هل انتهى "نداء تونس" بوفاة السبسي؟

هل انتهى "نداء تونس" بوفاة السبسي؟

25 سبتمبر 2019
وفاة السبسي شكّلت نكسة كبيرة للحزب (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
ماذا بقي من "نداء تونس"، الحزب الأغلبي الذي أنهى حكم الترويكا في 2014 وحصل على رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان وقاد الحكم على مدى خمس سنوات؟ سؤال يطرحه التونسيون باستغراب عن المآل الذي وصل إليه هذا الحزب في ظرف زمني قصير لم يتعدَ الولاية الواحدة، وانتهى تقريباً كما بدأ وكأنه لم يكن سوى فرقعة انتهت بنهاية فاعليتها.

ومع أن هذا التهاوي كان منتظراً بحكم ما شهده الحزب من حروب تموقع أدت إلى تفككه تدريجياً، إلا أن ما كشفته نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية كان قاسياً بالنسبة لمسار أي حزب، فقد حصل مرشحو "النداء" الذين انفصلوا عنه أخيراً على نتيجة مجتمعة لم تتعدَ الواحد في المائة، فحصلت سلمى اللومي (مديرة ديوان الباجي قائد السبسي وأمينة مال الحزب السابقة) على 0,2 في المائة من الأصوات، وناجي جلّول (أحد قيادات الحزب البارزة ووزير التعليم السابق) على 0,2 في المائة كذلك، وسعيد العايدي (وزير الصحة السابق) على 0,3 في المائة، وإذا أضيف لهم محسن مرزوق (المنشق منذ سنوات قبل أن يؤسس حزبه مشروع تونس) الذي لم يحصل إلا على 0,2 في المائة، فلن تتجاوز نتيجة هؤلاء جميعاً الواحد في المائة.

ولكن الأكثر غرابة هو أن "نداء تونس" لم يرشح أحداً للرئاسيات واكتفى بإعلان دعمه لوزير الدفاع المستقيل عبد الكريم الزبيدي في اللحظات الأخيرة، وهو ما يبدو لافتاً في مسيرة أي حزب سياسي كان يشغل زعيمه منصب الرئيس، ولكن المتابعين يتساءلون هل كان الوضع ليكون على هذا النحو لو بقي السبسي على قيد الحياة، وهل يعني أن الحزب، أي حزب، يموت بموت مؤسسه ورئيسه؟
وحتى لو بقي الحزب مجتمعاً ولم يتفرق، ونجح في إعادة رئيس حكومته يوسف الشاهد الذي حصل على 7,3 في المائة من الأصوات إلى صفوفه، فستصبح النسبة النهائية 8,2 في المائة من مجموع الأصوات أو 243522 صوتاً، وهو ما يعني أن الناخبين عاقبوا هذا الحزب عقاباً شديداً.

ويستعد "نداء تونس" اليوم لخوض الانتخابات التشريعية المقررة في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل وزعيمه حافظ قائد السبسي هارب إلى فرنسا ولم يحضر حتى جنازة والدته التي فارقت الحياة يوم الانتخابات بالذات، وكأن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي يريد أن يترك بصمته على كل خطوة من تاريخ تونس حتى وإن كان بالموت، ولكن رحيله بالتأكيد يسرّع في رحيل الحزب الذي أسسه، ويواريه إلى الخطوط الخلفية لمشهد سياسي يشكّله التونسيون اليوم بلاعبين جدد.


وقال المتحدث الرسمي باسم "نداء تونس"، منجي الحرباوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ الحزب تعرّض إلى العديد من الهزات القوية التي كان لها أثر سلبي، خصوصاً بعد وفاة مؤسسه وزعيم الحزب قبيل الانتخابات بفترة وجيزة، وهذا الأمر كان له أثر كبير في تقديم مرشح للرئاسيات لأنه كان من المفروض أن يرشّح السبسي خليفته، موضحاً أنهم كانوا يرتبون أيضاً العديد من التسويات والملفات الداخلية استعداداً لمؤتمر "نداء تونس" وبحضور الباجي قائد السبسي، ولكن رحيله فاجأ الجميع.

وأوضح الحرباوي أن "نداء تونس" تعرّض طيلة الفترة الماضية إلى العديد من التجاذبات وإلى حملات تشويه ركزت على الحزب في محاولة لضربه وإسقاطه من أجل بناء مشاريع سياسية أخرى، ولكن على الرغم من ذلك فإن الحزب ما زال موجوداً، معتبراً أن "النداء" مع كل ذلك ليس في أسوأ حالاته فهو لا يزال موجوداً وقادراً على خلق التوازن من جديد وهو رقم مهم على الرغم من النتائج الرئاسية المخيبة، مشيراً إلى أن غياب "النداء" عن المشهد وهذا الفراغ الذي تركه أدى إلى انتصار القوى الشعبوية بنتائج ضعيفة، مضيفاً: يبدو أنه بغياب "النداء" كقوة وازنة فإن البوصلة السياسية ضائعة، وخصوصاً لدى الطيف الديمقراطي.

وأعلن المتحدث أن "النداء" مع ذلك يجهز للانتخابات التشريعية بـ33 قائمة في 33 دائرة على أمل أن يكون من بين الأحزاب الأولى والفائزة في الانتخابات التشريعية ولإصلاح ما تم إفساده في الرئاسية، مضيفاً "سيعود الحزب إلى سابق نشاطه، ففيه مناضلون وقياديون قادرون على إعادته بعد الأزمات والاختراقات والانقسامات التي حصلت، والعديد من المحاولات لبناء أحزاب جديدة ولكن أغلبها مني بالفشل في الانتخابات الرئاسية". واعتبر أن المنشقين عن "النداء" هم الذين فشلوا وليس الحزب، لأنهم اختاروا ضرب حزبهم الأم على حساب النرجسية والمصالح الذاتية وكان فشلهم مدوياً، وكل من خرج من الحركة هو الذي سيموت سياسياً وليست الحركة لأنها ستحافظ على التوازن المطلوب ولن تموت لا بوفاة الباجي قائد السبسي ولا بمغادرة من غادروها، وفق قوله.

من جهته، قال المحلل السياسي عبد الرزاق المختار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "نداء تونس" تلقّى العديد من الصدمات ومنها وفاة السبسي ثم هزيمة المرشح عبد الكريم الزبيدي الذي سانده في الانتخابات الرئاسية، مشيراً إلى أن "النداء" من ناحية الوزن الانتخابي وسياسياً هو في اضمحلال ومن المتوقع أن يشهد تهاوياً لتمثيله الانتخابي في الانتخابات التشريعية أيضاً، ما قد يؤدي إلى ضعف إضافي إن لم يكن موته سياسياً، مؤكدا أن "النداء" عرف قبل وفاة الباجي قائد السبسي العديد من الهزات والانقسامات، وكانت وفاة زعيمه مدوية، وخسارة الانتخابات الرئاسية ضربة أخرى تلقاها، وبالتالي فالوزن الانتخابي والسياسي يتآكل بشكل كبير.
واعتبر المختار أن الحديث عن عودة "النداء" من جديد أو أنه لا يزال قوة وازنة في المشهد السياسي، يحتم على الندائيين القيام بقراءة موضوعية تستند إلى الواقع السياسي وإلى النتائج الانتخابية وإلى نتائج استطلاعات الرأي وإجراء تقييم حقيقي لوضعية الحزب ليكون التقدير واقعياً وليس مجرد أوهام.

المساهمون