الباغوز السورية... لغز معركة الأمتار الأخيرة لـ"داعش"

الباغوز السورية... لغز معركة الأمتار الأخيرة لـ"داعش"

02 مارس 2019
يتقدم عناصر "قسد" بحرص شديد (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

تواجه اندفاعة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) باتجاه الأمتار الأخيرة التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" في بلدة الباغوز السورية معضلة كبيرة، إذ إن من تبقى من عناصر التنظيم في المنطقة هم انتحاريون، كما أن هناك الكثير من الأنفاق، في الجيب الأخير للتنظيم في الباغوز في ريف دير الزور الشرقي.

وأطلقت "قوات سورية الديمقراطية"، أول من أمس، المرحلة النهائية من "معركة دحر الإرهاب" لتحرير ما تبقى من قرية الباغوز آخر منطقة مأهولة لا تزال تحت سيطرة مسلحي التنظيم، بعد أن طردت هذه القوات التنظيم من الأراضي التي كان يسيطر عليها في منطقة شرقي نهر الفرات، بدءً من أواخر عام 2015. وتوقعت "قسد"، التي تشكل "وحدات حماية الشعب" الكردية ثقلها الرئيسي، قرب انتهاء المعركة من أجل السيطرة على آخر جيب لتنظيم "داعش" في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات. ونقلت وكالة "رويترز"، أمس السبت، عن المكتب الإعلامي لـ"قسد"، المدعومة من الولايات المتحدة، أن مسلحي هذه القوات توغلوا في الجيب وأن قتالاً شرساً يدور مع عناصر "داعش". كما نقلت وسائل إعلام كردية عن المكتب إشارته إلى أن "المعارك الضارية مستمرة في الباغوز"، وأن مسلحي "قوات سورية الديمقراطية يتقدمون بشكل متواصل، وتمكنوا حتى الآن من تحرير ستّ نقاط" عقب مقتل عدد من عناصر "داعش"، وإصابة عدد من عناصر "قسد". وقصف طيران التحالف الدولي، مساء الجمعة وفجر السبت، المنطقة المحاصرة في ناحية الباغوز بقنابل الفوسفور الأبيض، والتي شوهدت أثناء انفجارها في الهواء فوق المنطقة، بالتزامن مع دوي انفجارات واشتباكات عنيفة بين عناصر "قسد" وعناصر "داعش" المتحصنين في المنطقة.

وأكدت مصادر مطلعة أن الألغام التي زرعها عناصر "داعش" في محيط جيبه الأخير تلعب دوراً في منع مسلحي "قوات سورية الديمقراطية" من التقدم بشكل سريع وسحق ما تبقى من مسلحي التنظيم، مرجحة أن يكون جلهم من الأجانب الذين اختاروا القتال حتى اللحظة الأخيرة على الاستسلام للتحالف الدولي، مستفيدين من تعطّل دور الطيران بشكل كبير بسبب اقتراب نقاط التماس مع "قسد". وأشار المتحدث باسم حملة "قسد" في دير الزور عدنان عفرين إلى "اشتباكات عنيفة" تخوضها قواته مع التنظيم. وقال إن "المسافة الجغرافية التي كانت تفصلنا عن داعش انتهت وباتت المواجهة مباشرة"، مشيراً إلى إصابة ثمانية مقاتلين بجروح بالغة. وإثر هذا التقدم، بات بإمكان "قوات سورية الديمقراطية" رصد حركة مقاتلي "داعش" بين الخيم والأبنية من النقطة التي وصلت إليها، بحسب مسؤول في "قسد". وأوضح عفرين لوكالة "فرانس برس" أنه لا يمكن "وضع مدة زمنية لإنهاء المعركة، يومين أو ثلاثة أيام أو أسبوع، بناء على المفاجآت التي سنتحضّر لها". وأشار إلى أن التنظيم "يقاتل في الجيب الأخير من أجل الحياة أو الموت. الذين لا يريدون الاستسلام الآن نهايتهم الموت". ويحصل التقدم، وفق ما شرح قائد ميداني، "بحرص شديد مع وجود الكثير من الأنفاق والانتحاريين"، مشيراً إلى أن "كل الدواعش المتبقين يرتدون أحزمة ناسفة". وقال القيادي في "قسد" زانا أميدي، لوكالة "أسوشييتد برس"، إن "قوة برية نشطة" تتقدم إلى الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، الذي يلجأ عناصره إلى نيران القناصة والألغام والعبوات الناسفة.


من جانبها، ذكرت شبكة "فرات بوست" المحلية أن "كتائب سيد الشهداء" العراقية، التابعة إلى "الحشد الشعبي"، أرسلت أمس السبت تعزيزات عسكرية إلى الجهة المقابلة للجيب الأخير لتنظيم "داعش"، تحسباً من تسلل عناصر التنظيم عبر نهر الفرات الذي يفصل بين الباغوز وبادية دير الزور. وكانت مجموعات من "داعش" حاولت اجتياز نهر الفرات باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري على الضفة اليسرى المقابلة لمنطقة الباغوز في بادية دير الزور، حيث اشتبكت مع قوات النظام ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى من الطرفين.

وتحوّل تأخر الحسم في قرية الباغوز إلى لغز كبير، خصوصاً أن المنطقة استعصت على التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن، رغم أن التنظيم محاصر في بقعة جغرافية ضيقة، وتبدو آماله ضئيلة جداً بإمكانية شق طريق يفضي إلى البادية السورية، حيث لا يزال يحتفظ بجيوب له، أو إلى محافظة الأنبار العراقية حيث لا يزال يملك وجوداً فيها. وزعمت "قسد" أن وجود مدنيين في المنطقة يحول دون الحسم السريع، لكن التنظيم وافق، وفق اتفاق مع التحالف الدولي، على إخراج كل المدنيين، بمن فيهم عائلات مقاتلين أجانب، إلى مخيم "الهول" في ريف الحسكة، الواقع تحت سيطرة القوات الكردية. وذكرت مصادر إعلامية كردية، منذ أيام، أن "عشرات الأطنان من الذهب، الذي كان بحوزة داعش في جيبه الأخير بمنطقة الباغوز في ريف دير الزور باتت بيد الأميركيين"، مضيفة أن "الجنود الأميركيين نقلوا نحو 50 طناً من ذهب داعش إلى بلادهم، عبر قواعدهم في عين العرب (كوباني) شمالي شرقي حلب، فيما أبقوا كمية قليلة من الذهب للوحدات الكردية". وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، في ديسمبر/كانون الثاني الماضي، أن مسلحي تنظيم "داعش" في العراق وسورية وضعوا أيديهم على مبالغ طائلة بالعملة الصعبة والعراقية، فضلاً عن سبائك من الذهب تقدر بمئات ملايين الدولارات.

وفيما لم تعرف الأسباب الحقيقية وراء عدم التعجيل بالحسم في الباغوز، تذكر مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أنه من المرجح وجود كميات كبيرة من الأموال لدى فلول التنظيم "لا يريد الأميركيون التفريط بها، ويبحثون عن طريقة للحصول عليها"، مضيفة "كما أنه من المحتمل وجود قياديين مهمين في التنظيم في الباغوز تريدهم واشنطن أحياء". وأكدت المصادر، التي كانت منذ أيام في محيط الباغوز، أن التحالف الدولي يفاوض التنظيم على تسليم قياديين من جنسيات أوروبية موجودين في الباغوز، مشيرة إلى أن التحالف يتريّث في الحسم على أمل نجاح هذه المفاوضات. من جانبه، يصر رئيس تحرير موقع "الشرق نيوز" فراس علاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن أسباباً سياسية تقف وراء تأخر الحسم في الباغوز. وقال إن "ترتيبات ما بعد الباغوز هي العائق. هناك الكثير من القضايا التي لم تحسم بعد، منها مصير المنطقة بعد القضاء على التنظيم، ومصير قوات سورية الديمقراطية عقب انتهاء مهمتها الرئيسية، وهي محاربة التنظيم في منطقة شرقي نهر الفرات". ويعتقد علاوي أن "لدى التنظيم أوراقاً تمكنه من التفاوض مع التحالف الدولي، منها بعض الأسرى المهمين الذين من المحتمل أن تجري مفاوضات حولهم"، لكنه استبعد "وجود قياديين بارزين في التنظيم في الباغوز"، مرجحاً خروجهم مع زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي من شرق سورية إلى منطقة الأنبار غربي العراق.

وبدأت "قوات سورية الديمقراطية"، في سبتمبر/أيلول الماضي، حملة عسكرية للقضاء على التنظيم في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات، لكن الحملة واجهت عقبات عسكرية وسياسية أدت إلى امتداد الصراع عدة أشهر، قتل خلالها مئات المدنيين بالقصف المدفعي لهذه القوات والجوي من قبل طيران التحالف الدولي. وقتل في هذه الحملة الكثير من مسلحي "قسد"، خصوصاً من المكون العربي الذين كانوا في المواجهة المباشرة مع التنظيم من دون تدريب كافٍ، وفق مصادر في هذه القوات التي تعد الذراع البرية للتحالف الدولي في سورية.