العام الروسي سورياً... ترسيخ التدخّل العسكري والسياسي

العام الروسي سورياً... ترسيخ التدخّل العسكري والسياسي

01 يناير 2017
بوتين وشويغو في اجتماع الخميس (ميخائيل كليمنتييف/Getty)
+ الخط -
بعد أشهر طويلة من التطورات العسكرية الدراماتيكية في سورية وفشل مفاوضات جنيف والهدن، أنهت روسيا عام 2016 بتكثيف تنسيقها مع تركيا، الذي أسفر عن التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار بين النظام السوري وفصائل المعارضة، تمهيداً لعقد محادثات سورية - سورية في مدينة أستانة، عاصمة كازاخستان، الجمهورية السوفييتية السابقة.

بذلك لم تتمكن موسكو وأنقرة فقط من تجاوز الأزمة في العلاقات الناجمة عن حادثة إسقاط الطائرة الحربية الروسية (24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015)، واستعادة العلاقات الاقتصادية، بل بدأتا تعاونا حقيقيا في الملف السوري، وازداد التنسيق مع إيران وسط تراجع دور الولايات المتحدة.

في هذا السياق، لفت الباحث في الشؤون التركية في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، آمور غادجييف، إلى أن "توجّه أنقرة نحو مزيد من التعاون مع موسكو في الملف السوري، يعود إلى إدراك تركيا المتزايد أن استمرار القضية السورية يضرب اقتصادها وأمنها".

وأضاف غادجييف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "واجهت تركيا خلال فترة الأزمة في العلاقات مع روسيا، ضغطاً كبيراً من الغرب، الذي كان يطالبها بتجاهل تكوّن جيوب كردية مستقلة في سورية واستقبال اللاجئين السوريين، من دون السماح لهم بالمرور إلى أوروبا. وهي أعباء لم يكن باستطاعة تركيا تحملها".

وتابع "لم يكن أمام تركيا مخرج سوى تجاوز الأزمة في العلاقات مع روسيا، وتعزيز الخط الأوراسي لسياستها الخارجية، بينما أظهرت محاولة الانقلاب مدى تسلل القوى الهدامة المدعومة من الغرب إلى جهاز الدولة التركية. وعلاوة على ذلك، بدأت الولايات المتحدة دعماً علنياً للوحدات الكردية، التي تعتبرها تركيا منظمة إرهابية وترى فيها تهديداً لوحدة أراضيها". وحول دور موسكو في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، ذكر غادجييف أن "روسيا جاءت كوسيط له نفوذ يستطيع التواصل بشكل مباشر مع كل من دمشق وأنقرة وطهران".

من جهته، أمل نائب مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيا في موسكو، مكسيم شيبوفالينكو، أن "تكون المحادثات السورية برعاية روسيا وتركيا وإيران أكثر فاعلية من تلك التي عقدت في جنيف"، معتبراً أن "الظروف لبدء المفاوضات بين النظام والمعارضة باتت مهيئة".



وأشار شيبوفالينكو، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "أهم نتيجة للعملية العسكرية الروسية في سورية لعام 2016، هي استبعاد احتمال سقوط النظام السياسي، لأن الحكومة تسيطر على جميع المدن الكبرى، باستثناء إدلب والرقة".

مع ذلك، رأى الخبير الروسي أن "القدرات العسكرية للحكومة المركزية محدودة، ولم يعد هناك بديل لحل سياسي في ظل عجز أي طرف عن تحقيق نصر عسكري". وحول مدى واقعية جلوس أطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات بعد أكثر من خمس سنوات من القتال، اعتبر أنه "مع إطالة أمد أي حرب أهلية، تزداد شراسة الأطراف المتناحرة، ويصعب عقد المفاوضات. يمكن القتال حتى آخر سوري، إلا أن هذا الأمر لا يحتاج إليه أحد، وسيكون استمرار الحرب بمثابة جريمة".

من جانب آخر، اعتبر الأكاديمي السوري المعارض المقيم في موسكو، محمود الحمزة، أن "إصرار روسيا على إيجاد حل سياسي سريع في سورية يعود إلى إدراكها أن تدخلها وصل بها إلى مأزق". وأضاف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "التدخل الروسي المباشر جاء بداية لتورط حقيقي ساهمت فيه واشنطن بابتعادها عن المشهد في إطار اتفاقات ضمنية. وبعد تدخلها لدعم النظام، لا لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كما أعلنت، تحمّلت روسيا نفقات مالية كبيرة، ونشرت قواعد عدة، واضطرت للقصف العنيف، وارتكبت جرائم حرب في حلب بقصفها أحياء سكنية ومستشفيات، متبعة سياسة الأرض المحروقة مثلما فعلت في العاصمة الشيشانية غروزني، كما خرج تدخلها البري من السر إلى العلن".



ولفت إلى أنه "بعد أكثر من عام على تدخلها، لم تعد روسيا تثق في حلفائها، وظهر ذلك بإرسالها الشرطة العسكرية إلى حلب، كرسالة لإيران بأنها لن تسمح بسيطرة المليشيات الطائفية على المدينة". وحول تقييمه لفرص نجاح محادثات أستانة، أبدى الحمزة اعتقاده "بألا يكون لها تأثير كبير، لأنها ستكون مليئة بشخصيات مسرحية، بينما لن يقبل السوريون بعودة نظام الأسد الإجرامي الذي يقتل شعبه".

من جهتها، ربطت الصحافة الليبرالية الروسية، زيادة نشاط موسكو الرامي إلى التوصل إلى تسوية سياسية في سورية، بقرب موعد الانتخابات الرئاسية في روسيا في عام 2018. وفي هذا الصدد، أشار الخبير في العلاقات الدولية، فلاديمير فرولوف، في مقال بصحيفة "ريبابليك" الإلكترونية، إلى أن "نشاط روسيا لنشر السلام، يدلّ على حرص القيادة الروسية على الإسراع في الإظهار أن التدخل العسكري الروسي في سورية له نهاية ومعنى".

وتابع: "في إطار الانتخابات المرتقبة في عام 2018، لا ينبغي أن يتم تداول القضية السورية في سياق زيادة الخسائر وعدم الوضوح حول أهداف العملية وموعد انتهائها. من الأفضل كثيراً إدراجها ضمن قائمة البطولات الجيوسياسية لفلاديمير بوتين، مما يتطلب خلق ظروف تسمح بالإعلان عن النصر والخروج من هذه المجزرة".

وأظهر استطلاع أجراه "المركز الروسي لدراسة الرأي العام" أخيراً أن "33 في المائة من الروس المستطلعة آراؤهم يعتبرون الحرب في سورية أهم الأحداث العالمية لعام 2016، بينما جاءت انتخابات الرئاسة الأميركية في المرتبة الثانية (31 في المائة)".

يذكر أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أعلن يوم الخميس الماضي عن التوقيع على ثلاثة اتفاقات متعلقة بوقف إطلاق النار والتسوية في سورية، ووافق على اقتراح وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، بشأن تقليص عدد القوات الروسية في سورية.


المساهمون