البلجيكي بلاتو: السعودية تستخدم الدين لاعتبارات سياسية

البلجيكي بلاتو: السعودية تستخدم الدين لاعتبارات سياسية ويجب وقف تصدير السلاح إليها

11 مايو 2018
بلاتو: وصول بن سلمان للسلطة ليس صدفة (بندر الغالود/Getty)
+ الخط -
انتقد الباحث الاقتصادي البلجيكي جان-فيليب بلاتو، في حوار مع صحيفة "لوسوار" البلجيكية، نشرته اليوم الجمعة، السعودية، مؤكدا أن الرغبة في "الاستيلاء" على العقول، من خلال إخفاء الأيديولوجيا الوهابية، شيءٌ ثابتٌ في السياسة الخارجية السعودية، قبل أن يطالب بـ"فتح نقاش علني" حول بيع السلاح للرياض.  

وأكد بلاتو، في لقائه مع "لوسوار" بمناسبة صدور كتابه "توظيف الإسلام/ دين وسياسات من منظور تاريخي"، أن "الإسلام، كدين، لا يتعارض مع التنمية، وبالتالي فهو ليس مسؤولا عن التأخر الاقتصادي في البلدان التي يهمين فيها هذا الدين"، قبل أن ينصح بـ"التوقف عن استحضار الرؤية الدينية الخالصة في الظاهرة الدينية"، ويتحدث عن العربية السعودية باعتبارها "تستخدم الدين لاعتبارات سياسية، ولخدمة مصالحها".

ويرى الباحث أن الرغبة في "الاستيلاء" على العقول، من خلال إخفاء الأيديولوجيا الوهابية، "شيءٌ ثابتٌ في السياسة الخارجية السعودية. وبالنسبة لقادتها، فإن التأثير الديني ليس سوى غطاء مستخدم لنشر تأثيرهم الجيو-سياسي". 

وكشف بلاتو عن أن أطروحته تتلخص في أنه "في عالَم يُستَخدَم فيه الدين من قبل سلطة سياسية، لا يوجد أي معنى لتأويل أشكال الجمود والخلل بتعابير دينية".

وبخصوص الانفتاح الأخير في السعودية، وما تمثَّل في "محاربة الفساد ومنح الحرية للنساء"، وإن كان يفسّره بـ"القلق من نفاد العائدات النفطية"، أجاب الباحث البلجيكي بأن "النخبة السعودية ليست متدينة بشكل عميق، ولكنها بحاجة إلى تحالف مع السلطات الدينية. والثمن الذي يجب دفعه هو الدفاع عن القيم التقليدية الموغلة في القبلية أكثر مما هو دفاع عن قيم دينية، مثل التقييد على حركة النساء". 

وأوضح أن "انخفاض أسعار النفط شكل صدمة يتوجب على الاقتصاد السعودي أن يتأقلم معها. وفي هذا الصدد، فإن وصول بن سلمان للسلطة ليس صدفة، لكن اختياراته تشكك في التوازن السياسي - الديني الذي يضمن استقرار النظام. وهو يحاول إيجاد حلّ لهذه المشكلة عبر مغامرة خارجية، غزو اليمن، الذي يريد من خلاله تطويع المتدينين. وهذه المغامرة هي، أيضا، طريقة للرد على الاعتراف الغربي بإيران الشيعية، عن طريق النووي، من خلال القول للمتدينين إن العالم السُنّي ليس في تراجع".

ويرى الباحث البلجيكي أن "التضامن الغربي مع السعودية هو خيار سيئ. وأن خيارات الغرب كثيرة، على المستوى المتوسط على الأقل"، مؤكدا أن "من الممكن تنويع مصادر النفط. وفي هذا الصدد، فإن معاودة العراق للتصدير خبر جيد".


وطالب الباحث البلجيكي بوقف صادرات الأسلحة إلى السعودية، ودعا إلى أن يكون بيع السلاح "موضوع نقاش عمومي"، لكنه أقرّ بأن "بلجيكا لوحدها عاجزة عن الفعل"، وأن فرنسا قد تستفيد وتبيع السلاح. والحلّ يكمن "في مبادرة أوروبية، لأنه آن الأوان لبعث إشارة قوية لنزع السلاح في اتجاه القوى المتنافسة في الشرق الأوسط. كما يجب ضمان تعاون مصدّري السلاح الكبار، وليس فقط الأوروبيين. ويجب وضع آلية لمراقبة أي اتفاق". 

واعترف بلاتو بأن "الأمر صعب، كما تثبته العديد من تجارب الحظر التي تم إجهاضُها، بشكل أو بآخر"، وتساءل إن كان أكثر فعالية اللجوء إلى "تجميد ممتلكات مسؤولي البلدان المتصارعة في الخارج". 

وتحدث الباحث البلجيكي عن مستقبل منطقة الشرق الأوسط، فرأى أن مصيرَهَا لم يَعُد بين أيدي الغرب، ولكنه يتعلق بالقوى الإقليمية المتعارضة. واعتبر أن مثلث تركيا ــ السعودية ــ إيران "سيواصل لعب دور مُحدِّد"، وأضاف أن "الموقف الوحيد المعقول، بالنسبة لنا، يكمُن في مبادرات دبلوماسية وسياسية ترمي إلى تقريب مواقف القوى الإقليمية المتنافسة الثلاث"، قبل أن يستدرك بقوله إن "هذا الطريق، للأسف، صعبٌ، لأن البلدان الغربية تنساق، في معظم الأحيان، وراء مصالحِها وخلف قراءة  مُضلَّلَة للأحداث". 

وأكد الباحث أن الغرب "لا يزال، وخلال فترة طويلة، يدفع ثمن أخطاء مميتة ناتجة عن التدخل العسكري لأميركا وبريطانيا خارج كل شرعية دولية"، و"هو تدخل يندرج كاستمرار لماضٍ كولونيالي كارثيّ، مصنوع من وُعود لم يلتزم بها، والتزامات غُدِر بها في هذه المنطقة".  

واعتبر الباحث الاقتصادي أن كتابه الجديد "رد فعل على الرؤية الدينية الخالصة للظاهرة الدينية"، وهي "رؤية مغلوطة ومنتشرة تريد أن تقول إن الاندماج الذي حدث في العالم الإسلامي بين السياسة والدين، يتعارض مع الديمقراطية وحقوق الإنسان وتفتُّح وازدهار الأفراد". 

وانتقد الباحث البلجيكي برنار لويس، "مؤرخ الإسلام" وأحد مستشاري بوش في حرب العراق، لأنه يدافع عن هذه الفكرة، كما أن فكرة "صراع الحضارات" تندرج في هذا المنظور. 

ويواصل الباحث البلجيكي: "أردتُ أن أنتقد هذه الفكرة من خلال إبراز أن أيّ دين ليس متعارضا، بشكل جوهري، مع التنمية. وإن المقاربة الصحيحة ترتبط بالاقتصاد السياسي: إذا لم نفحص كيف يُوظِّفُ السياسيُّ الدينَ، كما هو الحال في العربية السعودية، فإننا نمنع أنفسَنا من فهم الطبيعة الحقيقية للقوى وللفاعلين الذين يشجعون أو يكبحون التنمية". 

وأخيرا، يتطرق الباحث جان - فيليب بلاتو لمسؤولية الغرب في "تصاعد الراديكالية الإسلاموية"، ويرى أن هذه الحركات الحالية تحظى، في كثير من الأحيان، بالتشجيع من قبل القوى الكولونيالية، و"ليس المستبدّون المحليّون وحدَهم من لَعبوا بالنار"، مضيفا: "النتائج على المستوى البعيد ستكون مكلفة، وهو ما تكشف عنه إعادة البناء الصعبة في أفغانستان بعد التدخل الأميركي. كما أن الدعم البريطاني للراديكاليين المسلمين في الهند أدى إلى تقسيم البلد، وإلى هجرات ومجازر، وإلى إنشاء باكستان، وهو بلد مصاب بالخلل، ولم تؤدّ الهوية الدينية فيه إلّا إلى إخفاء الهشاشة الأولية".

دلالات