صفقة المساعدات الأميركية لإسرائيل تعكس "احتلال" تل أبيب لواشنطن

صفقة المساعدات الأميركية لإسرائيل تعكس "احتلال" تل أبيب لواشنطن

16 سبتمبر 2016
أوباما أسرف في مراعاة نتنياهو رغم نفوره منه(ساؤول لويب/Getty)
+ الخط -
مرة قال الكاتب المحافظ، من تيار "أميركا أولاً" المعروف، والمرشح الرئاسي السابق، باتريك بيوكانن، خلال برنامج إخباري عام 1990، إن "الكونغرس هو أرض محتلة من قِبل إسرائيل". الواقع أن الإدارات الأميركية هي أيضاً كذلك، إلى حد بعيد، ومنها إدارة الرئيس الحالي، باراك أوباما، ولو إلى حدّ ما، على الرغم من نزاعه مع نتنياهو.


ولعلّ صفقة المساعدات العسكرية الأخيرة لإسرائيل، لمدة عشر سنوات، والتي جرى الاحتفال بتوقيعها يوم الأربعاء الماضي في واشنطن، شاهدة على ذلك.


المساعدات السنوية لإسرائيل عملية روتينية ومدعومة بقوة، بل بحماس، من كونغرس واقع تحت تأثير اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، كما أنها نتاج لانحياز صارخ ضد العرب منذ زمن.

انحياز تشترك فيه سائر الدوائر الأميركية النافذة، بفعل عوامل كثيرة تاريخية وثقافية وتحريضية وغيرها.


في حقبة الرئيس الأسبق، رونالد ريغان، تحولت المساعدات إلى منحة مجانية كاملة لإسرائيل. وعلى مر الزمن تمأسست بحيث صارت تتحدد باتفاقات.

مع الرئيس بوش الابن، مثلاً، في 2007، تبلور ذلك بصيغة التزام أميركي لمدة عشر سنوات. بلغ مجموع ما حصلت عليه إسرائيل، منذ البداية، أكثر من 84 مليار دولار، تصل مع الفوائد إلى نحو 134 مليار دولار. هذا عدا عن المساعدات الإضافية "الطارئة"، وعن تلك التي يقدمها المتبرعون اليهود، والمعفية من الضرائب، والتي تبلغ نحو مليار ونصف المليار دولار سنوياً.


ولكون التزام السنوات العشر الأخيرة ينتهي في 2018، أراد الرئيس أوباما تجديدها قبل نهاية ولايته؛ لتقليص حجمها الذي طلبه نتنياهو من جهة، ومن جهة أخرى لتقييدها بشروط معينة خلافاً لما كانت عليه الحال. إسرائيل طلبت زيادتها من 3 مليارات إلى 4,5 مليارات في السنة، وتذرعت بالنووي الإيراني لتبرير الزيادة التي بدت أقرب إلى ضريبة فرضتها على اتفاق النووي.

لكنّ الإدارة الأميركية مانعت، وبعد أكثر من تسعة أشهر من المفاوضات بين الجانبين، جرى التوصّل إلى حلّ وسط: 3,8 مليارات دولار سنوياً لفترة عشر سنوات. أصر البيت الأبيض على خفض الرقم، كما ربط المساعدات بشرطين جديدين: الأول، إلزام إسرائيل بإنفاق قيمة المساعدة العسكرية بكاملها على شراء أسلحة أميركية، ومنع تخصيص أي مبلغ منها لشراء معدات من المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي، كما كان الأمر في السابق؛ والثاني، منع إسرائيل من طلب المزيد من المساعدات إلا في حالة الحرب والأزمات الطارئة.


لكن خصوم الإدارة عملوا من هذين الشرطين قضية توازي تهمة قريبة من الخيانة بحق صديق وحليف، فالسيناتور الجمهوري، لاندسي غراهام، على سبيل المثال، ذهب إلى حدّ معاتبة نتنياهو لقبوله بالمبلغ والشروط،، واعداً بالعمل على زيادة المساعدات "لو شاء نتنياهو"، وأثناء المكالمة الهاتفية مع هذا الأخير، صبّ السناتور جام غضبه على الإدارة التي شتمها بعبارات بذيئة.

تلك حالة تعكس أجواء الكونغرس، عموماً، وتتجاوز مستلزمات التحالف. معادلة تبدو فيها إسرائيل وكأنها هي صاحبة البيت الأميركي، أو القوة المحتلة فيه. الكونغرس "يزايد" على الإدارة في منحها الدعم، وحتى بأكثر مما تطلبه هي أحياناً. هوس تحالفي، يستبطن ليس فقط تأمين التفوق الإسرائيلي على كافة المنطقة، بل أيضاً عمق النظرة الدونية لهذه الأخيرة وللفلسطينيين بشكل خاص.


لكن إذا كانت هذه حال الكونغرس، فما الذي يفسّر "الكرم الحاتمي" الذي أبداه أوباما مع إسرائيل؟ زاد أو وافق على مساعداتها من 2,7 مليار في 2010، إلى 3,07 مليارات في 2012، عدا العطاءات المالية. 500 مليون سنوياً للقبة الحديدية والتعاون الاستخباراتي ومدّ تل أبيب بآخر التكنولوجيات الحربية، والآن صارت المساعدات 3,8 مليارات ولعشر سنوات لاحقة. كلّ ذلك لطمأنة إسرائيل وحملها على "المخاطرة"، كما يقولون، واتخاذ القرارات "الصعبة".


لكن هذه النّظرية، مرّة تلو أخرى، تثبت كم هي واهمة. إذ بقدر ما أخذت إسرائيل من المساعدات والتطمينات، أخذت ونهبت من الأرض الفلسطينية ومن دون أية محاسبة. لم نسمع من واشنطن سوى عبارات "الأسف" على تمدّدها الاستيطاني. هذا فضلاً عن الممارسة الاستفزازية لنتنياهو تجاه الرئيس أوباما، فقد تحدى هذا الأخيرَ في عقر داره عندما جاء إلى واشنطن لتحريض الكونغرس ضد الرئيس، ونسف مشروعه التفاوضي لحل الدولتين، وخلال إحدى زياراته لوشنطن، لم يتردد في "تلقين الدروس" لأوباما وبدرجة من الصفاقة التي أثارت ردود فعل غاضبة لدى دوائر أميركية كثيرة. وبعضها يهودي.


مع كل ذلك، اكتفى الرئيس بالتراجع. ربما كان ذلك في جزء منه لتمرير النووي الإيراني. صحيح أنه ليس بإمكان أوباما التصدي مرة واحد لقوة الدعم العاتية التي تنعم بها إسرائيل في واشنطن؛ فالتحالف بين الاثنين عميق تقف وراءه قوى متنفّذة ومصالح مشتركة. وصحيح أنه ليس بوسعه، حتى لو أراد، تفكيك أو خلخلة العلاقات مع إسرائيل؛ لكن بإمكانه على الأقل تدفيع إسرائيل بعض الثمن، وهذا ليس خارج حدود قدراته.


إذن، إذا كان هناك في واشنطن، من أمثال بيوكانن، من يتذمر من "تطاول" إسرائيل، وإذا كان في مجلس الشيوخ سناتور مثل بارني ساندرز، وهو يهودي، يرفض الموافقة على زيادة الدعم العسكري لإسرائيل لأن "لديها ما يكفي"؛ ومثل السناتور راند بول الذي أعلن أن أميركا "ليست مضطرة للاستدانة كي تساعد بلداً غنياً"، فلماذا لا يكون بوسع الرئيس أن يعمل على لجم هذا الانفلات الإسرئيلي؟ على الأقل من خلال طرح مشروع الدولتين في مجلس الأمن وتصويت أميركا معه.


لقد تردد في الأيام الأخيرة أن الرئيس قد يلجأ إلى هذا الخيار، بعد الانتخابات، لكنه تأخر، حتى لو فعل، وأسرف كثيراً في مراعاة إسرائيل، على الرغم من استيائه ونفوره الشديدين من نتنياهو. 

المساهمون