احتجاجات الأردن تُواجَه بالقوة: الرزاز يكرر أخطاء الملقي

احتجاجات الأردن تُواجَه بالقوة: الرزاز يكرر أخطاء الملقي

17 ديسمبر 2018
استخدمت قوات الأمن القوة لفض الاحتجاجات (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

للمرة الأولى في عهد حكومة عمر الرزاز، أقدمت الأجهزة الأمنية الأردنية على استخدام القوة لفضّ الوقفة الاحتجاجية التي شارك فيها آلاف الأردنيين، يوم الخميس الماضي، في العاصمة عمّان، ضد القرارات الاقتصادية للحكومة، والنهج السياسي للدولة، لتصبح الحكومة الحالية التي جاءت بلباس الدولة المدنية وحاملة آمال المواطنين الذين أطاحوا بحكومة هاني الملقي قبل نصف عام، مهددة هي الأخرى بالسقوط، بعدما بدا أنها فقدت ثقة الأردنيين، في ظل ارتفاع أصوات، خلال احتجاجات الخميس، طالبت برحيل البرلمان وحكومة الرزاز.
وأظهرت الاحتجاجات حالة استياء عامة بين المواطنين الذين فقدوا الثقة في الكثير من مؤسسات الدولة، فالصعوبات الاقتصادية تحاصر الأغلبية، والمواطنون على هامش الحياة السياسية في الدولة، بعدما أفرز قانون الانتخاب مجلس نواب مشوهاً، بينما يبدو المواطن آخر همّ الحكومات المعينة.

وخلال حراك الخميس، طالب المحتجون بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، وإسقاط منظومة القوانين التي تقيّد الحريات العامة، وإلغاء رفع ضريبة المبيعات على السلع الأساسية التي خضعت للرفع بداية عام 2018، وإعفاء الدواء من هذه الضريبة، وخفض نسبتها على باقي السلع من 16 في المائة إلى 8 في المائة، والعودة عن قانون ضريبة الدخل الذي تمّ تمريره أخيراً، وإلغاء بند فرق أسعار الوقود على فواتير الكهرباء، وخفض الضرائب والرسوم على المحروقات لتتناسب مع السعر العالمي. كما طالب بعض المحتجين برحيل البرلمان وحكومة عمر الرزاز، ووضع قانون انتخاب جديد يتناسب مع متطلبات الإصلاح، وتشكيل حكومة إنقاذ وطنية، والعمل على الوصول إلى ملكية دستورية. فيما أوقفت الأجهزة الأمنية 18 شخصاً ممن شاركوا في الفعاليات الاحتجاجية، ووجّهت لهم تهمة التجمهر غير المشروع.

وتعليقاً على ما حصل، قالت الناشطة الحقوقية الأردنية هالة عاهد، لـ"العربي الجديد"، إن فض الاعتصام بهذه الطريقة غير جديد، ففي يونيو/حزيران الماضي وخلال الاحتجاجات ضد حكومة هاني الملقي حدث أمر مشابه، فيما تعرّض المحتجون في عام 2011 إلى تعامل أشد قسوة من قبل الأجهزة الأمنية. لكنها لفتت إلى أن الاستنكار جاء شديداً هذه المرة، كون هذه الحكومة أتت بعد احتجاجات شعبية أطاحت بحكومة الملقي، وعندما تولت الحكومة الحالية مسؤوليتها أكدت حق الناس في التعبير والاحتجاج، ولم يكن يُنتظر منها مواجهة المحتجين بقنابل الغاز والقوة المفرطة. وتوقعت عاهد ألا يؤثر استخدام القوة سلباً على فعاليات الحراك، "فالذين شاركوا في احتجاجات سابقة على معرفة بكيفية تعاطي الأجهزة الأمنية مع مثل هذه الفعاليات، وربما نرى زخماً أكبر في الفعاليات المقبلة، خصوصاً أن هذه الحكومة فقدت القيمة الايجابية التي تتحدث عنها، وهي احترام المواطنين".

وأشارت الناشطة الحقوقية إلى أن تسييج الحكومة للدوار الرابع المحاذي لمقرها في عمّان، ومنع المواطنين من الوصول إلى الدوار، واعتصامهم في مكان بعيد نسبياً، وهي الساحة القريبة من مستشفى الأردن، "ولّد شعوراً لدى البعض بأن ذلك تضييق على حريتهم في التعبير"، معتبرة أنه كان يمكن إعطاء المواطنين جانباً من الطريق للتعبير، من دون الإضرار بحركة السير وإغلاق الحركة في الشارع العام.
ولفتت عاهد إلى أن الأمن استخدم الغاز للمرة الأولى عندما حاول المحتجون النزول إلى الشارع للتوجّه إلى الدوار الرابع، وبعد ذلك استخدم القوة لإعادتهم إلى الساحة، ثم استخدم الغاز عند عودة الهتافات عالية السقوف، قائلة إن من يحكم أن الهتاف تجاوز القانون هم القضاة في المحاكم لا القوى الأمنية. وأشارت إلى أن الحديث عن اعتداء محتجين على رجال الأمن وإصابتهم غير دقيق، كما أن الحديث عن التحرش يهدف إلى الإساءة للمحتجين، مؤكدة أن خروج الناس إلى الشوارع الفرعية كان بسبب تضييق الأمن على المحتجين واستخدام القوة.


وكانت الاعتصامات في العاصمة الأردنية عمّان، وبالتحديد قرب الدوار الرابع، قد تجددت منذ أسبوعين، على خلفية إقرار الحكومة الحالية قانون ضريبة الدخل، وهو القانون الذي أطاح بحكومة هاني الملقي قبل نصف عام.
وحول ما ينتظر الأردن بعد فض اعتصام الخميس بالقوة، قال القيادي الإسلامي البارز، زكي بني أرشيد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "أبرز ما يمكن قراءته من سلوك الدولة العميقة في الأردن تجاه حركة الاحتجاج في الدوار الرابع، هو أنه لا إرادة عند أصحاب القرار بالإصلاح، وبعد أن فشلوا في عزل الحراك عن حاضنته الشعبية وفشلت سياسة الاحتواء أو مسرحية الحوار الشكلي، لجأوا إلى المقاربة الأمنية وفض الاعتصام بالعنف". وسأل "هل هذا يعني نهاية المطاف؟"، مجيباً "بالطبع لا، ما دام أن معادلة الفصل بين السلطات ليست قائمة، وأن الذهنية الأمنية هي التي تحكم وترسم، فمعنى ذلك استمرار الأزمة وتمرير المرحلة بالقمع والاعتقالات ومحاولة تكميم الأفواه".

واعتبر بني أرشيد أن "ما لم يدركه أصحاب القرار أن منسوب الوعي قد ارتفع عند المواطنين، وأن الاحتقان التراكمي الناتج عن حالة الانسداد السياسي والاستعصاء السلطوي تتسع وتتزايد، كما أن الفضاء الإلكتروني لا يمكن محاصرته، وبالتالي فإن الإصلاح السياسي استحقاق لا يمكن تجاهله، ولا الاستمرار في المماطلة بتحقيقه"، متسائلاً: "هل يدرك أصحاب القرار هذه الحقيقة؟ لا أعتقد ذلك إلا بعد فوات الأوان"، مؤكداً أن الإصلاح آتٍ وستفرضه إرادة الشعب بالتفاهم مع النظام أو رغماً عنه.

من جهته، رأى الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، المحلل السياسي الأردني خالد شنيكات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مسار الأحداث يحدده استمرار الاعتصامات، مشيراً إلى أنه في حال استمرار وارتفاع وتيرة الاحتجاجات فالنظام السياسي الذي لم يلجأ إلى العنف في الماضي، كما في دول أخرى، قد يعلن إقالة الحكومة، أو إجراء انتخابات برلمانية، وحتى الإعلان عن حزمة من القوانين المرتبطة بالإصلاح السياسي.

وحول سقف الهتافات التي نادى بها المشاركون، قال شنيكات إنه "خلال عام 2011 كانت الهتافات أعلى سقفاً، وما يحدد مسار الاحتجاجات ويمنع تحول الاحتجاجات السلمية إلى احتجاجات عنيفة، هو قدرة رجال الأمن على التصرف بحكمة ومهنية، ففي كل الاعتصامات السابقة وبشكل عام نستطيع القول عدم حصول تجاوزات من رجال الأمن".
ورد شنيكات الاحتجاجات في الأردن إلى سببين، "أولهما اقتصادي، والمحتجون لهذا السبب يشكّلون العدد الأكبر من المعتصمين، أما السبب الثاني فهو سياسي، ويعتبر هؤلاء أن المشكلة سياسية، والصعوبات الاقتصادية نتاج لذلك، وفي حال وُجد الحل السياسي فالانفراج الاقتصادي سيكون مجرد تحصيل حاصل".

ولفت المحلل السياسي إلى أن "السياسات الاقتصادية، ومنها فرض الضرائب، مسّت مختلف القطاعات، لكن أثرها انعكس بشكل كبير على متوسطي الدخل والطبقة الكادحة، فيما الحكومة الحالية والحكومات السابقة لا تقدّم أي حلول في ظل هذه السياسات الاقتصادية". كما أشار إلى أنه إضافة إلى المشاكل الداخلية، "هناك قوى خارجية تؤثر على الداخل الأردني، فجزء من مشاكل البلاد نتاج لحالة عدم الاستقرار في الإقليم، وزيادة عدد السكان بسبب اللجوء". واعتبر أن "الحكومة تحتاج إلى قروض، ومن هذه المصادر البنك الدولي، الذي يمنح الأردن قروضاً بفائدة أقل، وللحصول على هذه القروض تحتاج الحكومة إلى شهادة حسن سلوك مرتبطة بتطبيق توصيات البنك الدولي"، مضيفاً أن "ارتفاع الدين العام للبلاد إلى ما يساوي 96 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مؤشر خطير اقتصادياً، والحكومة لا تملك الحلول لمواجهة الأزمة الخانقة".

دلالات