مصر: "حكومة الظل" تخطط لتعديل وزاري لاحتواء الغضب

مصر: "حكومة الظل" تخطط لتعديل وزاري لاحتواء الغضب

24 فبراير 2016
يضحي السيسي بمسؤولين في نظامه لامتصاص غضب المواطنين (الأناضول)
+ الخط -

وسط انشغال مجلس النواب المصري بالمعارك الجانبية بين النائب مرتضى منصور وبعض الإعلاميين، وبين الإعلامي توفيق عكاشة ورئيس المجلس علي عبدالعال، تعكف الدائرة الاستخبارية الرقابية، التي صنعها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ويديرها مدير مكتبه اللواء عباس كامل، على إعداد خريطة بالتعديلات الوزارية المطلوبة خلال الفترة المقبلة، لإجرائها بهدف تخفيف الضغوط عن النظام، وإشعار المواطنين بالرغبة في التغيير.

وتبدو الهوّة شاسعة بين التحركات السياسية والإدارية الخفية لدائرة السيسي، التي أصبحت بمثابة حكومة ظل بصلاحيات شبه كاملة، وبين الحكومة التي يرأسها شريف إسماعيل والتي تحاول الحفاظ على وضعها، وبين البرلمان الذي يفشل حتى الآن في إقرار لائحته الداخلية، مما يهدد استحقاقاته المقبلة بالتأخير والتعطيل.

وعلى رأس هذه الاستحقاقات المهدّدة بالتعطيل، ما يرتبط بموقف البرلمان من الحكومة، مثل إلقاء رئيس مجلس الوزراء بيان الحكومة الرسمي أمام مجلس النواب، وكذلك العرض الإلزامي لمشروع الموازنة العامة الجديدة للعام المالي 2016-2017 على لجنة الموازنة ثم على الجلسة العامة للبرلمان في موعد أقصاه أول أبريل/نيسان المقبل. وتقف هذه الاستحقاقات حائلاً دون إجراء تعديل حكومي كامل يشمل الإطاحة برئيس الوزراء شريف إسماعيل ووزراء المجموعة الاقتصادية، نظراً لضيق الوقت أمام أي مسؤول حكومي جديد للإلمام بالوضع الاقتصادي رقمياً وعملياً، واتخاذ قرارات بشأن الموازنة الجديدة.

وكان السيسي قد هدد وزراء المجموعة الاقتصادية بالإقالة إذا فشلوا في إعداد خطة لزيادة عائدات الدولة في الموازنة الجديدة، من دون إغضاب الشارع أو بأقل الخسائر الممكنة شعبياً. ولذلك، فإن المؤشرات المتاحة من مصادر حكومية وأخرى في الأجهزة السيادية، تؤكد بقاء شريف إسماعيل في منصبه وكذلك وزراء المجموعة الاقتصادية، إلى ما بعد إقرار الموازنة العامة الجديدة على الأقل، أو لحين البدء في تطبيقها.

وتكشف المصادر أن التعديلات الوزارية المرتقب إجراؤها خلال شهر مارس/آذار المقبل، من المتوقع أن تقتصر على وزير الداخلية مجدي عبد الغفار وبعض وزراء المجموعة الخدمية كوزير الصحة عماد راضي، وذلك في سياق التضحية بالوزراء الذين لم يستطيعوا السيطرة على قطاعاتهم، وأدت سياساتهم إلى انخفاض شعبية النظام.

وتؤكد المصادر أن شريف إسماعيل، وعلى الرغم من أنه رئيس الوزراء، إلا أنه بعيد كل البعد عن عملية إيجاد البدائل للوزراء الذين سيتم إبعادهم، نافية ما تردد عن إجرائه مشاورات وزارية، إذ تتولى "حكومة الظل" ممثلة في الدائرة الاستخبارية الرقابية عملية الاختيار، وسترسل الأسماء في مرحلتها الأخيرة لشريف إسماعيل لمقابلة المختارين. وتشير المصادر إلى أن الإطاحة بعبد الغفار ستُظهر السيسي في موقف المستجيب للضغوط الشعبية بعد حادث الدرب الأحمر تحديداً، والإطاحة بعماد راضي ستكون بشكل الاستجابة لتوصيات الجمعية العمومية لنقابة الأطباء التي تعددت وقفاتها وتظاهراتها الناجحة المنددة بالصمت الحكومي إزاء تجاوزات الشرطة ضد الأطباء.

وعمل السيسي بمبدأ التضحية بالمسؤولين لإنقاذ حكمه وامتصاص غضب المواطنين، وهو في ذلك يخالف السياسة التي كان ينتهجها الرئيس المخلوع حسني مبارك والقائمة على استمرار الوزراء في مناصبهم لفترات طويلة مهما بلغت الانتقادات. فمنذ الإطاحة بحكم جماعة "الإخوان المسلمين"، تولّت إدارة الدولة 3 حكومات؛ أولاها شكلها حازم الببلاوي وكان فيها عدد من رموز الأحزاب اليسارية، وتعرضت للتعديل مرة قبل أن تقال نهائياً، وتُعيّن حكومة إبراهيم محلب قبل تولي السيسي الرئاسة. وتعرضت حكومة محلب للتعديل مرتين وتمت إقالة وزيري العدل والزراعة، وكل ذلك في ظرف عام واحد، ثم كلف السيسي شريف إسماعيل بتشكيل حكومة جديدة في سبتمبر/أيلول الماضي.

اقرأ أيضاً: السيسي يحاول تهدئة الغضب الشعبي: تعديلات عبثية وإقالات متوقعة

فرصة أخيرة لوزير الداخلية

ويكشف مصدر أمني أن السيسي وجّه شريف إسماعيل بإعطاء فرصة أخيرة لوزير الداخلية قبل الإطاحة به، وهي إدارة عملية إعداد التعديلات التشريعية اللازمة لـ"تقليم أظافر أمناء الشرطة، من دون أن يؤدي ذلك إلى انتفاضة معاكسة منهم ضد النظام" بحسب تعبير المصدر. ويوضح المصدر أن عملية "التقليم" يديرها وزير الداخلية بنفسه بعدما أكدت تقارير تلقاها السيسي أن ممارسات جهاز الشرطة قد تؤدي لإسقاطه شخصياً، كما حدث مع مبارك. بينما يتفرّغ مساعد السيسي للشؤون الأمنية الوزير السابق أحمد جمال الدين، لملف إعداد القيادات المستقبلية للوزارة، وإعادة هيكلة جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) ورفع مستوى كفاءته.

وإذا لم ينفذ عبد الغفار مهمته فسوف يلجأ السيسي مباشرة إلى نظام سحب الثقة من قِبل مجلس النواب، والذي يبدأ بتقديم طلب بسؤال الوزير ثم اتباع الإجراءات الدستورية المقررة. ووفقاً للدستور، لم يعد السيسي يملك إجراء تعديل حكومي بإرادة منفردة، فقرار إقالة الحكومة كلها يتطلب موافقة أغلبية البرلمان (50 في المائة وصوت واحد) بينما يتطلب قرار إقالة وزير أو أكثر ضمن تعديل وزاري محدود موافقة أغلبية عدد الحضور بجلسة طارئة تخصص لذلك وبما ﻻ يقل عن ثلث أعضاء البرلمان. لكن السيسي لن يجد صعوبة في تأمين هذه النسب في ظل استمرار تحكّم دائرته الخاصة بأكثرية النواب المسماة تحالف "دعم مصر" والذي ينتمي له رئيس المجلس علي عبدالعال.

وزراء أم موظفون؟

تبدي مصادر حكومية لـ"العربي الجديد" تخوّفها من استمرار الوضع الإداري بالدولة على ما هو عليه، لجهة تقزيم أدوار رئيس الوزراء والوزراء، وتحويلهم إلى مجرد موظفين كبار ﻻ يملكون تغيير السياسات ولا يستطيعون التحرك من دون إذن الدائرة الاستخبارية الرقابية التي زرع السيسي أذرعاً لها في كل أجهزة الدولة. وتضيف المصادر أن "وضع الوزراء تحت ضغط الإعلام الذي أصبح يتحدث ليل نهار عن تعديلات حكومية، جعل الوزراء متخوفين من إصدار أي قرارات مؤثرة، أو تغيير السياسات القائمة، خوفاً من نقل معلومات كاذبة عنهم من خلال أذرع الدائرة الاستخبارية الرقابية، ومن ثم استبعادهم في أقرب تعديل حكومي".

وتقارب المصادر بين الوضع الحالي ووضع الوزراء في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إذ كان الوزراء يُعتبرون "مجرد سكرتارية" لتنفيذ أفكار ورؤى رئيس الجمهورية والدائرة الضيقة المحيطة به والتي تخلو غالباً من المتخصصين. وتعتبر أن "وضع الوزراء في عهد مبارك كان أفضل بكثير لجهة الحرية التي كانوا يتمتعون بها في اتخاذ قراراتهم، وجرأتهم على تغيير السياسات، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها".

وتصف المصادر الوضع الحالي بأنه "عصر الدائرة الوحيدة"، قاصدة بذلك الدائرة المحيطة بالسيسي، "والتي ﻻ تتمتع بالكفاءة إلا في قدرتها على التغلغل داخل مؤسسات الدولة، وتقريب أهل الثقة وليس أصحاب الكفاءة"، حسب تعبيرها. وتكشف المصادر أن العامين الماضيين 2014 و2015، شهدا تعيين ما ﻻ يقل عن 100 ضابط جيش سابق، معظمهم سبق أن عمل بجهاز الرقابة الإدارية، في وظائف قيادية ومفصلية في كل الوزارات الخدمية والهيئات التابعة لها، خصوصاً في قطاع التعليم والزراعة والبترول والموارد المائية والصناعة والتموين. وتؤكد أن هؤلاء المسؤولين الذين تم تقديمهم على الموظفين المتخصصين المدنيين، باتوا يمثّلون مراكز القوى الأساسية في الوزارات المختلفة، والأذرع التنفيذية لدائرة السيسي.

اقرأ أيضاً: الحكومة المصرية تطرق أبواب النواب لتأمين مرور بيانها الوزاري