست السياسة والأمن والاقتصاد الثالوث الوحيد الذي يجذب المغرب إلى أفريقيا، وأفريقيا إلى المغرب، خصوصاً منذ وصول محمد السادس إلى سدة الحكم عام 1999، ولكن أيضاً الروابط الدينية التي تجعل من المغرب لاعباً محورياً في ملعب "الأمن الروحي" ومحاربة التطرف في الأدغال الأفريقية.

وعلّق الخبير في الشأن الديني والسياسي، إدريس الكنبوري، على هذا الموضوع قائلاً في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "الاشتراكية كانت في السابق هي النموذج، أما اليوم فأصبح الدين هو المحور الرئيسي في المعادلة الاستراتيجية في القارة السمراء، بسبب انتشار الجماعات المتطرفة والفكر العنيف، والنتيجة هي أن المنطقة لم يعد فيها نموذج ديني يمكن أن يقوم بالدور المناسب للمرحلة"، مشيراً إلى أن "المغرب سيقوم بهذا الدور مستقبلاً". وأوضح أن "المغرب هو البلد الأفريقي والمغاربي الوحيد الذي وضع مبكراً مخططاً للإصلاح الديني، أصبح مطلوباً اليوم في أفريقيا، ولذلك أنشأ معهداً لتكوين الأئمة والمرشدين يُدَرّس فيه عدد من الأفارقة بمقتضى اتفاقيات بين المغرب وهذه البلدان، مثل النيجر ومالي وغينيا". وأضاف أن "المغرب هو البلد الوحيد في المنطقة الذي حافظ على استقرار مؤسساته الدينية لعقود طويلة، وعلى رأسها مؤسسة إمارة المؤمنين التي تحظى بجاذبية خاصة وسط شعوب القارة".

عقبة البوليساريو
وإذا كانت كل مقوّمات عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي حاصلة، فإن السؤال الذي يطرحه الكثيرون يتمحور حول كيفية إدارة المملكة مكانها الجديد في المنظمة في خضم تواجد جبهة البوليساريو، التي لا زالت حتى اليوم عضواً كامل العضوية في ذات المنظمة، ووراءها الجزائر التي تقدّم لها دعماً سياسياً.

وعن هذا الموضوع، قال مدير مختبر الدراسات الدولية حول إدارة الأزمات، أستاذ القانون والعلاقات الدولية، إدريس لكريني، إن توجّه المغرب للعودة إلى الاتحاد الأفريقي في هذه المرحلة بالذات، هو مبادرة من موقع أقوى بالنظر لاعتبارات عدة تتصل بحجم التشابك والتطور اللذين طبَعا العلاقات المغربية بعدد من الدول الأفريقية التي بادر عدد كبير منها إلى سحب اعترافه بالبوليساريو.

ولفت إلى أن "المغرب طرح مشروع الحكم الذاتي في الصحراء، في مقابل الخطابات والمطالب التقليدية التي تطرحها البوليساريو"، مؤكداً أن "عودة المغرب لا تمثّل رهاناً مغربياً فقط، على الرغم من أنها ستمكّنه من الدفاع عن تصوراته حول ملف الصحراء والمرافعة بشأنه بطريقة مباشرة، وتجاوز المواقف الأحادية التي ظلّ البعض يردّدها داخل الاتحاد بصدد القضية، فضلاً عن السعي نحو إقناع بعض دول الاتحاد بالتراجع عن الخطأ الذي شكّل سابقة خطيرة من شأنها الإساءة مستقبلاً لوحدة الدول الأفريقية". وأشار إلى أن "هناك مؤشرات هامة تبرز اقتناع الكثير من أعضاء المنظمة الأفريقية بضرورة تصحيح خطئها سنة 1984، وسحب العضوية من البوليساريو"، مردفاً أنه "يمكن لعودة المغرب هذه التي أفرزت تخوفات جدّية في أوساط خصوم المغرب أن تعزز من هذا التوجه".