التباينات تعيق جمع المعارضة الجزائرية: مشاورات بلا نتائج

التباينات تعيق جمع المعارضة الجزائرية: مشاورات بلا نتائج

28 ديسمبر 2018
عوائق عدة تمنع تكرار تجربة مؤتمر يونيو 2014(فرانس برس)
+ الخط -
أخفقت قوى وأحزاب المعارضة المتباينة في الجزائر في عقد اجتماع موسّع لقادتها، كانت مشاورات سياسية قد تمت بشأنه الأسبوع الماضي، واستبدلت ذلك بلقاءات ثنائية عُقدت بين أكثر من حزب. ويأتي ذلك إلى حين استكمال الاتصالات ووضوح السيناريوهات المستقبلية المحتملة التي ستطرحها السلطة بشأن استحقاقات 2019، ومعرفة ما إذا كانت الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها، وكذلك حسم مسألة ترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة من عدمه أو التمديد له وتعديل الدستور.

وتحفّظت أحزاب معارِضة على عقد الاجتماع المشترك الذي كانت قد دعت إليه حركة "مجتمع السلم"، رأس المعارضة السياسية، قبل أسبوع، وفضّلت التريّث إلى غاية بروز معطيات أكثر وضوحاً بعد اجتماع مجلس الوزراء (الذي عقد أوّل من أمس الخميس). كما تحفّظ رئيس الحكومة الأسبق، رئيس حزب "طلائع الحريات"، علي بن فليس، على المشاركة في الاجتماع، وأعلن عدم استعداده لمناقشة أي مقترحات غير دستورية لاستحقاقات 2019، فيما تجاوزت حركة "البناء" الموقف إلى عدم الخوض الاستباقي في أي خيارات قبل إعلان السلطة عن السيناريو المطروح. وبنفس الرؤية، فضّل حزب "العمال" اليساري التريّث في هذا الشأن، وفق ما أعلنت زعيمة الحزب لويزة حنون.

لكنّ هذه التحفّظات لم تحل دون عقد اجتماعات ثنائية. وفي هذا الإطار، كشف القيادي في حركة "مجتمع السلم"، نصر الدين حمدادوش، في حديث مع "العربي الجديد"، عن عقد لقاءات ثنائية غير معلنة، خلال الأيام الماضية، بين قيادات في المعارضة السياسية، لإجراء مشاورات بخصوص الأزمة السياسية والمخارج الممكنة، من دون أن يعلن عما تمّ التوصّل إليه خلال ذلك. لكن حمدادوش اعتبر أنّ العائق الأكبر لا يتعلق بقبول أو رفض عقد اجتماع مشترك في وقت لاحق بين قوى المعارضة، إنما يتعلّق بعامل آخر، وهو أنّ "هناك أزمة ثقة كبيرة في السلطة، التي لم تتخذ أي خطوة عملية رسمية وعلنية، كبادرة حسن نية، في أي اتجاه".

ولا ينفي مراقبون أنّ السلطة التي تبحث عن مخارج للمأزق السياسي الراهن، والذي وضعها فيه الوضع الصحي لبوتفليقة، تراقب تحركات المعارضة السياسية، وتسعى إلى الحدّ من مبادراتها لإبقاء التركيز السياسي قائماً على المخرجات والمقترحات التي تطرحها هي نفسها بشأن استحقاقات 2019. وفي السياق، رأى حمدادوش أنّ "هناك حالة من التشويش الكبير على الدور الذي تقوم به حركة مجتمع السلم التي طرحت مبادرة سياسية متكاملة لتجاوز المأزق الراهن باتجاه جمع قوى المعارضة"، لافتاً إلى أنّ حركته "تتهم بأنها تفاوضت مع السلطة من تحت الطاولة، وتريد جرّ المعارضة لحلول سلطوية، وهذا غير صحيح". وأشار إلى أنّ "الحركة تسعى إلى تنفيذ خيار المعارضة التي اجتمعت في مؤتمر مزفران بزرالدة (في إحدى ضواحي العاصمة الجزائرية) في يونيو/حزيران 2014، والمتعلّق بطرح حلّ توافقي بعد التفاوض عليه بين السلطة والمعارضة، وهي تسعى مع الجميع لأجل ذلك، مستغلةً علاقاتها المفتوحة مع كل الأفرقاء"، مؤكداً أنّ ذلك هو "لمصلحة البلاد ولفائدة الكل، وليس لمصلحة أجندات حزبية أو جهة ما داخل السلطة أو المعارضة".

لكن السلطة ليست وحدها العامل الذي يعيق اجتماع قوى المعارضة، فثمّة خلافات حادة أيضاً ظهرت في الفترة الأخيرة بين قوى في المعارضة وصلت إلى حدّ التراشق السياسي، خصوصاً بين فعاليات تكتل "مواطنة" الذي يضم إضافة إلى رئيس الحكومة الأسبق، أحمد بن بيتور، مجموعة من الأحزاب الفتية، وحركة "مجتمع السلم". واتهم رئيس حزب "جيل جديد"، جيلالي سفيان، الحركة بـ"بيع الذمة السياسية وقبض مكاسب في مقابل إنقاذ النظام"، على خلفية مواقف الأخيرة ودعوتها إلى عقد ندوة وفاق وطني وإرجاء الانتخابات الرئاسية المقبلة والتمديد لبوتفليقة بشروط سياسية. وهي المقترحات التي وصفتها أيضاً المتحدثة باسم تكتل "مواطنة"، رئيسة حزب "الاتحاد من أجل الرقي"، زبيدة عسول، بأنّها "خرق للدستور". وقالت عسول في بيان قبل أيام "الدعوات والأصوات الرامية إلى تأجيل الانتخابات بحثاً عن الإجماع الوطني خرق الدستور واعتداء على الشرعية القانونية، وهي خدعة تستعملها السلطة والأحزاب المؤيدة لها بهدف البقاء في الحكم والحفاظ على المصالح الخاصة والامتيازات".

إلى ذلك، اعتبر محللون متابعون لتطورات الشأن السياسي في الجزائر، أنه من الصعوبة بمكان أن تعاود قوى المعارضة الجزائرية الاجتماع مجدداً، بسبب تباين المواقف فيما بينها والحرب الكلامية التي ظهرت في الفترة الأخيرة بين الأحزاب المعارِضة، فضلاً عن تعدّد الخيارات لدى الأطرف المعارضة. وفي هذا الشأن، قال المحلّل السياسي مروان لوناس، إنّ المعارضة "تعاني من شرخ عميق فيما بينها، بخلاف ما كانت عليه الحال عام 2014، عندما كانت المواقف متقاربة، ونجحت المعارضة حينها في التكتل ضدّ الولاية الرابعة لبوتفليقة"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "المواقف المبدئية لأبرز قوى المعارضة متباعدة حالياً، فبينما تتفاعل مثلاً حركة مجتمع السلم مع مقترحات السلطة، يشكّك حزب طلائع الحريات وجبهة القوى الاشتراكية بنواياها". ولفت لوناس أيضاً إلى أنّ هناك "عدم انسجام وتباينا في المواقف سببه غموض وضبابية المشهد السياسي، وعدم كشف النظام القائم عن نواياه من ترشّح بوتفليقة، بل ومن إجراء الانتخابات في موعدها المقرّر، وهذا وضع لا يمنح المعارضة هامشاً زمنياً للتكتل كما في السابق".

ويأتي كل ذلك فيما لم يبق سوى أسبوعين على الموعد الدستوري لاستدعاء الهيئة الناخبة أو اتخاذ قرار التأجيل، في وقت لم تحضّر المعارضة، ثنائياً أو بشكل جماعي، السيناريوهات الممكنة، مما يعني أنه لن تكون لها القدرة الاستباقية على إعطاب سيناريوهات السلطة. فجلباب المعارضة مازال عالقاً في أسلاك شائكة سيّجت بها السلطة المشهد السياسي، وأعطبت كل مبادرة سياسية تطرحها أو تحاول قوى المعارضة طرحها، مع إبقاء الانتباه مركزاً عليها (السلطة) وعلى ما ستقرره. أكثر من ذلك، فقد زاد اختلاف المعارضة على حجم المسافة المطلوبة في العلاقات مع السلطة من عدد الحواجز الفارقة بين أحزابها، وبالتالي منع تكرار تجربة يونيو 2014 وعقد اجتماع موسّع للمعارضة.