التمركز الروسي في إيران: بين "انتصار" بوتين والاعتراضات الإيرانية

التمركز الروسي في إيران: بين "انتصار" بوتين والاعتراضات الإيرانية

18 اغسطس 2016
ضحايا مدنيون سقطوا باستهداف روسيا لمناطق المعارضة(إبراهيم أبو ليث/الأناضول)
+ الخط -


يتفاعل قرار روسيا نشر طائرات بعيدة المدى في قاعدة همدان في إيران، والانطلاق من القاعدة لتنفيذ ضربات جوية في سورية، مع ما يعنيه ذلك من تعزيز موسكو لحضورها العسكري في المنطقة وتحالفها مع طهران، وما يمكن أن ينتجه من تغيير في الوضع الاستراتيجي في المنطقة. لكن هذا الحضور الروسي سرعان ما لاقى اعتراضات إيرانية، إضافة إلى شكوك حول انتهاكه للقرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي.
ولم تتأخر وسائل إعلام روسية عن الاحتفاء بهذا التطور، إذ وصفت قناة "زفيزدا" التابعة لوزارة الدفاع الروسية، نشر الطيران الروسي في إيران بأنه "انتصار آخر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط". وقالت القناة في تقرير نُشر على موقعها، إن "طهران بمنحها القاعدة العسكرية للقوات الجوية الروسية، تنضم بشكل علني إلى مكافحة تنظيم داعش، وتصبح حليفاً لروسيا، وتغيّر الوضع العملياتي - الاستراتيجي في الشرق الأوسط بشكل كامل".
ويرى مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيا في موسكو، رسلان بوخوف، أن نشر الطيران الروسي في إيران له جوانب سياسية وأخرى فنية، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "سماح إيران بوجود طائرات روسية على أراضيها يعني تقارباً رمزياً وانتقالاً من التعاون العسكري - التقني، أي توريد الأسلحة، إلى تعاون عسكري متكامل". ويشرح أن "روسيا وإيران هما حليفان على الأرض في سورية، وترددت شائعات حول وجود خلافات بينهما، ولكن نشر الطائرات يعني أنه جرى تنظيم التعاون"، لافتاً إلى أن "إمدادات الأسلحة لم تكن حتى الآن تأكيداً على هذا التعاون، لأنها بالنسبة إلى روسيا مسألة تجارية وليست سياسية كما هو الحال بالنسبة إلى الولايات المتحدة".
وفي ما يتعلق بالفوائد الفنية والتكتيكية لنشر الطائرات بعيدة المدى "تو-22 إم3" التي لم تكن قاعدة حميميم السورية تصلح لها، يوضح بوخوف أن "هذه الطائرات كانت تقلع سابقاً من قاعدة موزدوك في أوسيتيا الشمالية داخل روسيا، أي من بُعد ألفي كيلومتر عن مواقع القصف، وكانت تحتاج للتزود بالوقود في الجو، أما الآن، فأصبحت المسافة أقل كثيراً، ويمكن لهذه الطائرات حمل كمية أكبر من الذخيرة".
وحول الرسائل التي توجّهها موسكو للغرب بزيادة حضورها العسكري في المنطقة، يقول بوخوف: "لم يكن الهدف من العملية الروسية في سورية هو مكافحة داعش والدفاع عن بشار الأسد فحسب، وإنما أيضاً الخروج من العزلة التي كانت فيها منذ بدء الأزمة الأوكرانية في عام 2014". ويضيف: "لم تكن عزلة روسيا بدرجة عزلة إيران نفسها، ومع ذلك، تمكنت الولايات المتحدة من التضييق عليها خلال العامين الماضيين، لكن موسكو بإجرائها عمليتها العسكرية في سورية، أرغمت واشنطن على الجلوس إلى طاولة المفاوضات".
وأثار نشر الطائرات الروسية في إيران ردود أفعال دولية رافضة، إذ أعربت وزارة الخارجية الأميركية، عبر المتحدث باسمها مارك تونر، عن أسفها لاستخدام قاعدة همدان، مشيرة إلى أن روسيا تستهدف بشكل أساسي فصائل "المعارضة المعتدلة" وليس مواقع تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة". وذكّرت الخارجيّة بأن هذا الأمر قد يشكل انتهاكاً للقرار الدولي 2231، مشيرة إلى أن وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري، بحث هذا الموضوع مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، في اتصال هاتفي.
لكن لافروف سارع، أمس الأربعاء، للتشديد على أنه ليس هناك من أساس لاعتبار هذا الأمر يمثّل انتهاكاً للقرار 2231، موضحاً أن الطائرات الروسية تنطلق من إيران في إطار عملية الكرملين "لمكافحة الإرهاب"، مؤكداً أنه لم يتم نقل أي طائرة أو إمدادات إلى طهران.
يُذكر أن مجلس الأمن الدولي كان قد صادق في يوليو/ تموز 2015، على القرار 2231، الذي أيّد الاتفاق النووي بين طهران ومجموعة الدول الست الكبرى، وهو مهّد لرفع العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي. ويمنع هذا القرار إمداد أو بيع أو تحويل أي طائرات مقاتلة لإيران.


ويرى الأكاديمي والمعارض السوري المقيم بموسكو، محمود الحمزة، في نشر الطيران الروسي في إيران، تطوراً خطيراً في السياسة الروسية تجاه المنطقة العربية، مرجحاً في الوقت نفسه أن يكون هناك تفاهم روسي - أميركي حول هذه المسألة. ويقول الحمزة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الخطوة استفزازية لشعوب المنطقة التي تعاني من التدخل الإيراني السافر وإثارة المشكلات". ويوضح أن "حمولة الطائرات الروسية (تو-22 إم3) تبلغ 24 طناً من الذخيرة والصواريخ، وستُستخدم القاعدة الجوية الإيرانية لشن غارات في سورية بحجة ضرب داعش والنصرة، لكن في الواقع، لقصف المعارضة أيضاً، وهذا الأمر معروف وموثّق منذ عام تقريباً".
ويتوقع الحمزة أن "تكون ردة الفعل الخليجية قوية، لأن الأمر يمسّ أمن الخليج العربي، فيما تؤكد روسيا رغبتها ببناء تحالف روسي إيراني قد تنضم إليه تركيا والصين، وهي في النهاية لعبة المصالح". وحول الموقف الأميركي الفعلي من الوجود الروسي في إيران، يرى أن "الموقف الأميركي يبارك سياسة إيران وروسيا في المنطقة، فالخلافات بين روسيا والولايات المتحدة شكلية، إلا أن هناك تفاهماً وتوزيعاً للأدوار".
أما في الداخل الإيراني، فبدأت تظهر مواقف رافضة للسماح لموسكو باستخدام قاعدة همدان، إذ احتجّ النائب الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، خلال جلسة علنية للبرلمان، أمس، على فتح المجال الجوي الإيراني أمام المقاتلات الروسية للاستقرار في مطار همدان، معتبراً أن هذا الأمر يخالف المادة 146 من الدستور، والتي تمنع استقرار أي قواعد عسكرية أجنبية على الأراضي الإيرانية حتى لو كان الأمر لأغراض سلمية. ولفت إلى أن السياسة الخارجية لروسيا متباينة، وتختلف بين الحين والآخر، وهي التي تتعاون مع الغرب عسكرياً، حسب وصفه. وأشار أيضاً إلى أنها المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، التي تفتح فيها أجواء البلاد لمرور مقاتلات أجنبية، مطالباً بتوضيح رسمي وتقديم مبررات لكل هذه الثقة بموسكو وإعطائها هذا المجال.
في المقابل، ردّ رئيس مجلس الشورى الإسلامي، علي لاريجاني، على هذه التصريحات، قائلاً إن "إيران لم تضع أي قاعدة عسكرية في خدمة وتحت تصرف أي من البلدان الأجنبية"، موضحاً أنّ "التحالف مع روسيا في ما يتعلق بقضايا الإقليم وعلى رأسها الملف السوري، لا يعني أنه تم فتح المجال لها أو وضع القاعدة العسكرية تحت تصرفها".
وواصلت الطائرات الروسية، أمس، غاراتها في سورية انطلاقاً من قاعدة همدان، إذ ذكرت وكالة "إنترفاكس" للأنباء نقلاً عن وزارة الدفاع الروسية، أن قاذفات روسية من طراز "سوخوي-34"، تتمركز في القاعدة وجّهت، أمس، ضربات لأهداف تابعة لتنظيم "داعش" في سورية لليوم الثاني على التوالي، وتم تدمير موقَعي قيادة وقتل أكثر من 150 من عناصر التنظيم في الضربات.
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أكدت، الثلاثاء، نشر القاذفات بعيدة المدى "تو-22 إم3" وطائرات "سوخوي-34" في إيران وشنّها غارات في سورية، وذلك بعد يوم من زيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، إلى طهران، ولقائه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. يذكر أن روسيا وظفت طيرانها بعيد المدى في سورية لأول مرة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلا أن استخدام الطيران بعيد المدى ظل محدوداً طوال هذه الفترة.

المساهمون