بن قردان التونسية: حيث تختلط أزمة الحدود بالمطالب الاجتماعية

بن قردان التونسية: حيث تختلط أزمة الحدود بالمطالب الاجتماعية

19 فبراير 2015
يخشى البعض من استغلال التحركات لأهداف أمنية (ياسين جعايدي/الأناضول)
+ الخط -
تحوّلت مدينة بن قردان في الجنوب التونسي، على الحدود مع ليبيا، منذ حوالي شهر، إلى مسرح لتطورات وتحركات شعبية، تهدأ حيناً وتشتعل حيناً آخر. تطوّرت الأمور، في العاشر من فبراير/شباط الحالي إلى إضراب عام شلّ المدينة، وبلغت أوجّها مع الإعلان عن رفع مستوى التأهب العسكري التونسي، إثر التطورات التي شهدتها الأوضاع الليبية، على خلفية إعدام 21 مواطناً مصرياً على يد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وما نجم عنه من غارات للطيران الحربي المصري على مواقع التنظيم، في الجارة الشرقية.

كان العنوان الرئيسي للتحركات "المطالبة بالتنمية والتشغيل، وتسهيل المبادلات التجارية مع ليبيا وإلغاء الضرائب المفروضة على المغادرين والداخلين إلى الأراضي التونسية". وتبدو التطورات في المناطق الحدودية عموماً، وفي بن قردان خصوصاً، ذات طابع اجتماعي بحت، تحرّكه قلة الموارد في المنطقة وارتباطها الوثيق اقتصادياً وتجارياً بالأراضي الليبية.

لكن الواقع مختلف تماماً، ويشير الناشط الحقوقي في المنطقة، مصباح السالمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "مثل هذه التحركات ليست جديدة على المنطقة، التي سبق أن واجهت نظام (الرئيس المخلوع زين العابدين) بن علي في صيف 2009، حين ثار أبناؤها على مخططٍ لإلغاء التبادل التجاري عبر منفذ رأس جدير، واستبداله بخطوط بحرية تربط العاصمة والمدن الكبرى بالموانئ الليبية".

وفي تفسيره للوضع الحالي يقول السالمي، إن "الإشكال لا يكمن في الضريبة المفروضة على الحدود من الجانبين، على اعتبار أنها مفروضة منذ أشهر، وقد تأقلم معها تجار المنطقة الذين لا يمرّ معظمهم على المعبر الحدودي، حيث يتوجب عليهم دفعها، بل ينشطون في المناطق الصحراوية غير الخاضعة للرقابة المشددة".

ويؤكد أن "تأجيج الوضع جاء من الطرف الليبي المُشرف على المعبر، إذ فرض قوانين جديدة للتعاملات التجارية، وأجرى تعديلات عدة، منها إنجاز بعض الأشغال في الجانب الليبي من المعبر، ثم المطالبة بإلغاء الضريبة التونسية على الليبيين، قبل أن تتدرّج الأمور إلى حدّ المطالبة بحياد تونس سياسياً وإعلامياً في الصراع الليبي". ويضيف "بالنسبة إلى الليبيين، فإن تحييد تونس ضروري، في ظلّ سيطرة قوات فجر ليبيا من جهة، ولاعتبار الليبيين، أن الإعلام التونسي طرف غير محايد من الصراع في ليبيا".

من جهته، لفت الناشط الاجتماعي في بن قردان، حسن الودرني، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "بارونات (زعماء) التهريب في المنطقة، تسعى إلى خلق فوضى أمنية، تتيح لها مواصلة المتاجرة بالخمور والمخدرات والسجائر".

ويتابع الودرني "يدفع زعماء التهريب بالفئات العمرية الشابة، للقيام بأعمال شغب، من أجل ضمان استمرارية هذا الوضع الهش. وتستفيد الفئات الشابة، وأغلبها من صغار التجار والمهربين، من الوضع القائم لتحقيق الأرباح، والبقاء في ظلّ كبار المهرّبين، الذين عادة ما يحتمون بدورهم بداوئر عليا تونسية وليبية، لضمان سيطرتهم الكاملة على قطاع التجارة الموازية".

ويضيف أن "الوضع يزداد تعقيداً بمحاولة القوى السياسية استغلال الظرف لتحقيق مكاسب على الميدان. ويستدلّ على ذلك بفشل زيارة وفد حكومي إلى المنطقة، جرّاء رفض المحتجين لقاءه، بل وطرده حتى من بن قردان".

وإزاء هذا الوضع يكمن الحلّ، وفقاً للودرني، في "إنشاء منظومة اقتصادية وتنموية، تستجيب لخصوصيات المناطق الحدودية، من بينها إنشاء منطقة حرة للتبادل التجاري، على غرار ما هو معمول به في عدد من الدول وحصر كل الأنشطة البينية في إطارها". كما دعا إلى "تدخل الدولة لتشجيع أبناء بن قردان على الاستثمار فيها، من خلال التسهيلات الضريبية والامتيازات العقارية، لأنهم وحدهم القادرون على العيش فيها". ويؤكد أنه "في حال توفرت الاستثمارات المطلوبة فإن ظاهرة التهريب والاقتصاد الموازي، الذي يستنزف التوازنات العامة للدولة، ستتوقف آلياً".

ولا يغيب العامل الأمني عن المنطقة، وأكد مصدر أمني مطلع لـ"العربي الجديد"، "ضرورة اليقظة الدائمة في هذه المناطق، لمقاومة أي تهديدات إرهابية قد تستغلّ الأنشطة التجارية الموازية، القائمة على التهريب". وأشار إلى "التعزيزات الأمنية المتمركزة بشكل دائم على كامل الشريط الحدودي".

وشدد المصدر على "دور أهالي بن قردان الأمني، كونهم يُشكّلون الخط الدفاعي الأول في مقاومة الإرهاب، عبر تعاونهم الوثيق مع أجهزة الأمن والاستخبارات، في حال شعروا بأي تحركات مريبة على الحدود". ونفى أحد التجار، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، وجود "أي صلة له ولغيره في مسألة التهريب أو الإرهاب، كما تروّج بعض وسائل الإعلام التونسية". وأكد أن "هذا الواقع الذي تعيشه بن قردان والمناطق الحدودية، اليوم، هو نتيجة حتمية لسياسة طويلة من التهميش، امتدت إلى نحو ستة عقود، في ظلّ غياب تام للدولة التونسية".

ويقول بعض من الناشطين في قطاع التجارة الموازية، إن "من مصلحتهم أن تبقى الحدود مع ليبيا نظيفة من أي تهديد قد تسببه تجارة السلاح أو تسرّب المسلحين أو تهريب المخدرات، حتى لا تتوجّه الأنظار إليهم، وتتمّ عرقلة أنشطتهم التجارية".