نتنياهو لا يستعجل الرحيل: الطريق إلى المحاكمة الفعلية طويل

نتنياهو لا يستعجل الرحيل: الطريق إلى المحاكمة الفعلية طويل

23 نوفمبر 2019
يسعى نتنياهو لاستغلال الثغرات وكسب الوقت (جاك غيز/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من إعلان المستشار القضائي لحكومة الاحتلال، أفيحاي مندلبليت، أول من أمس الخميس، قراره الرسمي بتقديم لوائح اتهام ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، على خلفية ثلاثة ملفات فساد يلاحق بها الأخير، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن تبدأ محاكمة نتنياهو قريباً، إذ من المتوقع أن يستغل رئيس حكومة الاحتلال الثغرات والتشريعات المقبلة، للمماطلة وكسب الوقت قدر الإمكان، آملاً في تحسين موقعه وفرصه في تجنب محاكمة فعلية حالياً، بما يعني أن جدولاً زمنياً سيكون طويلاً لبدء المحاكمة، قد يستغرق في أقلّ تقدير ستة أشهر، إذا لم تحدث تغييرات داخل حزب "الليكود"، وداخل المشهد الإسرائيلي العام.

ملفات نتنياهو الرئيسية

يتصل قرار المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية بثلاثة ملفات رئيسية اشتبهت الشرطة فيها بأن نتنياهو خرق القانون وارتكب جرائم مختلفة تتصل بالفساد وتلقي الرشاوى وخيانة الأمانة العامة والغش، وهي الملفات 1000، و2000، و4000.

ويتصل الملف 1000 بالأساس بثبات لجوء نتنياهو وزوجته إلى تلقي "هدايا" بطرق غير قانونية، بشكل ثابت من اثنين من رجال الأعمال الأثرياء، على هيئة "شمبانيا" فاخرة لزوجته سارة، وسيجار كوبي له، من رجلي الأعمال أرنون ميلتشين الإسرائيلي، وجيمس باكر الأسترالي. كما مول الاثنان أيضاً رحلات نقاهة واستجمام لعائلة نتنياهو، بمن فيهم ولده يئير.

أما الملف 2000، فيتعلق بمحاولة بنيامين نتنياهو تعديل خط تحرير صحيفة "يديعوت أحرونوت" الذي كان مناهضاً له، مقابل إقناع الثري اليهودي الأميركي، شيلدون إدلسون، ناشر صحيفة "يسرائيل هيوم" التي توزع مجاناً، بعدم إصدار ملحق أسبوعي مجاني، ينافس الملحق الأسبوعي لصحيفة "يديعوت أحرونوت". خلال هذا المسعى، التقى نتنياهو عدة مرات مع ناشر "يديعوت أحرونوت"، أرنون موزيس، وتبادل الاثنان أفكاراً حول كيفية تطبيق هذا الأمر، وكان الشاهد الرئيسي ضد نتنياهو في هذا الملف، هو مدير ديوانه أريك هارو، الذي قدم للشرطة تسجيلات صوتية وبالفيديو، للقاءات ومحادثات نتنياهو مع أرنون موزيس.

وتقرر في الملف 4000، إضافة إلى تهمة خيانة الأمانة العامة والغش، تحديد تهمة الفساد وتلقي الرشوة. يتصل هذا الملف، هو الآخر بمحاولة نتنياهو تعديل خط التحرير في موقع "والاه" الإلكتروني، وضمان نشر أخبار إيجابية عنه وعن زوجته سارة. لتحقيق هذه الغاية، وافق نتنياهو على منح صاحب الموقع، رجل الأعمال شاؤول إيلوفيتش، مالك شركة الهواتف الأرضية، "بيزك"، امتيازات هائلة في سوق الاتصالات والتلفزة قدرت بمئات ملايين الشواقل ولغاية مليار شيقل. وكما في ملف 2000، فإن الشهود الملكيين ضد نتنياهو، شلومو فيلبر، الذي كان مديراً عاماً لوزارة الاتصالات، ونير حيفتس، المستشار الإعلامي لنتنياهو. وقد تحول الاثنان لشاهدين ملكيين، قدما للشرطة أشرطة وتسجيلات، ورسائل نصية تثبت تورط نتنياهو وزوجته بمحاولات التأثير على خط تحرير موقع "والاه"، كما على الامتيازات التي منحها نتنياهو لشاؤول إيلوفيتش. 


الجدول الزمني
عملياً، يمكن القول إن قرار المستشار القضائي عمّق الأزمة السياسية في إسرائيل، وحالة الاستقطاب الشديدة بين اليمين المتطرف الداعم لنتنياهو (الليكود، أحزاب الحريديم، حزب البيت اليهودي وحزب اليمين الجديد)، وهي الأحزاب المشكلة لكتلة الـ55 نائباً الذين يؤيدون تشكيل حكومة يمين بقيادته، من جهة، وبين المعسكر المضاد لرئيس الحكومة الذي يشمل أحزاب تحالف كاحول لفان، بقيادة الجنرال بني غانتس، وتحالف المعسكر الديمقراطي وحزب العمل - غيشر والقائمة المشتركة للأحزاب العربية، من جهة أخرى. وتملك هذه أحزاب المعسكر المضاد مجتمعةً 57 مقعداً، فيما لم يصدر وزير الحرب الأسبق أفيغدور ليبرمان، الذي حاز حزبه، "يسرائيل بيتينو"، على ثمانية مقاعد في الكنيست، موقفاً واضحاً بشأن مستقبل نتنياهو السياسي، في ظلّ القرار المذكور.

وأول ما ينبغي الانتباه إليه في سياق الجدول الزمني، هو حقيقة أن القانون يمنح نتنياهو، قبل كل شيء، مهلة 30 يوماً لتقديم طلبٍ بتطبيق الحصانة الجوهرية على نشاطاته، أي بعبارات أخرى، ردّ لوائح الاتهام وقرار المستشار القضائي للحكومة، وعدم تقديم هذه اللوائح كلّياً، واعتبار ما قام به رئيس الحكومة الإسرائيلي من تجاوزات، مشمولاً في الحصانة البرلمانية الجوهرية. إلى ذلك، فإن حصول نتنياهو على هذه الحصانة، حتى في حال قرر تقديم طلب الحصول عليها في الموعد الأخير، أي في اليوم الـ30، يمنحه مهلة إضافية، لأن تقديم الطلب والمصادقة عليه يكون أمام "لجنة الكنيست"، وهي اليوم غير مشكلة بفعل التعادل في موازين القوى، ما يعني اضطرار مختلف الأحزاب للخوض في دوامة تشكيل هذه اللجنة وعرض الطلب عليها، كي تناقشه وترفع توصيةً في حال إقرارها حق الحصانة، للهيئة العامة للكنيست لإقراره. وهنا، من المحتمل جداً في هذه المرحلة، أن يتمكن نتنياهو من تجنيد أغلبية في الكنيست للقبول بمنحه الحصانة، فيما تكون مهلة الـ21 يوماً الحالية التي بمقدور 61 عضواً في الكنيست ترشيح أي عضو فيه لتشكيل الحكومة الجديدة، قد مرت.

وفي حال لجأ نتنياهو إلى خطوة المماطلة في طلب الحصانة حتى اليوم الـ30، تكون المهلة الرسمية للـ21 يوماً التي بدأت الخميس الماضي بعد فشل الجنرال بني غانتس في تشكيل حكومة، قد انتهت، وبالتالي ستتجه إسرائيل إلى معركتها الانتخابية الثالثة، التي ستجري في شهر مارس/آذار المقبل.  

هذا السلوك يعني بكل بساطة، تأجيل تقديم لوائح الاتهام بشكل رسمي لمدة تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر. ويفتح هذا الأمر بدوره، خيارات أو أملاً جديداً أمام نتنياهو، يتمثل في نجاحه، في حال جرت الانتخابات، بحصد أصوات أكثر، وتغيير موازين القوى الحالية التي تشل الحياة السياسية في إسرائيل.

وإذا تمخضت الانتخابات المقبلة عن تغيير في موازين القوى، فمن المحتمل جداً أن يتمكن نتنياهو من تشكيل حكومة جديدة، يُخضع شركاءه فيها أولاً لشرط تأييد تعديل قانون الحصانة، لينطبق بشكل مباشر وفوري عليه، بما يعفيه من المساءلة القانونية على الرغم من قرار المستشار القضائي للحكومة، أو شرط سنّ قانون جيد يعرف في إسرائيل بالقانون الفرنسي، لكونه مأخوذاً عن التشريع الفرنسي الذي لا يجيز محاكمة رئيس حكومة ما دام يشغل هذا المنصب.

ويستغل نتنياهو اليوم القانون الإسرائيلي الحالي الذي لا يمنع رئيس الحكومة من مواصلة مزاولة مهامه، حتى لو قدمت ضده لوائح اتهام، أو خضع لمحاكمة، على الرغم من أن محاكمة لرئيس حكومة تستغرق وقتاً طويلاً بفعل مسؤولياته وجدوله الزمني المكتظ.


معركة البقاء
ويمكن القول في ظلّ تصريحات نتنياهو، التي أدلى بها مساء الخميس، إنه لا يعتزم الخضوع للقرار، وسيواصل عمله ما دام القانون يتيح له ذلك، وأنه يستعد عملياً لمعركة البقاء، ليس فقط السياسي، وإنما أيضاً على المستوى الشخصي، لتفادي دخول السجن.

وفي هذا السياق، تنبغي الإشارة إلى أن نتنياهو كان قرر عملياً في العام 2016، مع بدء الشرطة تحقيقاتها في شبهات الفساد ضده أول مرة، عدم تكرار ما اعتبره خطأ قاتلاً أقدم عليه رئيس الحكومة الأسبق أيهود أولمرت، عندما استقال استجابة لضغوط أعضاء في حزبه ووسائل الإعلام. وفي موازاة التحقيقات معه ومع زوجته، أطلق نتنياهو، وعلى مدار السنوات الثلاث الأخيرة، حرباً ضروساً على وسائل الإعلام والشرطة، وحتى النيابة العامة، تمكن خلالها من تكريس مقولة "رئيس الحكومة يتم تغييره في صناديق الاقتراع، وليس في أروقة المحاكم". وعزز نتنياهو هذه المقولة من خلال تبكيره للانتخابات العامة في إسرائيل، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما أعلن حل الحكومة، لتفادي وتشويش الجدول الزمني لتحقيقات الشرطة والنيابة العامة، وسط ترديد مقولات طورها بحسب الحاجة لكسب التأييد الشعبي، مثل ادعائه قبل عامين أن توصيات الشرطة غير ملزمة بالضرورة للنيابة العامة.

وفي العام 2018، عندما بدا واضحاً أن النيابة العامة تميل لقبول التوصيات والدعوة لتقديم لوائح اتهام رسمية ضده، حوّل نتنياهو غضبه من الشرطة إلى النيابة العامة، متهماً إياها بأنها تآمرت مع اليسار والإعلام للإطاحة به، ليس لشخصه، وإنما لكونه يمثل ويقود حكم اليمين في إسرائيل. وعاد نتنياهو وكرر ذلك في خطابه الخميس، بمقولته إن قرار المستشار القضائي لحكومة الاحتلال، الذي كان هو نفسه من قام بتعيينه، بعدما شغل قبل ذلك منصب سكرتير حكومته السابقة، هو محاولة انقلاب قضائية ضد رئيس حكومة منتخب.

خطاب نتنياهو المشار إليه، واتهاماته للإعلام والنيابة العامة، وقبلها الشرطة، مع ما يمنحه القانون من مهلة زمنية تمكنه من تأجيل الموعد الرسمي لتقديم لوائح الاتهام، يشير إلى أن إسرائيل تتجه إلى مزيد من الاستقطاب السياسي والمجتمعي الذي ينذر أيضاً بضرب هيبة مؤسسات الدولة وشرعيتها، إذا تحققت دعوات سياسيين من اليمين، مثل وزير المواصلات بتسليئيل سموطريتش، بأن على شعب إسرائيل النزول إلى الشوارع كي لا يستيقظ، إذا لم يفعل ذلك، على "ديكتاتورية قضائية".

وفيما يبدي نتنياهو تجاهلاً مطلقاً لدعوات أحزاب الوسط واليسار لتقديم استقالته، فإن اليمين المؤيد له أبدى تجاوباً مع روح خطابه، ليس فقط كما تجلى في تصريحات سموطريتش، وإنما أيضاً في التأييد الذي أبدته أحزاب الحريديم لنتنياهو بشكل مطلق، وإعلان وزيرة القضاء السابقة، إيليت شاكيد، أنه على الرغم من احترامها لقرار المستشار القضائي للحكومة، فإن صاحب الحق الوحيد لتعيين أو عزل رئيس حكومة، هو الناخب الإسرائيلي.

كلام شاكيد وتهديدات سموطريتش تعيد الملف كلّه للمربع الأول، وهو الانتخابات المقبلة، على أمل إحداث تغيير في موازين القوى، وذلك على الرغم من أن معركتين انتخابيتين في التاسع من إبريل/نيسان، والسابع عشر من سبتمبر/أيلول الماضيين، لم تحققا لنتنياهو هذه الغاية.

يفتح الأمل الذي يعلقه نتنياهو على الانتخابات المقبلة، الباب في إسرائيل على مصراعيه، أمام معركة انتخابات أشد سوءاً وتحريضاً، وربما سخونة من المعركتين السابقتين، خصوصاً بعدما قطع نتنياهو كل الخطوط الحمراء، بما ينذر بحملة دعاية غوغائية وديماغوجية مشبعة بالتحريض، ضد كل من يقف بينه وبين عودته إلى ديوان رئاسة الحكومة. حملةٌ دعائية لن تقل أيضاً في فاشيتها وعنصريتها ضد الفلسطينيين في الداخل وشرعية تمثيلهم في الكنيست التي يكفلها لهم القانون الإسرائيلي، عن حملات الدعاية التي قادها أصدقاء نتنياهو في اليمين الأوروبي في بلدانهم، وأبرزهم رئيس حكومة المجر (هنغاريا)، فكتور أوربان. ويعيد هذا الأمر للأذهان، تصريح نائب رئيس أركان جيش الاحتلال، يئير غولان، قبل عامين، وبمناسبة إحياء ذكرى جنود قتلى الاحتلال في المعارك، بأن الأجواء السائدة في إسرائيل تذكر بالأجواء التي سادت في ألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي عشية صعود النازيين للحكم.


المساهمون