تونس: المجتمع المدني يكسب معركة "حق النفاذ إلى المعلومة"

تونس: المجتمع المدني يكسب معركة "حق النفاذ إلى المعلومة"

13 مارس 2016
الصيغة الجديدة للقانون "مرضية" للجميع (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تخطى البرلمان التونسي عقبة تقنين حق النفاذ إلى المعلومة، بعدما صادق، أول من أمس الجمعة، على قانون "حق النفاذ إلى المعلومة" بأغلبية الأصوات، بعد "معركة" مع منظمات المجتمع المدني انتهت لصالحها من أجل رفع القيود عن هذا الحق وعدم السقوط في خرق الدستور. ولم تهدأ الهياكل المهنية للصحافيين ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بمجال الشفافية والمساءلة، منذ انطلاق مناقشة مشروع القانون المتعلق بحق النفاذ إلى المعلومات، يوم الثلاثاء الماضي، وتسمكت بمطلبها بتغيير صيغة الفصل 24 من المشروع، التي تضع قيوداً عديدة على استعمال هذا الحق.

وعلى الرغم من وقع الأنباء الآتية من مدينة بنقردان الحدودية، والتي تزامنت مع ورود تهديدات للبرلمان وصلت حد تطويقه والاستنفار إثر ورود معلومات عن احتمال استهدافه من قبل عناصر إرهابية، إلا أن النواب واصلوا مناقشة بند الاستثناءات المفصلية، التي شكلت أساس الخلاف، قبل أن يتوصلوا إلى صيغة تحظى بإجماع جميع الكتل النيابية.
من جهتها، كانت الحكومة تضغط على المؤسسة التشريعية لإقناعها بعدم تعديل صيغة الفصل المذكور، والتي نصت على أن تمتنع الإدارة عن تقديم المعلومات إذا ما تعلقت بالأمن والدفاع الوطني، والعلاقات الدولیة، والمصالح الاقتصادیة للدولة والغیر، وسیر الإجراءات أمام المحاكم والبحث في الجرائم والوقایة منھا، وحمایة الحیاة الخاصة والمعطیات الشخصیة، فضلاً عن المصالح التجاریة المشروعة للھیاكل الخاضعة لأحكام ھذا القانون والغیر، بما في ذلك حقوق الملكیة الفكریة والصناعیّة، المداولات وتبادل الآراء ووجھات النظر والاستشارات.

اقرأ أيضاً بنقردان تقاتل داعش: بلادي قبل أولادي

وأفضت الجلسات المكثفة للجنة التوافقات التي عملت طيلة يومين، إلى تراجع الحكومة عن الصياغة الأولى، والخروج بصياغة اعتبرتها منظمات المجتمع المدني بـ"المرضية".
وضمّت اللجنة ممثلي الكتل النيابية والوزير المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد كمال العيادي، وذلك بهدف تقريب وجهات النظر والتوافق على نقطة معينة.
وتنص الصياغة الجديدة لهذا الفصل، التي تم التصويت عليها في جلسة الجمعة بموافقة 128 صوتاً وتحفظ خمسة نواب ودون رفض، على أنه "لا يمكن للهيكل المعني أن يرفض طلب النفاذ إلى المعلومة إلا إذا كان ذلك يؤدي إلى إلحاق ضرر بالأمن العام أو بالدفاع الوطني أو بالعلاقات الدولية في ما يتصل بهما أو بحقوق الغير في حماية حياته الخاصة ومعطياته الشخصية وملكيته الفكرية". كما نصت الصياغة الجديدة على أنه "لا تعتبر ھذه المجالات مسوغاً مطلقاً لرفض استثناءات مطلقة لحق النفاذ إلى المعلومة وتكون خاضعة لتقدیر الضرر من النفاذ على أن یكون الضرر جسيماً جسیماً سواء كان آنیاً أو لاحقاً. كما تكون خاضعة لتقدیر المصلحة العامة من تقدیم المعلومة أو من عدم تقدیمھا بالنسبة لكل طلب، ويراعى التناسب بين المصالح المُراد حمايتها والغاية من مطلب النفاذ".
وأفضت التعديلات أيضاً إلى الغاء الرسوم المالية للحصول على المعلومة. وأقر البرلمان مجانية هذا الحق، إضافة إلى إمكانية التظلّم إلى رئيس الإدارة المعنية بطلب النفاذ إلى وثائقها في حال رفضت مصالحها ذلك، مع التشديد في عقوبة العون الذي يمتنع عن إسداء خدمة النفاذ إلى المعلومة دون تعليل قانوني سليم. وفي مرحلة لاحقة، يحق لطالب الوثيقة الإدارية التظلّم أمام "هيئة النفاذ إلى المعلومة" التي طالب المجتمع المدني أن لا يتم تعيين أعضائها من طرف رئاسة الحكومة.

واعتبرت المنظمات المهنية للصحافيين ومنظمات المجتمع المدني أن الصيغة الجديدة مرضية. وأكدت عضوة الجمعية التونسية للصحافيين البرلمانيين، زهرة فضلي، لـ"العربي الجديد"، أن تغيير الصياغة يعتبر انتصاراً جديداً للمجتمع المدني في فرض قيم المساءلة والشفافية. وشددت فضلي على أن الضغط على البرلمان جعله يستمع للانتقادات ودفع النواب لوعي خطورة المشروع وأهمية دوره كعماد من أعمدة إقامة دولة القانون وفرض الشفافية التي ستكون سداً أمام الفساد الإداري والتكتم على المعلومة وحجبها. وكانت فضلي نددت بالصياغة السابقة، ودعت البرلمان للتراجع عنها وعدم السقوط في تقنين حجب المعلومة.
من جهتها، قالت منظمة البوصلة إن التعديل الجديد جعل القانون يستجيب لجوهر حق النفاذ إلى المعلومة، كما نص عليه الدستور التونسي. وأوضح عضو المكتب التنفيذي للمنظمة، زياد بوسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المعركة مستمرة في مشاريع قوانين أخرى من أجل ملاءمتها مع الدستور التونسي وأن لا تكون مخالفة له". ولفت إلى أنّ "هذا المشروع كان اختباراً لنواب البرلمان وامتحاناً لهم في الجانب المتعلق باحترام الدستور والتأسيس للشفافية".
من جهته، أشار النائب عن الجبهة الشعبية، نزار عمامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ المشروع له جوانب قانونية متعلقة بالتطابق مع الدستور، لكنه أيضاً يعبّر عن خيارات سياسية في المضيّ في نسق الإصلاح والشفافية وتمكين المواطن من حقه في الاطلاع على الوثائق الإدارية. ولفت إلى أن الجبهة الشعبية قدمت مقترحات تعديل حول هذا الفصل متلائمة مع مقترحات المجتمع المدني وذلك لاقتناعها بضرورة تعديل الفصل. وذكّر بأن "دور المشرع هو تعديل خيارات الحكومة وهو الذي يتكفل بفرض احترام الدستور".
ولم ترفض الأحزاب الحاكمة الأربعة ذات الأغلبية البرلمانية الدفع نحو تعديل الفصل 24 وصوّتت عليه بالموافقة. وأوضح النائب عن حركة النهضة، نوفل الجمالي، أن اللجنة لم ترد أن تدخل في صدام مع الحكومة لكنها كانت تخشى أن تخرق الدستور في الوقت نفسه. ولفت إلى أن التوافق وضغط المجتمع المدني أديا إلى المصادقة على فصل يضمن الحق في النفاذ إلى المعلومة، وهي خطوة أخرى نحو دولة القانون.
في غضون ذلك، ينتظر البرلمان مشاريع أخرى على القدر نفسه من الأهمية، يتقدمها قانون الصحافة وقانون الأحزاب السياسية. وينظر إلى مشاريع القوانين هذه على أنها معارك أخرى مؤجلة بين المؤسسة التشريعية والسلطة التنفيذية والمجتمع المدني.

اقرأ أيضاً تونس: جدل سياسي وحقوقي يؤجج معركة "النفاذ إلى المعلومة"