مأساة تدمر السورية... "لعبة سياسية" بين النظام و"داعش"

مأساة تدمر السورية... "لعبة سياسية" بين النظام و"داعش"

01 ابريل 2016
لم يحاول النظام إنقاذ آثار مدينة تدمر (Getty)
+ الخط -

بدأت تتكشف بعض خفايا ما حدث في مدينة تدمر السورية خلال أقل من عام، سيطر خلاله تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على المدينة المدرَجة على لائحة التراث الإنساني، والتي قام الروس بدور كبير في مساعدة النظام السوري في استعادتها، وهو ما أكدته وزارة الدفاع الروسية، أمس الخميس، إذ أعلنت أن المستشارين العسكريين الروس قاموا بدور مباشر "في التخطيط لعملية تحرير تدمر"، مشيرة إلى أن القوات الجوية الروسية نفذت أكثر من ألفي ضربة لدعم عملية تحرير تدمر.
وكان واضحاً لمراقبي المشهد السوري، أن هناك "لعبة سياسية" في تدمر، طرفاها النظام و"داعش"، الغاية منها دفع المجتمع الدولي إلى التخفيف من الضغوط التي يمارسها على النظام. إذ أراد النظام من خلال تسليم مدينة تدمر الإيحاء للعالم بأن سورية كلها ستقع تحت سيطرة تنظيمات راديكالية في حال سقوطه. دخل التنظيم مدينة تدمر، لتتوالى بعد ذلك "أحداث" بدت معدّة مسبقاً لتدمير أوابد تاريخية من قبل "داعش"، إذ كان النظام السوري يدرك جيداً أن تدميرها يثير الرأي العام الغربي أكثر من قتل المدنيين.
وفي بداية مايو/أيار من العام الماضي، بدأت وسائل الإعلام تتناقل أنباء عن بدء تحرك تنظيم "داعش" باتجاه مدينة تدمر من مواقع له بالقرب منها، من دون تدخّل مباشر من طيران التحالف الدولي، الذي أخذ على عاتقه محاربة هذا التنظيم وإيقاف تمدده. لم تستمر المعارك بين التنظيم وقوات النظام السوري، التي من المفترض أنها تدافع عن أهم المدن التاريخية في الشرق، سوى أسبوع وانتهت في العشرين من مايو/أيار بدخول التنظيم المدينة.
وخرج المحامي العام السابق في تدمر، محمد قاسم، بمعلومات تفيد بأنه حصل تنسيق مسبق بين النظام و"داعش" لتسهيل دخول الأخير إلى تدمر، لتشويه صورة الثورة السورية، وإثارة الرأي العام الدولي ضدها. وأورد معلومات أخرى تؤكد أن وجود التنظيم في المدينة "مؤقت"، وأنه سيخرج عندما تحين ساعته. وهذا ما تحقق منذ أيام حين خرج التنظيم من المدينة إثر معارك يؤكد خبراء عسكريون أنها "كانت مناورات مشتركة" أكثر مما هي معارك بين خصمين لدودين.
ويؤكد عدد من الموظفين في مديرية الآثار والمتاحف في تدمر، خرجوا من سورية إثر استيلاء التنظيم على المدينة، لـ"العربي الجديد"، أن النظام "يكذب على العالم"، وأنه لم يحاول إنقاذ آثار مدينة تدمر، بل على العكس سهّل لتنظيم "داعش" الاستيلاء على كنوز أثرية لا تُقدّر بثمن كانت موجودة في متحف المدينة الأثري.
ويوضح أحد العاملين السابقين في المتحف، والذي كنّى نفسه باسم "أبو علي البادية"، أن متحف تدمر كان قبل دخول تنظيم "داعش" إلى المدينة "لا يزال بحالة جيدة، وفيه ما يقارب 30 ألفاً من القطع الأثرية في صالاته ومستودعاته، وكان العاملون بدائرة آثار تدمر يهتمون بشكل دقيق بهذه القطع، لما لها من قيمة تاريخية وفنية". ويتابع أنه "في بداية شهر أبريل/نيسان 2015، أي قبل دخول تنظيم "داعش" المدينة بشهر ونصف، وصلت برقية عاجلة من المدير العام للآثار والمتاحف في دمشق، طلب فيها بشكل عاجل من الكادر الإداري في متحف تدمر تحضير القطع الأثرية "المميزة" وتغليفها جيداً لنقلها خارج تدمر، وبالفعل تم تجهيز حوالى 950 من القطع الأثرية، وتغليفها بفائق العناية خلال ثلاثة أيام، وبدأ المسؤولون في دائرة آثار تدمر مراسلة المديرية العامة للآثار في دمشق، ولكنها بدأت تماطل بالرد، ولم ترسل من ينقل القطع خارج تدمر، وهو ما يناقض ما يروّج له إعلام النظام من أنه تم تفريغ متحف تدمر تماماً من القطع الأثرية وحفظها".
ويضيف أبو علي: "في صبيحة يوم انسحاب قوات الأسد من تدمر (20 مايو/أيار من العام الماضي) حدثت هدنة مفاجئة بين قوات النظام والمليشيات الطائفية المساندة لها، وتنظيم داعش، لعدة ساعات، تخللها قدوم رئيس فرع الأمن العسكري في تدمر، العميد مالك حبيب، إلى المتحف مع عدد من عناصره، فقام بنقل 250 قطعة أثرية بطريقة عشوائية إلى مطار "تي فور" العسكري، ولم يُعرف مصير هذه القطع النادرة، وترك ما تبقى من القطع الأثرية يلاقي مصيره على يد عناصر تنظيم داعش من تخريب وتكسير، كما حصل للمومياءات الوحيدة في كل سورية والتي تعرضت للتكسير، وغيرها الكثير من القطع الفريدة".
ويلفت إلى أن البعثات الأثرية الأجنبية التي قامت بالتنقيب في تدمر على مدى سنوات، تعرف تماماً عدد وماهية وقيمة القطع الأثرية التي كانت في المتحف، مضيفاً: "إذا كان النظام صادقاً في أنه نقل ما كان في متحف تدمر وسلمه إلى متحف دمشق، فليعرضه أمام وسائل الإعلام وبحضور البعثات الأثرية التي كان لها الدور البارز في العثور على أغلب ما كان موجوداً في المتحف، وهي: البعثة الكندية برئاسة العالم بوس شويدر، والبولونية برئاسة ميشيل غاليونسكي، واليابانية برئاسة كيوهيد سايتو، والإيطالية برئاسة ماريا تيريزا، والفرنسية برئاسة منار حماض، والألمانية برئاسة شميث كولنيه، بالإضافة إلى البعثة الأميركية، لكي يتأكد العالم أنه بالفعل تم حفظ هذه الكنوز كما يدّعي النظام".
ويؤكد أبو علي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه مع عشرين من العاملين السابقين في متحف تدمر موجودين في تركيا، بصدد تأسيس هيئة معنية بحماية آثار المدينة والبادية السورية التي تضم نحو 700 موقع أثري تعود إلى فترات حضارية متعددة، وتضم خانات رومانية وقصوراً، منها قصرا الحير الشرقي والغربي. مشيراً إلى أن آثار المدينة تعرضت على مدى أربعين سنة من حكم عائلة الأسد لعمليات نهب وسرقة ممنهجة، تُوجت أخيراً بتدمير المدينة. نافياً قيام "داعش" بتدمير قوس النصر الذي يُعدّ أبرز آثار المدينة. لافتاً إلى أن برميلاً من طيران النظام وراء تدميره وفق شهود عيان. ويشير إلى أن المهندسين والفنيين الذين كانوا يعملون في المتحف قادرون على إعادة ترميم "معبد بل" الذي كان من أكبر معابد العالم ودمره تنظيم "داعش" مع معبد "بعل اشمين"، والمدافن البرجية، وأنهم مستعدون للشهادة أمام هيئات دولية عن ما جرى في تدمر "في حال توفرت الحماية لهم".
ويختم أبو علي بالقول: "ما جرى في تدمر يرقى إلى جريمة حرب ضد المدينة وأهلها الذين كان عديدهم يقدر بـ100 ألف هُجروا من منازلهم، ولم يبقَ أحد فيها، ما عدا عناصر قوات النظام والمليشيات الذين قاموا بقتل عدد قليل بقي من سكان المدينة، وسطوا على منازل التدمريين ومقتنياتهم، وعلى ما تبقّى من آثار المدينة".