قوى سياسية عراقية تغازل المتظاهرين وسط استمرار القمع

قوى سياسية عراقية تغازل المتظاهرين وسط استمرار القمع

05 مارس 2020
يواصل المحتجون تظاهراتهم الأطول بتاريخ العراق الحديث(أسعد نيازي/فرانس برس)
+ الخط -
مع استمرار عمليات قمع المحتجين العراقيين الذين يواصلون تظاهراتهم الأطول في تاريخ العراق الحديث، والتي تدشن شهرها السادس على التوالي، تجد قوى سياسية عراقية نفسها مرغمة على مغازلة ساحات التظاهر، ولا تتأخر أيضاً عن المطالبة بإشراكها بالحكومة المقبلة، وحتى أخذ موقف منهم إزاء أي مرشح جديد للمنصب خلفاً لمحمد توفيق علاوي، الذي أخفق في الحصول على ثقة البرلمان وتشكيل حكومته.
ويقول مراقبون عراقيون إن ظاهرة تأييد التظاهرات، أو الدعوة لإشراك ساحات الاعتصام بالقرار السياسي، أو تلبية طلباتها في الأيام الأخيرة، تأتي مع عودة مفاوضات القوى السياسية العراقية مجدداً لبحث الخروج من الأزمة السياسية، وقد بات مؤكداً لغاية الآن أن الانتخابات المبكرة أمر واقع لا محال منه.
ولم يقتصر التغيير في لهجة قوى السلطة الحاكمة في العراق على الأحزاب أو الكتل السياسية، بل تعداها إلى بعض الفصائل المسلحة القريبة من إيران، مثل مليشيا "العصائب" بزعامة قيس الخزعلي، الذي أقرّ في حديث لمحطة تلفزيون محلية بأن "مجمل الشعب العراقي تفاعل مع التظاهرات".
وأمس الأربعاء، طرح رئيس الوزراء السابق، وزعيم كتلة "النصر" في البرلمان العراقي حيدر العبادي، مبادرة للخروج من أزمة تشكيل الحكومة، طالب فيها بتكليف شخصية مستقلة لرئاسة الوزراء، وتشكيل لجان خاصة ثلاثية الأطراف من المتظاهرين العراقيين والحكومة وبعثة الأمم المتحدة للإشراف على إجراء الانتخابات، ولجان التحقيق الخاصة بقتل المتظاهرين، وإعادة بسط الأمن بالمحافظات العراقية.
بدورها، دعت قوى التحالف الكردستاني إلى حوار وطني بمشاركة ممثلي ساحات التظاهر للخروج من أزمة تشكيل الحكومة. وقال النائب الثاني لرئيس البرلمان عن المكون الكردي بشير الحداد، في بيان صحافي، إنه "في حال تفاقم أزمة تشكيل الحكومة، يجب أن يكون هناك حوار شامل بين جميع القوى والكتل السياسية، على أن تكون فيه مشاركة فاعلة لممثلي ساحات التظاهر لأجل الخروج من الأزمة، بما يحقق الشراكة الوطنية".
أمّا تحالف "سائرون"، المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والذي دخل أتباعه من عناصر التيار الصدري ضمن ما يُعرف بفريق "القبعات الزرقاء" بمواجهات دامية مع المتظاهرين في الأسابيع الماضية، وما زال لغاية الآن يسيطر على أحد أبرز مباني اعتصام المتظاهرين "المطعم التركي"، فقد عاد مجدداً لاستخدام ورقة المتظاهرين في أزمة تشكيل الحكومة، وإن كان المتظاهرون أنفسهم يتهمونه بمحاولة فرض الوصاية على التظاهرات ومصادرة قرارات المتظاهرين.
وقال النائب عن التحالف ستار العتابي، إن "المتظاهرين ستكون لهم الكلمة في حال تأخر الاتفاق على اختيار شخص للتكليف بتشكيل الحكومة الجديدة". وأكد في تصريح صحافي، أن "المتظاهرين سيكون بيدهم الحل إذا لم يتم التوصل لحلول سياسية، وأنهم سيضغطون على الأحزاب الحاكمة للخروج من دوامة التحاصص والحزبية".
من جهته، دعا رئيس ائتلاف "الوطنية" إياد علاوي، في تغريدة عبر "تويتر"، الى "الكشف عن قتلة المتظاهرين وتشكيل محكمةٍ خاصةٍ وعلنيةٍ لمحاكمتهم"، مشدداً على أنه على "رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب تحمل مسؤولياتهما في حماية المتظاهرين السلميين، مع تواصل الاعتداءات التي تطاولهم قتلاً واختطافاً، وجعل ذلك على سلم أولوياتهم".


ويؤكد ناشطون في ساحات التظاهر، أن تلك التحركات لا تعدو كونها محاولات من تلك التي تهدف لترميم ثقة الشارع بها. ويعتبر الناشط أحمد جسّام، من ساحة الحبوبي في الناصرية جنوبي العراق، ظاهرة مجاملة التظاهرات محاولة للتنصل من حفلة الفشل المستمرة منذ 16 عاماً، وخوفاً على قواعدهم الشعبية التي لم يتبقَ منها شيء في الواقع، إذ إن الانتخابات المقبلة ستكشف الكثير لهم". ويضيف جسام لـ"العربي الجديد"، أن تلك الجهات أدركت متأخرة، أن الشارع العراقي له تأثير كبير، ولا يمكن إغفاله".
وأشار الى أن "تلك التوجهات لا تنطلي على ساحات التظاهر"، مشدداً على أنه "لن نقبل ولن ندعم أي جهة وأي شخصية غير مستقلة، ولن نتراجع عن شروطنا التي وضعناها لاختيار رئيس الوزراء".

في المقابل، اعتبر عضو "الحزب الشيوعي العراقي" علي الصفار ما وصفه بمغازلة التظاهرات، خبثاً سياسياً. وقال، متحدثاً عبر الهاتف لـ"العربي الجديد"، إنه من السخرية استمرار صيد المتظاهرين ببنادق الطيور، واستمرار عمليات الخطف والاعتقال والتنكيل من قبل السلطة، ثم تأتي نفس أركان تلك السلطة لتتحدث عن أهمية مشاركة المتظاهرين القرار".
وتابع: "قد يكون المؤشر أنهم أدركوا حقيقة إرادة الشارع، وعدم نجاح ممارسات القمع والتنكيل والترهيب على مدى الأشهر الماضية، ونخشى أنهم الآن بطور أسلوب جديد".
وسُجّلت أمس الأربعاء، إصابة عشرات المتظاهرين العراقيين في العاصمة بغداد، بسبب استخدام قوات الأمن بنادق الصيد ضدهم، إذ استقرت كرات حديدية في رؤوس وصدور بعضهم، بحسب مسؤول طبي عراقي، قال لـ"العربي الجديد"، إن 19 متظاهراً أصيبوا ببنادق الصيد خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، أحدهم حالته خطرة، كما أصيب آخرون جراء الاختناق بقنابل الغاز التي أُطلقت بالقرب من ساحة الخلاني وسط العاصمة، وهي مركز المواجهات الحالية بين المتظاهرين وقوات الأمن العراقية.