"تظاهرة 6 يونيو" اللبنانية: توتر أمني ومواجهات وجرحى

"تظاهرة 6 يونيو" اللبنانية: توتر أمني ومواجهات وجرحى

06 يونيو 2020
عززت القوى الأمنية أفواجها لمنع حصول صدام كبير(حسين بيضون)
+ الخط -
شهدت ساحة الشهداء في بيروت، اليوم السبت، سلسلة مواجهات توزعت على جبهتين، الأولى بين المعتصمين الذين دعوا إلى "تظاهرة 6 يونيو" ومناصرين تابعين لـ"حركة أمل"، التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، و"حزب الله"، على خلفية دعوة بعض المجموعات إلى نزع سلاح "حزب الله"، تطبيقاً للقرار 1559/2004، القاضي بـ"حلّ جميع المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها"، والثانية في محيط مجلس النواب مع تدخل قوى الأمن التي أطلقت الغاز المسيل للدموع باتجاه المتظاهرين.
ونزلت أعداد كبيرة من شبان منطقة الخندق الغميق، المحسوبة على "حركة أمل"، إلى جسر الرينغ، حيث سارعت العناصر الأمنية إلى بناء جدار بشري للفصل بين الطرفين والحؤول دون حصول صدام مباشر يصعب السيطرة عليه، ولا سيما بعدما بدأ رمي الحجارة من الجانبين بكثافة.
وأصرّ شبان الخندق الغميق على البقاء في الساحة، هم الذين نظموا صفوفهم سابقاً، باعتبار أن شعار "نزع سلاح حزب الله" رُفع في أكثر من تحرك الأسبوع الماضي، واعتُبر من الشعارات الأساسية لـ"تظاهرة 6 يونيو"، وقد تجمّعوا اليوم للوقوف بوجه المعتصمين وإطلاق هتافات مؤيدة لسلاح "حزب الله"، ومشددة على أنّ أحداً لا يمكنه نزعه من الحزب وتسليمه للدولة.
أمّا الجبهة الثانية، فكانت في محيط مجلس النواب ومن ثم أمام فندق "لو غراي" في بيروت، حيث عمد عدد من الشبان إلى تكسير واجهات المحال التجارية وتحطيم الزجاج وفصل الحجارة عن الجدران لرمي العناصر الأمنية بها، التي عمدت بدورها، من خلال قوات مكافحة الشغب، إلى رمي القنابل المسيلة للدموع لإرغام المتظاهرين على التراجع، والذين عادوا أدراجهم باتجاه "بيت الكتائب" في الصيفي.



وأعلن الصليب الأحمر اللبناني سقوط 11 جريحاً حتى الآن تم نقلهم إلى المستشفيات، و26 مصاباً جرى إسعافهم في المكان.
وطلبت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي "من المواطنين السلميين الانسحاب من الأمكنة التي تجري فيها أعمال شغب حفاظاً على سلامتهم".


ويقول محمد بابا من حراك صور (جنوب لبنان) الذي شارك في التحركات، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحشد كان كبيراً اليوم على الرغم من محاولات التحريض والتخويف من التظاهرة، لكن الانقسام حصل حول بعض العناوين التي رُفعت، منها موضوع الانتخابات النيابية المبكرة ونزع سلاح (حزب الله)، فهي على الرغم من أحقيتها، ليست من أولوية مطالب المنتفضين".
وأوضح بابا أنّ "همّنا اليوم يرتبط بالمطالب المعيشية والأمور الحياتية، ومحاربة الفساد، واستقلالية القضاء، واسترداد الأموال المنهوبة، ومحاسبة المصارف التي تحتجز ودائع الناس والمسؤولين عن إفلاس الدولة، وإسقاط حكومة حسان دياب التي لم نعطها الثقة منذ اليوم الأولى على تشكيلها، وتبيّن أننا على حقّ لأنها استكملت منطق المحاصصة والصفقات والمقايضات وتقسيم المغانم والمقاعد، الذي كان قائماً في الحكومات المتعاقبة"، على حدّ قوله.
ويلفت بابا إلى أنّ "الانتفاضة ستعود بزخم في الساحات كلها، علماً أنها لم تتوقف يوماً، على الرغم من انتشار فيروس كورونا وفرض حالة التعبئة العامة، وكانت تتحرك بوجه كلّ محاولة جديدة من السلطة لتمرير الصفقات، وهي اليوم أقوى من قبل، وستعمل على توحيد الشعارات والمطالب، وتنظيم الصفوف لإسقاط منظومة الفساد"، مؤكداً أن "هكذا خطوة تتطلّب منّا التكاتف والتضامن ومواجهة كل محاولة لتفرقتنا".



من جهته، يقول الناشط خلدون جابر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القوى الأمنية أوقفت حتى الساعة خمسة ناشطين من تظاهرة اليوم، التي نعتبرها التحرّك الأول بعد تخفيف إجراءات التعبئة العامة، وقامت في المقابل بمنع شبان الخندق الغميق من الاقتراب إلى جهة المعتصمين". ويلفت إلى "أننا اخترنا تاريخ 6 يونيو/حزيران مقابل قاعدة أهل السياسة التي تتمثل بـ(ستة وستة مكرّر)" العرف الطائفي السياسي السائد لتوزيع المناصب ومواقع الدولة.
ويؤكد جابر أن "تحركاتنا مطلبية بحتة، وتندرج في إطار حقوق المواطن الأساسية ونحن لسنا مع طرح مسألة سلاح (حزب الله) اليوم، ولن نسمح للأحزاب التي تمثل الطبقة السياسية الحاكمة والمسؤولة عن إفقار وتجويع المواطنين، بإطفاء شعلة الانتفاضة الشعبية".
هذا وسُجّل إشكال عند تقاطع عين الرمانة – الشياح في ضواحي بيروت بين شبان من المنطقتين، تدخّل على أثره الجيش اللبناني لإعادة الهدوء إلى المكان (الذي اندلعت منه الشرارة الأولى للحرب الأهلية اللبنانية). وأطلق شبان في عين الرمانة شعارات تدعم رئيس "حزب القوات اللبنانية" الذي يرأسه سمير جعجع، مقابل إطلاق مجموعات أتت على دراجات نارية وهتفت تأييداً لـ"حزب الله" و"حركة امل".

ونُظمت مسيرات سيّارة في مختلف المناطق، صباح اليوم، رُفعت فيها الأعلام اللبنانية، قبل أن تتوجه إلى ساحة الشهداء، المكان الذي اختير لتجمع التظاهرة. وفيما تنوعت المجموعات المدنية الداعية للاحتجاج، وإن كانت جميعها قد شاركت في "انتفاضة 17 أكتوبر" 2019، تبنت الدعوة أحزاب سياسية، بينها حزب "الكتائب"، في وقت جرت فيه اتصالات مع قوى حزبية أخرى للمشاركة.



لكن اللافت أنه في الوقت الذي تتسارع وتيرة الانهيار الاقتصادي والمعيشي في لبنان، برز مطلب "الانتخابات النيابية المبكرة" ليشكل العنوان الرئيسي لتحركات السبت. وأدى ذلك إلى بروز انقسام كبير في الآراء بشأن هذا المطلب عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين من يؤيد طرح هذا المطلب كمدخل يعيد انبثاق الحياة السياسية، وبين رافضٍ له في هذا التوقيت بالذات، باعتبار أنه محاولة لحرف الانتفاضة عن مسارها. ووفق الرأي الثاني، فإن هذا المطلب لن ينتج إلا الطبقة السياسية نفسها مع خروقات محدودة في بعض المناطق.
كذلك، برز شعار "نزع سلاح حزب الله"، ورافقه انقسام في الرأي حول توقيت هذا المطلب والغاية من طرحه في الساحة، ولا سيما أنه مُهّد إليه في تحركات نظمت الأسبوع الماضي في هذا الإطار. وتعتقد بعض المجموعات المدنية أنّ المطالب الأساسية اليوم ترتبط بحقوق الشعب اللبناني أولاً، وبقضاء مستقل يُعَدّ المدخل الأساسي لأي إصلاح مستقبلي، ولمكافحة الفساد المستشري في إدارات الدولة، ومحاسبة المسؤولين عن نهب أموال المواطنين، وإغراق البلاد في إفلاس يصعب الخروج منه، وتحرير ودائع الناس من البنوك التي تحتجزها منذ أشهر.
في السياق، حذر النائب علي بزي، المحسوب على "حركة أمل"، خلال استقباله وفوداً في مكتبه اليوم السبت، مما وصفه بـ"الشعارات المفخخة التي تستهدف النيل من الوحدة الداخلية والسلم الأهلي والاستقرار العام في البلد".



بدوره، غرّد رئيس "تيار المردة"، حليف "حزب الله"، سليمان فرنجية عبر حسابه في "تويتر" كاتباً، "بوصلة الناس في مطالبها المحقّة يجب أن تبقى ثابتة في وجه كل محاولات تضييعها والاستلشاء بها. واليوم، نقف معاً أمام مسؤولية وطنية لحماية لبنان وصون كرامتنا ومقاومة أي مشروع فتنوي".

وتزامناً مع بدء التحركات وانتقال المعتصمين بواسطة حافلات من المناطق البقاعية والجنوبية والشمالية إلى بيروت، قام وزيرا الداخلية محمد فهمي والدفاع زينة عكر بزيارة صباحاً لثكنة الحلو، للاطلاع على إجراءات قوى الأمن الداخلي والتدابير الميدانية المتخذة.
وأصدرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي – شعبة العلاقات العامة بلاغاً أشارت فيه إلى أن الزيارة تخللتها جولة تفقدية لغرف المراقبة والتحكم والعمليات، حيث جرى الاطلاع على الإجراءات كلها.
ودعت الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية في الشمال، في بيان، الفلسطينيين في مخيمي نهر البارد والبداوي إلى عدم الخروج من المخيّمين إلّا للضرورة القصوى، انطلاقاً من "حرصنا على سلامة واستقرار لبنان الشقيق، والنأي بالنفس والحياد في ما يخص التحركات والفعاليات الشعبية في البلد، وأن تبقى قضيتنا الفلسطينية وشعبنا وقواه السياسية محلّ ثقة واحترام ودعم جميع مكونات الشعب اللبناني الشقيق".

المساهمون