الربيع الكوري ينذر بشتاء أميركي ـ ياباني

الربيع الكوري ينذر بشتاء أميركي ـ ياباني

20 يناير 2018
كيم في مقرّ وكالة الأنباء الكورية الشمالية (فرانس برس)
+ الخط -
تبدّلت لغة العداء بين الكوريتين مطلع العام الحالي، مع مبادرة بيونغ يانغ لفتح باب حواري رياضي مع سيول، انطلاقاً من دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، المقررة في بيونغتشانغ، في كوريا الجنوبية، بين 9 و25 فبراير/ شباط المقبل. ومن الطبيعي، في الشرق الآسيوي، تحوّل الرياضة إلى عامل مساعد في السياسة والاجتماع، وهو ما ظهر مع تسارع اللقاءات الثنائية بين البلدين، تحضيراً للدورة. حتى أن الجهود تكللت بالإعلان عن اتفاق الكوريتين على "تشكيل فريق مشترك" في منافسات هوكي الجليد للسيدات، كما اتفقتا أيضاً على السير معاً تحت علم موحّد لشبه الجزيرة الكورية خلال حفل افتتاح الأولمبياد. وسترسل كوريا الشمالية بعثة مؤلفة من نحو 550 فرداً للأولمبياد، بينهم 230 مشجعاً و140 فناناً و30 لاعباً سيقدمون استعراضاً في التايكواندو. جو التهدئة يسود الكوريتين إذاً. الجوّ "عائلي" للغاية، فالبلدان المنقسمان جغرافياً، تربطهما أصول وقرابة واحدة، وكوريا الجنوبية مستعدة للذهاب إلى النهاية في ملف "توحيد الجزيرة"، لاعتبارات عدة، اقتصادية وسياسية. ومن الطبيعي أن سيول محتاطة للأمر، فدرس توحيد الألمانيتين نموذج يُحتذى، فمهما كانت الصعوبات التي عانت منها ألمانيا الشرقية، إلا أن استيعاب ألمانيا الغربية لها، تدريجياً، جعل من ألمانيا الاتحادية قطباً اقتصادياً عالمياً. هذا ما تطمح إليه سيول أيضاً، ولو كان الاقتراح بتوحيد الجزيرتين يبدأ بنظامٍ فيدرالي، حسبما جاء في وثيقة قدّمتها كوريا الشمالية عام 2016 لنظيرتها الجنوبية، وتتلخّص في "أنه يمكن توحيد الشمال والجنوب على أساس (المبدأ العقلاني والعادل للدولة الفيدرالية)، والذي سيسمح بتعايش منظومتين اجتماعيتين وأيديولوجيتين مختلفتين". الجنوب قد يقبل.

ولكن على بعد بضعة عشرات الكيلومترات، بدت الأجواء غير جيدة في مقرّ رئاسة الحكومة في طوكيو اليابانية، وكذلك في واشنطن الأميركية. بالنسبة إلى اليابان، فإن التقارب القوي بين الكوريتين، يضرّها في نواحٍ عدة، خصوصاً في مسألة الصواريخ البالستية، التي اعتاد نظام كوريا الشمالية تجربتها فوق السماء اليابانية وفي بحر اليابان. كما أن وزير الخارجية الياباني تارو كونو دعا المجتمع الدولي إلى "زيادة الضغط على كوريا الشمالية"، ونقلت هيئة الإذاعة اليابانية "إن إتش كيه"، عنه قوله أخيراً إن "اليابان ترحب بالمحادثات الجارية بين الكوريتين بشأن إرسال رياضيين كوريين شماليين إلى ألعاب بيونغتشانغ، لكن كوريا الشمالية تحاول كسب الوقت لمواصلة تطوير أسلحتها الصاروخية والنووية". واعتبر أن "نية بيونغ يانغ هي جعل بعض الدول ترفع عقوباتها عنها أو تقدم لها دعماً مالياً".

وللدلالة على الانزعاج الياباني، فقد أعلنت جمعية "دعم العائلات" اليابانية نيتها تقديم عريضة إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد كوريا الشمالية، الأسبوع المقبل، بغية دفعها إلى "التحقيق في خطف كوريا الشمالية لأبنائهم، ومعاقبة زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ ـ أون". وكانت كوريا الشمالية أقرّت في عام 2002 بأنها أرسلت عملاء لها لخطف 13 يابانياً في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، من أجل تدريب جواسيسها على اللغة والعادات اليابانية. وسمح لخمسة من هؤلاء المخطوفين بالعودة إلى اليابان، لكن كوريا الشمالية أكدت أن "الثمانية الآخرين توفوا"، من دون تقديم أدلّة على ذلك. أما اليابان فكشفت أن "كوريا الشمالية خطفت 17 من رعاياها"، لكن جمعية "دعم العائلات" أفادت بأن "عدد المخطوفين بلغ 470 يابانياً".



كما سبق أن كشف تقرير للأمم المتحدة حول حقوق الانسان، أن "كوريا الشمالية خطفت 200 ألف شخص، ومعظم هؤلاء كوريون جنوبيون بعد الحرب الكورية (1950-1953)، إلى جانب مئات آخرين من لبنان وتايلاند وماليزيا وسنغافورة ورومانيا وفرنسا، فُقدوا خلال زيارات قاموا بها إلى بيونغ يانغ بين ستينيات وثمانينيات القرن الماضي".

أما الولايات المتحدة، والتي "رحّبت" بالحوار الثنائي، إلا أنها صعّدت ميدانياً مع إعلانها تحرّكاً عسكرياً في جزيرة غوام في المحيط الهادئ، كما اعتبرت على لسان وزير خارجيتها، ريكس تيلرسون، أن "روسيا تدعم كوريا الشمالية في الالتفاف على بعض العقوبات المفروضة عليها لإجبارها على وقف برنامجيها الصاروخي والنووي"، مضيفاً أثناء لقاء ضم 20 دولة لبحث الملف النووي الكوري الشمالي، في فانكوفر الكندية، بين يومي الثلاثاء والخميس الماضيين، أن "موسكو لا تطبق الإجراءات بالكامل، بل ربما تحاول تقويضها، وخصوصاً عبر تزويد كوريا الشمالية بالوقود". أوضحت الولايات المتحدة ما تريد من الحوار "افعلوا ما تشاؤون، لكن النووي الكوري الشمالي يجب أن يُزال".


في المقابل، أعلنت الصين دعمها لمواصلة الحوار ضمن المجموعة السداسية (كوريا الشمالية، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة، والصين، وروسيا، واليابان)، في سياق عدم إخراج الأميركي من المعادلة من جهة، والعمل على معالجة الملف النووي في كوريا الشمالية من جهة أخرى. وهو ما لاقته وزارة الخارجية الكورية الجنوبية، بإعلانها أنها "ستبذل قصارى جهدها لحث كوريا الشمالية والولايات المتحدة على إجراء حوار قائم على الزخم السلمي الناجم عن استئناف المحادثات بين الكوريتين، حتى تتحول إلى حلّ سلمي للمشكلة النووية الكورية الشمالية".

مع ذلك، بدت كوريا الشمالية متقدمة بخطوة على الجميع، سواء عبر الإمساك بـ"الزرّ النووي"، وملف التفاوض مع كوريا الجنوبية، والدعم الروسي ـ الصيني المشترك والضمني لها، في مواجهة العقوبات الأميركية والأممية. كما يدرك كيم أن التدهور الاقتصادي ليس في مصلحة نظامه، لكنه كما رفع سقف المواجهة عبر تقديم نفسه "محاوراً نووياً" إثر سلسلة التجارب البالستية في العام الماضي، فإنه يستعدّ لتنظيم عرض عسكري، عشية الدورة الأولمبية الشتوية، وفق مراقبين كشفوا أن "بعض مسؤولي الدفاع في العالم، تلقوا دعوات لحضور احتفال بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس الجيش الشعبي الكوري في الثامن من فبراير المقبل". كما أن كيم ربما كان سعيداً بـ"الإنذار الخاطئ" الذي أُطلق في جزر هاواي الأميركية، الأسبوع الماضي، مع دعوة الناس للنزول إلى الملاجئ "خشية من صاروخ بالستي". سعادته نابعة من أنه "متقدم" على الأميركيين حتى الآن. 



المساهمون