رسائل موسم الحج التحذيرية: إيران والحوثيون المعني الأول

رسائل موسم الحج التحذيرية: إيران والحوثيون المعني الأول

23 اغسطس 2015
تخوف من تحويل موسم الحج إلى تظاهرة سياسية(فرانس برس)
+ الخط -
حذر ولي العهد السعودي، وزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف، الذي يترأس أيضاً لجنة الحج العليا، يوم الخميس الماضي، من القيام بأي تصرف يهدد أمن الحجاج وسلامتهم. وفي تصريح نشرته وكالة الأنباء السعودية "واس"، أكد ولي العهد السعودي "أنّ المملكة لم ولن تقبل أي تصرف أو عمل يخرج الحج عن مساره الصحيح وفق ما أوجبه الله وسوف يتم التعامل بأقصى درجات الحزم مع أي تصرف يخالف الأنظمة والتعليمات المرعية حين أداء شعائر هذا الركن العظيم".

التحذيرات السعودية من تسييس شعائر الحج ليست بالجديدة، إذ تتكرر بشكل سنوي قبيل موسم الحج منذ عقود. ويتخوف السعوديون من تحويل موسم الحج إلى تظاهرة سياسية في اللحظة الحرجة التي تستقبل فيها المملكة قرابة الثلاثة ملايين حاج من مختلف أقطار العالم خلال أيام معدودة، في مساحة مكانية ضيقة لأداء شعائر خامس أركان الإسلام. وتخشى السعودية من أن يؤدي أي خروج عن المسار التنظيمي للحج إلى كارثة لا يمكن التنبؤ بتداعياتها.

اقرأ أيضاً: "المسار الإلكتروني" للحج يخفض التكاليف 40%.. وعقوبات مشددة للمخالفين 

وغالباً ما كان التباين السياسي السعودي – الإيراني يجد صداه في موسم الحج، باعتباره نقطة التقاء مباشرة بين الحجاج الإيرانيين والسلطات السعودية، حيث تتكرر بصورة مستمرة تصريحات المسؤولين الإيرانيين الناقدة للسعودية خلال موسم الحج بسبب مواقفها السياسية والدينية. لكن هذا العام دخل طرف إضافي يتمثل في الحوثيين وتهديدات المحسوبين عليهم في ظل استمرار الحرب في اليمن، والتي تشكل السعودية طرفاً أساسياً فيها عبر قيادتها للتحالف العربي الذي بدأ عملياته العسكرية ضد الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح أواخر شهر مارس/آذار الماضي.

وقد جاء التهديد الأبرز على لسان محمد المقالح، المحسوب على جماعة الحوثيين على الرغم من تسريبه قبل أسابيع خبر تعليق عضويته في اللجنة الثورية التابعة لها. وكتب المقالح في السابع من شهر آغسطس/آب الماضي، عبر صفحته على موقع "فايسبوك"، أنه "في موسم الحج سيكون هناك أمور لم يشهد لها التاريخ مثيلاً... دقوا يا رجال الله قبل الموسم ليتتوج نصركم يوم الوقوف على جبل عرفة".
أما التصريحات الإيرانية فلطالما كانت تركز على انتقاد تنظيم السعودية لمواسم الحج والعمرة، حد المطالبة بتدويل الحرمين في مكة والمدينة. فعلى سبيل المثال، وخلال خطبة عيد الأضحى في العام الماضي، انتقد أحد رجال الدين الإيرانيين البارزين، محمد علي موحدي كرماني، بشدة سلطة السعودية على الحرمين الشريفين وتحكمها بموسم الحج. واعتبر كرماني أن الحج وبيت الله الحرام "أسيران بيد الوهابيين" وأن السعودية لا تسمح للمسلمين بتأدية مناسك الحج كما ينبغي.

وتتكرر بشكل سنوي الدعوات من الجانب الإيراني لتظاهرة "البراءة من المشركين" والتي تعتبرها السلطات السعودية تظاهرة سياسية تسيء لروحانية شعائر الحج وتؤدي إلى شغب ينعكس على سلامة الحجاج.
وكان المفتي العام للمملكة، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، قد اعتبر قبل سنوات أن تظاهرة "البراءة من المشركين" بدعة لا أصل لها في الإسلام. وهو ما أثار موجة جدل كبيرة آنذاك بين رجال الدين الإيرانيين، إذ هاجم خطيب جامع طهران، عضو مجلس الخبراء الإيراني أحمد خاتمي، مفتي المملكة، معتبراً أن أصل "البراءة في المشركين" موجود في القرآن. وكان خاتمي قد وصف الدعوات الرافضة لتسييس موسم الحج بأنها دعوات علمانية تدعو إلى فصل الدين عن السياسة. وفي حوار سابق لخاتمي مع موقع "دار الولاية للثقافة والإعلام" أكد على أهمية تظاهرة "البراءة من المشركين".

وقد عانت السعودية أمنياً في الثمانينيات من أعمال شغب وتظاهرات سياسية نفذها حجاج إيرانيون. ففي سنة 1987 رفع متظاهرون إيرانيون صور المرشد الإيراني في ذلك الحين، روح الله الخميني، فضلاً عن شعارات الثورة الإيرانية، وأخرى منددة بأميركا وإسرائيل. وقاموا أيضاً بقطع الطرق وعرقلة السير، وحاول المتظاهرون اقتحام المسجد الحرام ما أدى إلى صدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن السعودي، أدت إلى مقتل وإصابة المئات من الحجاج ورجال الأمن.
وكانت هيئة كبار العلماء في السعودية قد استنكرت أحداث 1987 لما فيها "من إيذاء المسلمين من الحجاج وغيرهم في هذا البلد الحرام في الشهر الحرام ولكونها وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه"، مؤكدة على ضرورة توحد المسلمين وحفظ أمنهم أثناء أداء المناسك المقدسة.

وقد كانت "حادثة نفق المعيصم" هي الأشد خطورة من بين ما تتهم إيران بإثارته خلال موسم الحج. إذ اتهم حجاج كويتيون، اعتبروا منتمين لما يعرف بـ"حزب الله الحجاز"، وبالتنسيق مع جهات إيرانية، باستخدام غازات سامة لقتل آلاف الحجاج في نفق المعيصم سنة 1989. وقامت السعودية بإعدام المتهمين بالحادثة بعد أيام معدودة.
وقبيل انطلاق موسم الحج لهذا العام، توترت العلاقات السعودية – الإيرانية في أعقاب الأنباء عن التحرش بشابين إيرانيين في مطار جدة الدولي، كانا في زيارة إلى المملكة لأداء مناسك العمرة. وهو ما أدى إلى تعليق إيران لزيارات العمرة، وإعادة السعودية لطائرة إيرانية قيل بأنها لم تمتلك تصريحاً. لكن الأمور بدأت تتغير إيجابياً بعد إعلان السعودية لمحاكمة المتحرشين بالإيرانيين، إذ ما تزال القضية منظورة في المحاكم السعودية.
وكان قاضي عسكر، ممثل المرشد الإيراني لشؤون الحج والزيارة، قد صرح لوكالة "ارنا" الإيرانية قبل يومين بأهمية عزل الحج عن العلاقات السياسية السعودية – الإيرانية، مشيراً إلى "ضرورة تيقظ الحجاج إزاء مؤامرات الأعداء" الهادفة إلى بثّ الفرقة بينهم. وأشار عسكر إلى إصدار 25 ألف تأشيرة للحجاج الإيرانيين حتى الآن، من دون وجود أي إشكاليات مع السلطات السعودية.

اقرأ أيضاً: اليمنيون خائفون من توريط "الحج" في السياسة