"واشنطن بوست": بن لادن ميتاً أخطر من البغدادي حياً

"واشنطن بوست": بن لادن ميتاً أخطر من البغدادي حياً

03 نوفمبر 2017
اعتمدت بروباغندا "داعش" على مقاطع فيديو لبن لادن (تويتر)
+ الخط -
أثار نشر الملفات التي تم الحصول عليها بعد هجوم أبوت أباد الذي استهدف مخبأ أسامة بن لادن في عام 2011، اهتماماً متجدداً بزعيم تنظيم القاعدة الراحل. وقد قتل بن لادن على يد القوات الأميركية في باكستان قبل ست سنوات، إلا أن إرثه في تنظيم "القاعدة" لا يزال مطروحاً لنقاش عام وموضعاً لتحليل الخبراء، على الرغم من ظهور تنظيم "داعش"، والذي يعتقد أنه أقوى. 

وتقارن صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، في تحليل نشرته مساء الخميس، بين استراتيجيتي بن لادن وزعيم "داعش"، أبو بكر البغدادي، مبينة أنّ الأول لعب دوراً رمزياً مركزياً مع تنظيم "القاعدة"، ومثّل أساس البروباغندا الدعائية للتنظيم، من خلال تصريحاته وظهوره الشخصي، ما يجعل إرثه راسخاً في فكر وبنية التنظيم. بينما كان البغدادي أقل أهمية في الدعاية التي يعتمد عليها "داعش"، نتيجة لكون التنظيم أقل مركزية وأقل اعتماداً على شخصية القائد.

وقد أعلن عن مقتل البغدادي، مرات عدة، مع أن الجماعة أصدرت مؤخراً ملفاً صوتياً من أجل إثبات أنه لا يزال حياً. ولكن حتى لو كانت تقارير مقتل البغدادي صحيحة، تتساءل الصحيفة: هل سيكون الأمر مهما بقدر ما كان قتل بن لادن؟ وتجيب: على الأغلب لا.

قد يكون بن لادن مسؤولاً عن العمليات اليومية لتنظيم "القاعدة" قبل 11 سبتمبر/ أيلول، لكنه بعد ذلك، قضى معظم حياته كأكثر الإرهابيين المطلوبين في العالم، في دور القائد الرمزي للتنظيم. واعتمدت استراتيجيته على ملفه الشخصي ووضعه داخل الحركة الجهادية العالمية، للضغط على الجماعات المرتبطة من أجل اتباع توجيهاته.

أما البغدادي، فعلى النقيض تماماً، إذ إن زعيم "داعش" لم يظهر إلا نادراً، وكذلك كانت تصريحاته العامة. وقد يكون هذا الظهور قد حفز المتشددين، ولكن ما جذب العديد من الأجانب الذين انضموا إلى "داعش" فعلاً كان أشرطة الفيديو الدعائية الاحترافية أو حسابات وسائل التواصل الاجتماعي للمقاتلين.

ويقول باحثون إن تنظيم "داعش" أعدّ أيضاً لسنوات لاحتمال وفاة البغدادي. وقال أوتسو إيهو، وهو محلل في مركز IHS Jane’s للإرهاب والتمرد: "أنشئت البنية التنظيمية لداعش لتضمن عدم تعرض عمليات المجموعة لضربة قاصمة بعد موت البغدادي، مع وجود شبكة واسعة نسبياً من القادة، ومع بنية تعاقب من المرجح أن تكون عميقة".

بينما يبيّن تشارلي وينتر، وهو باحث في مركز لندن الدولي لدراسة التطرف المتخصص في بروباغندا التنظيم: "هناك سبب لعدم ظهوره (البغدادي) كثيراً في دعاية الجماعة، فهم يدركون أنهم إذا وضعوا كثيراً من التركيز على شخص واحد يمكن قتله، فإن المنظمة بأكملها قد تعاني".

تتابع الصحيفة: "لفهم السبب، يمكن تتبع تاريخ الدولة الإسلامية. فقد أسسه أبو مصعب الزرقاوي، عام 2004، عقب الغزو الأميركي للعراق، حيث كان معروفا باسم القاعدة فى العراق. وكان تنظيم الزرقاوي، وهو أردني قتل في غارة جوية أميركية في عام 2006، مرتبطاً بابن لادن كما يبين اسمه".

وفي الوقت الذي صار فيه البغدادي زعيم ما تبقى من تنظيم "القاعدة" في العراق عام 2010، كان بن لادن زعيماً أيديولوجياً ملهماً أكثر منه مديراً للعمليات اليومية، خاصة أنّ رسائله كانت تستغرق أسابيع أو شهوراً للوصول إلى الوجهة المطلوبة، بسبب عوامل أمنية. وعندما قتلت القوات الأميركية بن لادن في عام 2011، كان ذلك بمثابة معضلة كبيرة للحركات الجهادية العالمية، والتي تطلعت إليه للحصول على نصائح. كما أن مقتله مزق تنظيم القاعدة، الذي كان في ذلك الوقت يتكوّن معظمه من مجموعات منشقة ومتنوعة.
ويوضح رافايللو بانتوتشي، مدير الدراسات الأمنية الدولية في معهد RUS البريطاني: "أحياناً، يمكن أن يؤدي رحيل زعيم إلى تدهور كبير في مجموعة. فعلى سبيل المثال، تسترت حركة طالبان على وفاة زعيمها، محمد عمر، لمدة عامين حتى عام 2015، خوفا من تفكك التنظيم".

ويضيف: "لكن في معظم الحالات، لا يؤدي مقتل القائد إلا إلى زيادة الخلفاء الأكثر راديكالية. وكانت هذه هي الحال بالنسبة لقتل بن لادن، الذي فتح الطريق أمام قادة جدد وأمام إنشاء جماعات منشقة جذرية جديدة، لم تعد مرتبطة بنفوذه. وشمل ذلك مجموعة البغدادي، والتي اكتسبت بعد وقت قصير زخماً في العراق وسورية، ثم تورطت بالفعل في حربها الأهلية".

وبعد عامين من وفاة بن لادن، كان تنظيم داعش ينفذ مجموعة جديدة من الاعتداءات في الشرق الأوسط وحول العالم. وسرعان ما وصف المسؤولون الأميركيون "داعش" بأنه أكثر خطورة من تنظيم "القاعدة". وعلى الرغم من أن البغدادي كان خليفة يدير أراضي فعلية، إلا أنه لم يصل أبداً إلى وضع بن لادن داخل الحركة الجهادية العالمية، ومن غير المحتمل أن يفعل ذلك.

ولعل أعظم إنجاز للبغدادي هو الاستيلاء على الأراضي الفعلية التي أطلق عليها اسم "الدولة الإسلامية"، ولكن مع ذلك فإن القضاء عليه يعني القضاء على إرثه. ومن ناحية أخرى، فإن بن لادن سيعرف دائماً على أنه الرجل الذي نشر "الإسلام الراديكالي العنيف" في جميع أنحاء العالم.