النظام السوري يدخل صراع عفرين: تركيا عدوّ مشترك

النظام السوري يدخل صراع عفرين: تركيا عدوّ مشترك

13 فبراير 2018
مقاتل كردي في بلدة راجو في عفرين (فرانس برس)
+ الخط -
تدخل عملية "غصن الزيتون"، التي أطلقتها تركيا في 20 يناير/كانون الثاني الماضي ضد الوحدات الكردية في عفرين، مرحلة جديدة عنوانها الأبرز حصول الأكراد على دعم علني من النظام السوري وإيران ضمن هدف واحد هو استنزاف الجيش التركي، الذي تعرض لخسائر بشرية كبيرة منذ بدء العملية العسكرية في موازاة تقدمه في محيط عفرين، وهو ما أكدته هيئة أركان الجيش التركي، أمس الاثنين، بإعلانها مقتل 31 جنديا تركياً وإصابة 143 منذ بدء العملية العسكرية، وذلك بعد يومين من يوم دام سجل أكبر حصيلة يتكبدها الجيش التركي منذ بدء الهجوم، قتل خلالها 11 جندياً تركيا.
ويأتي الكشف العلني عن هذا الدعم وأشكاله المختلفة، فضلاً عن الإقرار الأميركي بانتقال مقاتلين من قوات سورية الديمقراطية (قسد)، التي يشكل الأكراد غالبيتها، إلى عفرين، ليظهر البعد الجديد لمعركة "غصن الزيتون" التي تصر تركيا على المضي قدماً بها لأهميتها في ضمان أمنها القومي والخطوط الحمراء التي سبق أن وضعتها في ما يتعلق بما تقول إنه حماية حدودها. وتتزامن هذه التطورات مع اتجاه الوضع العسكري في ريف إدلب الجنوبي الشرقي الى مزيد من التأزيم مع تقدم عناصر يتبعون تنظيم "داعش" على حساب قوات المعارضة وهيئة تحرير الشام (تحالف تقوده النصرة) التي تحاول استيعاب تطور عسكري من شأنه خلط أوراق الصراع في أهم معاقلها، فيما يشير محللون الى أن التنظيم يخدم أهداف النظام وحلفائه الإيرانيين بفتح ثغرة باتجاه مناطق المعارضة.



النظام يدعم الأكراد


وتتواصل عملية "غصن الزيتون" بقيادة الجيش التركي وفصائل تابعة للمعارضة السورية المسلحة ضد الوحدات الكردية في منطقة عفرين على الحدود السورية التركية، وسط تزايد الأنباء عن تقديم النظام مساعدة عسكرية ولوجستية للمقاتلين الأكراد في عفرين عبر طرق تربط حلب وعفرين مرورا ببلدتي نبّل والزهراء شمال حلب.

وأكدت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" أن أرتالاً من المقاتلين الأكراد جاءت من شرقي الفرات مروراً بمدينة منبج ومناطق تحت سيطرة النظام ووصلت إلى مدينة عفرين وريفها، مشيرة إلى أن مليشيات إيرانية متمركزة في نبل والزهراء تقاتل إلى جانب المقاتلين الأكراد في عفرين، موضحة أن إيران والنظام زودا المقاتلين الأكراد بصواريخ مضادة للدروع، وغازات سامة، رداً على تمركز الجيش التركي في منطقة العيس جنوب غربي حلب أخيراً.

وكانت "الإدارة الذاتية" في منطقة عفرين طالبت قوات النظام بالدفاع عن المنطقة مع بدء عملية غصن الزيتون. وفي السياق نفسه، أفادت وكالة "رويترز"، في تقرير لها يوم الأحد الماضي، بأن "المدد لأكراد سورية المدعومين من الولايات المتحدة جاء من حيث لم يحتسبوا"، إذ كان "الرئيس السوري بشار الأسد هو مصدر العون". وبحسب التقرير فإنه "في عفرين العدو مشترك للجانبين، ولهما مصلحة متبادلة في صدّ تقدم القوات التركية".

وقال ممثلون للطرفين لوكالة "رويترز" إن قوات النظام توفر دعماً غير مباشر للأكراد من مقاتلين ومدنيين وساسة من خلال السماح لهم بالوصول إلى عفرين عبر الأراضي الخاضعة لسيطرتها. وبذلك يستطيع رئيس النظام السوري بشار الأسد أن يحقق مكاسب دون أن يفعل شيئا يذكر، إذ إنه من المرجح أن يدعم وصول تعزيزات القوات الكردية ويعطل تقدم القوات التركية ويطيل من أمد الصراع الذي يستنزف موارد القوى العسكرية التي تنازعه السيطرة على أرض سورية.

وأوضح المتحدث باسم قوات سورية الديمقراطية، كينو غابرييل، أنه توجد طرق مختلفة لإرسال التعزيزات إلى عفرين لكن "مبدئياً هناك الطريق الأساسي الذي يمرّ عن طريق قوات النظام. وهناك تفاهمات بين القوتين لتأمين المنطقة... لإرسال التعزيزات". بدوره، قال قائد في التحالف العسكري، الذي يقاتل دعماً للأسد، إن الأكراد ليس أمامهم خيار سوى التنسيق مع الحكومة السورية للدفاع عن عفرين. وأضاف القائد، الذي اشترط إخفاء هويته، أن "النظام السوري يساعد الأكراد إنسانيا وببعض الشيء اللوجستي كغض النظر وتسهيل وصول بعض الدعم الكردي من بقية الجبهات".

من جهته قال المسؤول الكردي من حي الشيخ مقصود، بدران حمو، أثناء لقاء نظمته قوات الأمن الكردية لتأبين عشرة من المقاتلين الذين سقطوا في المعارك، إن المئات من حي الشيخ مقصود حملوا السلاح وتوجهوا للدفاع عن عفرين. وتتطلب هذه الرحلة القصيرة الانتقال عبر مناطق تحت سيطرة الحكومة أو الفصائل الشيعية المدعومة من إيران المتحالفة معها. وأضاف "استشهد حوالي عشرة منهم".


في موازاة ذلك، اعترف وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، الإثنين، أنّ قسماً من مسلحي الوحدات الكردية التي تشكل الثقل الكبير في "قوات سورية الديمقراطية"، توجهوا إلى عفرين من المناطق الأخرى في سورية الخاضعة لسيطرتها، بعد عملية "غصن الزيتون".

ونقلت الاناضول عن المسؤول الأميركي قوله أن العملية التي تجري في عفرين (غصن الزيتون) "شتتت تركيز" الأكراد داخل ما يسمى "قوات سورية الديمقراطية"، مضيفا: "الوضع في عفرين شتت تركيز نحو 50 في المائة أو أكثر أو أقل من قوات سورية الديمقراطية. يرون أصدقاءهم يتعرضون لهجوم في عفرين، وهذا ما يشتت تركيزهم، وثمة بعض الوحدات توجهت إلى هناك". وأشار إلى أنّ تركيا الدولة الوحيدة في حلف شمال الأطلسي التي تشهد "تمرداً مسلحاً" داخل حدودها، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني، مضيفاً: "لا ننكر إطلاقا القلق المشروع لتركيا حيال أمن حدودها مع سورية".

تقدم "داعش" في إدلب

في غضون ذلك، تتواصل الاشتباكات بين هيئة تحرير الشام وفصائل تتبع للمعارضة السورية منها أحرار الشام، وفيلق الشام من جهة، وبين فلول تنظيم داعش الذين وصلوا إلى أطراف ريف إدلب الجنوبي الشرقي من جهة أخرى. وأكد الناشط الإعلامي شحود جدوع، في حديث مع "العربي الجديد"، تحقيق التنظيم تقدماً أمس الإثنين بسيطرته على قريتين هما: بلدة الخوين، وقرية الزرزور، مشيراً إلى مقتل عدد من مقاتلي المعارضة في الاشتباكات.
من جهته، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى استمرار الاشتباكات "بوتيرة عنيفة" على محاور بريف إدلب الجنوبي الشرقي، بين هيئة تحرير الشام وفصائل تابعة للمعارضة السورية من طرف، وعناصر من تنظيم "داعش" من طرف آخر. وأشار إلى أن الاشتباكات "تترافق مع قصف واستهداف متبادل بين الطرفين"، مؤكداً أن "داعش" تمكن من تحقيق تقدم وصفه بـ"الهام"، تمثل بالسيطرة على قريتي الخوين والزرزور في المنطقة، وسط استمرار المحاولات للسيطرة على قرية أم الخلاخيل. كما لفت إلى أن الفصائل أسرت عناصر من التنظيم.
وأوضحت مصادر محلية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن عدد عناصر التنظيم يقدر بنحو 200 عنصر أغلبهم من فصيل "جند الأقصى" الذي طردته المعارضة السورية من محافظة إدلب والتحق بالتنظيم في شرقي حماة. وبات من الواضح أن عناصر التنظيم يسعون للسيطرة على مدن وبلدات في ريف إدلب هي تحت سيطرة المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام، ما يعني خلط أوراق الصراع مرة أخرى، وحصول النظام وحلفائه على ذريعة أخرى للفتك بالمنطقة.

من جهته، رأى عبد الوهاب عاصي، وهو باحث في مركز "جسور" للدراسات، أن "التقدم الذي أحدثه عناصر التنظيم للوصول إلى التمانعة، يعني التمهيد من أجل السيطرة والوصول إلى خان شيخون الواقعة على أوتوستراد دمشق -حلب الدولي". ولفت إلى أنه "أصبح واضحاً أن التنظيم يخدم أهداف إيران على الأرض، ففتح الثغرة له باتجاه مناطق سيطرة المعارضة لا يوجد له أي مبرر سوى تكرار سيناريو الرهجان، ففي حال وصول داعش إلى التمانعة أو خان شيخون، سيتمكن النظام من السيطرة على مواقعه بسهولة مثل المرات السابقة". وبرأي عاصي أن تقدم تنظيم "داعش" يأتي بعد فشل مليشيات النظام بالتقدم باتجاه سراقب من محور أبو ظهور، مضيفاً أن "النظام يريد السيطرة على المدن الواقعة على طريق دمشق -حلب الدولي ومنها سراقب، وخان شيخون ومعرة النعمان".

وأشار عاصي إلى أن قوات النظام غير قادرة على فتح محورين بنفس الوقت، بسبب المقاومة الكبيرة التي أظهرتها فصائل "دحر الغزاة"، لذلك دفع النظام باتجاه فتح محور خان شيخون عبر تنظيم داعش نفسه"، وفق الباحث. وكانت أكثر من 10 فصائل تابعة للمعارضة السورية شكلت بداية الشهر الحالي غرفة عمليات "دحر الغزاة" لتوحيد الجهود في المعارك ضد قوات النظام، والمليشيات المساندة، وضد تنظيم داعش. وضمت الغرفة فصائل: أحرار الشام، فيلق الشام، جيش الأحرار، جيش إدلب الحر، جيش العزة، جيش النصر، حركة نور الدين الزنكي، جيش النخبة، الجيش الثاني، لواء الأربعين، الفرقة الأولى مشاة.