عقبات قانونية وإنسانية أمام الخطة التركية الخاصة باللاجئين لأوروبا

عقبات قانونية وإنسانية أمام الخطة التركية الخاصة باللاجئين لأوروبا

16 مارس 2016
الأمم المتحدة اعتبرت الترحيل الجماعي للمهاجرين غير شرعي(إيكر باستور/الأناضول)
+ الخط -
يواجه مشروع الاتفاق الجديد بين تركيا والاتحاد الأوروبي للتعامل مع المهاجرين واللاجئين المتوجهين نحو الدول الأوروبية عبر الأراضي التركية، الكثير من العقبات على المستويات السياسية والقانونية والإنسانية أمام تنفيذه، على الرغم من ترحيب البعض في الاتحاد بالخطة التركية، التي بدت مخرجاً لأنقرة من الإحراج إزاء العجز عن تحقيق خفض كبير لأعداد اللاجئين العابرين عبر أراضيها نحو القارة العجوز.

المواقف الأكثر وضوحاً لجهة رفض الاقتراح جاءت من إسبانيا وقبرص على التوالي. وأكد الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، إثر لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، أمس الثلاثاء، في نيقوسيا أن بلاده "لا تعتزم الموافقة" على الاتفاق الموقع بين الاتحاد الأوروبي وتركيا حول الهجرة بسبب الوعود التي يتضمنها لصالح تركيا. وأشار توسك إلى جهود إضافية لا تزال ضرورية حول "مسألة الشرعية" الأساسية لبعض النقاط التي يتضمنها الاتفاق الذي يفترض أن يتم وضع اللمسات الأخيرة عليه خلال قمة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا غداً الخميس وبعد غد الجمعة في بروكسل. ولفت إلى أنه لن يوافق على رفع الحظر عن محادثات انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي ما لم تعترف بقبرص كدولة.

من جهته، أكد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل غارسيا مارغالو، أول من أمس (الإثنين)، أن بلاده تتطلع إلى تعديل المقترح الذي يجري التفاوض بشأنه بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بشأن أزمة الهجرة، معرباً عن قلقه من هذا الاتفاق كونه ينتهك القانون الدولي والأوروبي. وقال للصحافيين في بروكسل، على هامش اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، إن "هذا المقترح يبدو من البداية، من وجهة نظر الحكومة، غير مقبول". وشدد على أن "إسبانيا لن توافق إلا على اتفاق يلتزم وينسجم ويحترم القانون الدولي ويحترم على وجه الخصوص حقوق الأشخاص الذين اضطروا إلى الهروب من بلدانهم"، مشيراً إلى أن قيام الاتحاد الأوروبي "بعمليات طرد جماعية" للمهاجرين سيكون بمثابة إشكالية كبرى.
وفي السياق، نقلت وكالة الأنباء الألمانية "د. ب. أ" عن مصادر مطلعة في بروكسل قولها إن رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي بصدد إدخال تعديلات على حزمة البنود التي اقترحتها أنقرة في إطار جهود حل أزمة اللاجئين. ومن النقاط التي ستخضع بشكل رئيسي للتباحث بغية التعديل أو الصياغة الأكثر دقة هي نقطة إعادة توطين المهاجرين السوريين من تركيا للاتحاد الأوروبي، حسب ما أكدت المصادر.

وأمام تعثّر اتفاق سابق موقّع بين أنقرة والاتحاد، العام الماضي، تقدّم رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، باقتراحات مفاجئة، خلال القمة الأوروبية التركية، التي عُقدت في السابع من شهر مارس/آذار الحالي. وبحسب الاقتراحات الجديدة، فإن أنقرة ستلتزم بإعادة استقبال جميع اللاجئين والمهاجرين الذين يصلون إلى الأراضي اليونانية، على أن يقوم الاتحاد الأوروبي باستقبال لاجئ سوري من المتواجدين على الأراضي التركية مقابل كل شخص سوري تستقبله تركيا من اليونان، وذلك بشكل منتظم بعد تاريخ سيتم الاتفاق عليه، وغالباً ما قد يكون الأول من يونيو/ حزيران المقبل، وبالتالي سيتم تخفيف العبء عن اليونان وتركيا، وأيضاً سيتم إيقاف الهجرة غير الشرعية عبر بحر إيجة.

في مقابل ذلك، طالبت أنقرة الاتحاد الأوروبي بتقديم حزمة مساعدات مالية إضافية للاجئين المتواجدين على أراضيها تقدّر قيمتها بثلاثة مليارات يورو لغاية 2018، علاوة عن المبلغ الذي أقره الاتحاد في وقت سابق بقيمة ثلاثة مليارات يورو، على أن يتم تسليمه في نهاية مارس/ آذار الحالي، وأيضاً تقديم موعد إعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة الدخول إلى فضاء "شينغن" في يونيو/ حزيران المقبل، بدل الموعد الذي تم الاتفاق عليه سابقاً في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وكذلك تسريع فتح ملفات جديدة في مسيرة انضمام تركيا للاتحاد، الأمر الذي وجدته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل صعباً في ظل الفيتو القبرصي على الأمر، قبل توقيع اتفاق سلام قبرصي يوحّد شطري الجزيرة. كما تم التوافق على التعاون بين أنقرة وبروكسل للعمل على ضمان أمن النازحين والمدنيين داخل سورية، وزيادة المساهمة الأوروبية في تقديم المساعدات للسوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. ومن المنتظر أن يتم البت بهذا الاتفاق أو رفضه في القمة المقبلة للاتحاد الأوروبي المقررة خلال اليومين المقبلين.

وبينما بدا الاتحاد الأوروبي عاجزاً عن التعامل مع أكثر من 30 ألف لاجئ ومهاجر عالقين في اليونان وفي دول البلقان التي أغلقت حدودها، أكد وزير شؤون الاتحاد الأوروبي في الحكومة التركية فولكان بوزكير، يوم الخميس، أن الاتفاق التركي الأوروبي الجديد لن يشمل هؤلاء اللاجئين، مشدداً على أن هذا الاتفاق لن يعني بطبيعة الحال زيادة كبيرة في أعداد اللاجئين في تركيا، قائلاً: "في حال تم توقيع الاتفاق، لن يصل عدد اللاجئين والمهاجرين الذين ستتم إعادتهم إلى تركيا إلى مئات الآلاف أو المليون، ولكن يمكننا الحديث عن حوالي العشرة آلاف لاجئ".

من جهتها، انتقدت ميركل إغلاق ما يُعرف بـ"طريق البلقان" من قبل سلوفينيا وصربيا أمام اللاجئين، قائلة "إن هذا الإجراء ليس حلاً للمشكلة"، مضيفة: "هذا الإجراء سيقلل بطبيعة الحال من عدد طالبي اللجوء القادمين إلى ألمانيا. لكن في مقابل ذلك ستكون الصور التلفزيونية للاجئين العالقين في اليونان مطروحة للعيان كل مساء، ولا يمكن لهذا الأمر أن يستمر على الدوام".

ويواجه الاتفاق التركي الأوروبي الكثير من العقبات، منها ما يتعلق بالناحية لقانونية سواء على مستوى القوانين الأوروبية أو الاتفاقيات الدولية الخاصة باللاجئين، أو بالناحية السياسية على مستوى مدى قدرة الاتحاد الأوروبي على الالتزام به وهو الذي يعاني من خلافات شديدة حول الأمر، وكذلك على مستوى اللاجئين. وهو ما ترجمته المواقف الصادرة خلال الأيام الماضية عن عدد من المسؤولين الأوروبيين. 
بدوره، كان مفوّض الأمم المتحدة الأعلى لحقوق الإنسان، زيد بن رعد الحسين، قد وصف عمليات الترحيل الجماعية للمهاجرين الواردة في مشروع الاتفاق، بأنها "غير شرعية". وقال الحسين أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف قبل أيام إن "القيود على الحدود التي لا تتيح تحديد ظروف كل فرد تنتهك القانون الدولي والأوروبي". كذلك اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن الاتفاق التركي الأوروبي مخالف للقوانين الأوروبية، وشدد مدير برنامج اللاجئين في المنظمة بيل فريليك، على أنه "لا يجوز استخدام اللاجئين كعنصر في المفاوضات"، قائلاً إن "نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي، وكذلك القيم الأوروبية تبدو في خطر".

اقرأ أيضاً: تركيا تفرض شروطها على قمّة اللاجئين وتربك الأوروبيين

وتعليقاً على هذا الموضوع، يؤكد مدير مركز أبحاث الهجرة والسياسات التابع لجامعة حاجة تابة في أنقرة، مراد أردوغان، لـ"العربي الجديد"، أن الاتفاق الجديد لا يبدو واقعياً، قائلاً: "ينصّ الاتفاق على أن يأخذ الأوروبيون لاجئاً من المخيمات التركية مقابل كل لاجئ سوري يقومون بإرساله من الأراضي اليونانية، وذلك بحجة أن يتم ضبط تدفق اللاجئين للاتحاد الأوروبي، ولكن لا أستطيع أن أفهم لمَ على تركيا أن تتحمّل هذه المسؤولية؟"، مضيفاً أن "الاتفاق مخالف للقوانين الدولية الناظمة لشؤون اللاجئين، فلا تستطيع أية دولة أن ترسل شخصاً تقدّم باللجوء على أراضيها إلى بلد آخر، من دون أن تتعامل مع ملفه ومن دون أن تحصل على موافقة من مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. إنهم يحاولون أن ينشئوا وضعاً جديداً بحكم الأمر الواقع مخالف للقانون".

أما المدير السابق لمفوضية اللاجئين في تركيا متين جورباتر، فيرى أن الاتحاد الأوروبي، وفي سبيل التخلّص من اللاجئين، يحاول أن ينشر صورة عن تركيا وكأنها "بلد آمن" بالتعريف القانوني، لافتاً إلى أنه على الرغم من أن أنقرة وقّعت على اتفاقية جنيف 1951 للاجئين، إلا أن التوقيع كان محدّداً جغرافياً بحيث أنه لا يحق لأي شخص أن يتقدم للجوء في تركيا إن لم يكن قادماً من دول المجلس الأوروبي، وبالتالي فإن السوريين المتواجدين في الأراضي التركية يتمتعون فقط بحق الحماية المؤقتة، ولا يحق لهم أن يتقدموا بطلب لجوء للسلطات التركية، وهذا يعقّد أمر إعادتهم إلى تركيا قانونياً.

وبعيداً عن الجانب القانوني، يشكك مراد أردوغان بإمكانية تطبيق الاتفاق، قائلاً إن "عملية إعادة اللاجئين السوريين إلى تركيا ستكون معقدة للغاية، فمن هرب من القنابل ومجرمي الحرب واجتاز الألغام والحدود ومن ثم ركب القوارب في البحر، ووصل إلى اليونان، وبعد كل هذه المعاناة، هل ستكون إعادته إلى تركيا أمراً سهلاً، ألن يقاوم؟"، مضيفاً: "سيقومون بإعادة السوريين إلينا، وسنعمل على إسكانهم في المخيمات، بحسب حديث رئيس الوزراء، ومن ثم سنعمل على تسجيلهم، لكن من سيضمن لنا بأن الاتحاد سيقوم بأخذهم مرة أخرى، وهو الذي يعيش خلافات حادة بين أعضائه حول توزيع اللاجئين؟ فبينما تتحمّل ألمانيا العبء الأكبر، لا زالت المجر على الأقل، ملتزمة بوضع فيتو ضد أي اتفاق يقضي بتوزع اللاجئين كحصص على دول الاتحاد، وهي ليست لوحدها بل تساندها معظم دول أوروبا الشرقية".

ويتابع أردوغان: "أكثر من ذلك، لم يلتزم الاتحاد بعد بإرسال الثلاثة مليارات يورو التي تم الاتفاق عليها العام الماضي. لمَ علينا أن نثق بأنه سيلتزم بتقديم الثلاثة مليارات الجديدة خلال العامين المقبلين، وفي حال بقي اللاجئون لدينا، من سيواجه تبعات ذلك الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؟".

أما على مستوى العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، فيقول أردوغان إن "دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة ستدفع 6 مليارات على مدى ثلاث سنوات كمساعدات للاجئين السوريين في تركيا، وبالتالي يظن الأوروبيون أنفسهم تحت ضغط الابتزاز التركي، وهم الذين استمروا بالتصرف بلامبالاة تجاه الصراع السوري على مدار أربع سنوات حتى طرق اللاجئون أبوابهم، وكأن تركيا هي المسؤول الوحيد عن أزمة اللاجئين التي كلّفتها حتى الآن أكثر من 9 مليارات دولار دون أن تتلقى سوى ما يقارب 450 مليون دولار كمساعدات"، مضيفاً: "ترى تركيا من جهتها في الموقف الأوروبي موقفاً متخاذلاً، لا علاقة له بالقيم الإنسانية والأوروبية، ما يعمّق فقدان الثقة بين الطرفين، لذلك لا بد من تحويل الأمر من اتفاق تركي أوروبي إلى استراتيجية مشتركة ومتكاملة للتعامل مع اللاجئين والمهاجرين على المدى البعيد".

ويعترض أردوغان بشدة على فكرة أن بقاء السوريين في تركيا سيساهم في عودتهم إلى بلادهم بسرعة أكبر، قائلاً: "علينا ألا نبالغ في التفاؤل، حتى لو حصل وقف إطلاق النار وتوافق على عملية سياسية، فسورية بلد مهدم بلا بنية تحتية، ولن تنتهي أزمة اللاجئين بأقل من عشر سنوات بعد ذلك، وجميع تجارب الحروب الاهلية تؤكد هذا الأمر"، مضيفاً: "مهما كان البشر يحبون بلادهم، من سيترك حياته التي أسسها بشق الأنفس ليعود للمشاركة في إعمار سورية، معرضاً حياة أطفاله ومستقبلهم لمخاطر وارتدادات ما بعد الاتفاق السياسي"، متابعاً: "ثم هل علينا أن نزيد أوجاع السوريين ونضمن لهم حياة بائسة بلا مستقبل كي يعودوا إلى بلادهم بعد اتفاق سلام قد لا يتحقق بخمس سنوات أخرى؟".

من جهته، يرى الباحث في مركز أبحاث الاقتصاد والسياسات الخارجية التركي سنان أولغين، أن الحكومة التركية أدارت المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشكل جيد للغاية حتى الآن، مضيفاً في حديث صحافي: "استطاعت الحكومة التركية أن تقيّم بشكل صحيح الضغط الذي يعاني منه الاتحاد الأوروبي، وقدّمت اقتراحات متوازنة، تخفف عنها الضغط مع وجود 2.7 مليون لاجئ سوري، 300 ألف لاجئ عراقي على أراضيها، وكذلك تساهم في حلحلة مشاكل الاتحاد".

وبحسب أولغين، فإن العنصر الاكثر هشاشة في الاتفاق هو التزام الاتحاد برفع تأشيرة الدخول لمنطقة "شينغن" عن الأتراك، قائلاً: "سيتم عرض الأمر على مجلس الاتحاد الأوروبي للتصويت، وعلى الرغم من أنه لن يحتاج موافقة جميع الأعضاء، إلا أن فرنسا ما زالت مترددة بالقبول به، وفي حال اعترضت فرنسا على الأمر، فإن تمريره سيكون صعباً للغاية".

اقرأ أيضاً: قلق أممي من محاولات "الإعادة المبطنة" للاجئين

المساهمون