بريطانيا وقضايا المنطقة العربية بعد "بريكست": انحياز للرؤية الأميركية

بريطانيا وقضايا المنطقة العربية بعد "بريكست": انحياز للرؤية الأميركية

10 فبراير 2020
ينوي البريطانيون توسيع الأفق التجاري آسيوياً(ديفيد كليف/Getty)
+ الخط -

يحمل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تبعات لا تقتصر على لندن وبروكسل بل تمتد إلى المنطقة العربية. وبينما يحمل "بريكست" في أحد أوجهه سمة انعزالية، كان رئيس الوزراء بوريس جونسون قد أكد في جميع المناسبات أن الانفصال عن الاتحاد الأوروبي سيكون مقدمة لعهد جديد تنفتح فيه بريطانيا على العالم ما وراء أوروبا. ونال الاهتمام البريطاني بإبرام علاقات تجارية مع الولايات المتحدة والصين والهند وأستراليا واليابان حصته من النقاشات. وبدأ وزير الخارجية دومينيك راب جولة آسيوية ـ أسترالية، يجول فيها على الاقتصادات الكبرى في المنطقة بهدف تطبيع العلاقات معها في مرحلة ما بعد "بريكست". وقال راب قبيل جولته: "حان الوقت لتحريك بريطانيا العالمية. إن منطقة آسيا والهادئ غنية بالفرص ورسالتنا هي أن بريطانيا مفتوحة أمام الأعمال، ومكان مثالي للاستثمار". ولكن ما هي ارتدادات "بريكست" على المنطقة العربية؟ بالتأكيد ستكون المنطقة نافذة لهذا النشاط البريطاني على صعيد العلاقات الخارجية، وهو تحوّل نابع من إعادة تموضع السياسات الجيوإستراتيجية البريطانية، إضافة إلى حاجتها إلى التوسع الاقتصادي للتعويض عن السوق الأوروبية.

في السياق، اعتبر زكي محشي، الباحث في كلية لندن للاقتصاد والزميل في المعهد الملكي للشؤون الدولية، تشاتام هاوس، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "النقطة الرئيسية التي صرحت بها حكومة جونسون هي التقارب الاقتصادي مع الولايات المتحدة. وسينعكس ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر على السياسات البريطانية، التي ستكون أقرب إلى نظيرتها الأميركية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".

وأضاف: "يعني ذلك، مثلاً، أن تطور العلاقات مع دول الخليج سيكون دافعاً لغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان فيها. وبالطبع فإن توافق السياسات الاقتصادية بين بريطانيا والولايات المتحدة سيؤدي إلى توافق أكبر في السياسات الاقتصادية في المنطقة العربية. وهذه السياسات الاقتصادية ستترك تأثيرها في السياسة الخارجية البريطانية فيما يتعلق بالعالم العربي بشكل أساسي". وأشار محشي إلى مسألة "صفقة القرن" (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية) بشكل رئيسي. فالموقف البريطاني منها "يعكس رغبة بريطانية في عدم مخالفة الحليف الأميركي. فبينما صرح الاتحاد الأوروبي بشكل علني عن معارضته للصفقة، كان التصريح البريطاني عن طريق وزير الخارجية غير رافض أو داعم. والموقف لم يكن بوضوح موقف الاتحاد الأوروبي. وهو دليل على السياسة المستقبلية لبريطانيا تجاه المنطقة".

وكان راب قد قال تعليقاً على الخطة الأميركية: "نرحب بمقترح الولايات المتحدة للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إنه عرض جدي ويعكس جهداً ووقتاً مطولين. إن اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يقود للتعايش السلمي قد يفتح أبواب المنطقة بأكملها ويزود الجانبين بفرصة لمستقبل أكثر إشراقاً. فقط قادة إسرائيل والأراضي الفلسطينية يستطيعون التقرير فيما إذا كانت هذه المقترحات تتوافق مع احتياجات وآمال شعوب التي يمثلونها. نحثهم على منح هذه الخطط الاعتبار الكافي والعادل واختبار ما إذا كانت ممكنة كخطوة أولى على طريق العودة إلى المفاوضات". وكان ذلك أيضاً الموقف البريطاني فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني، عندما اقترح جونسون في أول مقابلة له في العام الجديد مع "بي بي سي" استبدال الاتفاق الحالي باتفاق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في موقف وسط يوقف التصعيد ويرضي الولايات المتحدة.



ولطالما اتخذت بريطانيا منحى مختلفاً في سياق الاتحاد الأوروبي عن بقية الدول الأخرى. فبينما عارضت دول الاتحاد غزو العراق عام 2003، كانت بريطانيا شريكة للولايات المتحدة، وبينما دان الاتحاد الأوروبي سجل السعودية في حقوق الإنسان، خصوصاً بعد اغتيال الصحافي، الكاتب جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أو في حربها في اليمن، عملت بريطانيا على إقناع ألمانيا بعدم التخلي عن دعمها العسكري للسعودية. بالتالي فإن "بريكست" سيرفع القيود الأوروبية على حرية بريطانيا في تزويد حلفائها، مثل السعودية وإسرائيل، بصفقات سلاح طائلة، مقابل غض الطرف عن سجل هذه الدول في حقوق الإنسان. وسيؤدي هذا التركيز على الجانب الاقتصادي، أيضاً إلى الحد من تدخل بريطانيا في المنطقة بشكل عام، وجعله مقتصراً على مخاطر محددة، مثل خطر التنظيمات المتشددة. ورغم أنه من المبكر الجزم بالتوجه البريطاني، إلا أن السلم في اليمن، على سبيل المثال، قد يتراجع على أولويات بريطانيا بعد "بريكست".

كما أن "بريكست" سيمنح بريطانيا فرصة التفاوض على اتفاقيات تجارة جديدة مع دول المنطقة، تتخلى فيها لندن عن المعايير التجارية الأوروبية، والتي كانت تحكم العلاقات بين ضفتي المتوسط في العقود السابقة. وكانت دول جنوب المتوسط، مثل مصر والجزائر وتونس قد اشتكت من الحواجز الجمركية والتجارية الخاصة بالاتحاد الأوروبي في اتفاقيات التعاون الاقتصادي، خصوصاً أن الأولوية فيما يتعلق بالمنتجات الزراعية، مثلاً، كانت من حق دول الاتحاد المطلة على المتوسط. وكانت ترجمة ذلك مسبقاً تفضيل زيت الزيتون اليوناني على نظيره التونسي، بينما خارج الاتحاد ستكون بريطانيا أكثر حرية في الاختيار.

ولن يقتصر اهتمام بريطانيا بالمنطقة العربية على الصفقات الاقتصادية، بل قد يمتد أيضاً إلى قطاعات أخرى مثل التعليم. في هذا الإطار، أفادت الباحثة الاقتصادية المقيمة في لندن، خالدية الكسم، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "الحكومة البريطانية تسعى إلى ملء النقص في المجالات التي يوجد فيها طلب في بريطانيا"، مضيفة أنه "على سبيل المثال، تحتاج بريطانيا إلى دعم الخدمات الصحية الوطنية، والتي ستكون من بين القطاعات المتضررة من بريكست، التي تعتمد إلى حد كبير على العمالة الأوروبية". ورأت الكسم أن "بريطانيا ستكون مهتمة بجذب الطلاب من مجالات الصحة المختلفة، أطباء أو ممرضين أو غيرهم، إليها، وليس فقط للدراسة، بل أيضاً إلى ملء الشواغر في سوق العمل". ولفتت إلى أن "الدراسة في بريطانيا تعد من المجالات التي عليها طلب كبير في المنطقة العربية، وهو ما يتيح لبريطانيا الفرصة لتطوير علاقاتها مع الدول العربية في مجال التعليم".

أما على صعيد التعاون الأمني والتنمية الدولية، فلن تكون المقاربة البريطانية مختلفة جداً عن وضعها داخل الاتحاد الأوروبي. إلا أن "بريكست" سيمنح بريطانيا وزناً أقل في التأثير في هذه المجالات، مقارنة بالثقل الذي يمتلكه الاتحاد الأوروبي. كما أن سعي جونسون لدمج وزارة التنمية الدولية بوزارة الخارجية، يطرح عدداً من الأسئلة عن مدى التزام بريطانيا بمشاريعها في المنطقة، إضافة إلى مساهماتها في الدعم الإنساني سواء كانت في سورية أو اليمن أو فلسطين.



المساهمون