أسلحة السيسي للتخلّص من "عقبة" البرلمان

أسلحة السيسي للتخلّص من "عقبة" البرلمان

26 يناير 2016
التعزيزات الأمنية في ذكرى الثورة (العربي الجديد)
+ الخط -

يهوى الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، سيناريو "الشكوى للشعب"، أو بالأحرى "تهديد المغضوب عليهم بأن يسلط عليهم الشعب". فعل هذا مع تيار الإسلام السياسي المناوئ لأحداث 30 يونيو/حزيران و3 يوليو/تموز 2013، عندما وصمه في العموم بـ"الإرهاب" وطلب من الشعب تفويضاً لمحاربته. ثم كرّر الأمر مع الإعلام المقرّب من نظامه لمجرد أنه تجرأ وانتقد تعامل الحكومة مع أزمات خدمية قائلاً: "مايصحش (لايجوز) كده (هكذا)، والله هشتكيكم (أشكوكم) للشعب"، فعاد الإعلام إلى حظيرته.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، حرض بعض الشعب على بعضه بانتقاده العلني دعاة التظاهر في الذكرى الخامسة للثورة "هو كل شوية (وقت) نقول ثورة، إحنا (نحن) عايزين (نريد) نروح لقدام (للأمام)، والشعب ما يرضاش (لا يرضى) بكده (هكذا)، ولو الشعب المصري كله عايزني (يريدنني أن) أمشي همشي بس محدش (لا أحد) ينزل الشارع"، فانعكس ذلك مباشرة على الخطاب الإعلامي لسواعد النظام، فأخذوا يحرضون مؤيدي السيسي على النزول اليوم في ذكرى الثورة لحجز الشوارع والميادين الرئيسية ومنع المعارضين من التظاهر فيها.

اقرأ أيضاً: نواب للسيسي: أين الجيش والشرطة والقضاء من "تنازلات الغلابة"؟

إلاّ أن خطاب السيسي، يوم السبت الماضي، والذي هاجم فيه قرار مجلس النواب المنعقد حديثاً برفض قانون الخدمة المدنية الذي كان قد أصدره في ربيع العام الماضي، واعتبره حجر الزاوية لسياسته في التوظيف وإعادة هيكلة القطاع العام والجهاز الإداري للدولة، حمل نوعاً جديداً من "الشكوى للشعب"؛ فقد شكا السيسي نواب الشعب للشعب، واتهمهم صراحة بتعطيل مسيرة التحديث والإصلاح، وبتقييد مشروعاته "الإصلاحية" التي يطالبه بها المواطنون، مؤكداً "أنا مش (لست) المسؤول لوحدي، إحنا (نحن) 90 مليون ويجب على كل جهة أن تتحمل مسؤوليتها، ونتنازل شوية (قليلاً)".

وكانت شائعات قد ترددت في الأوساط السياسية المصرية، خلال الساعات الماضية، تتحدث عن "تعمد النظام إسقاط قانون الخدمة المدنية لتهدئة الموظفين ومنعهم من التظاهر في ذكرى الثورة". إلاّ أن كلمات السيسي جاءت حاسمة في الاتجاه الآخر تماماً، وتعكس ضجراً شديداً من مجلس النواب، وتصور المجلس وكأنه "العقبة التي تحول دون تطبيق مشروعات الرئيس"، بعدما تأكد له أن "الحائط البرلماني" الذي يستند إليه ممثلاً في ائتلاف الغالبية غير المتماسكة (دعم مصر) لا يعدو كونه حبراً على ورق، ولا يمكن توجيهه في القضايا الكبرى التي ترتبط بالجماهير.

فكل نائب مستقل أو منضم حديثاً لحزب صنعته أجهزة الدولة يرى أنه دخل مجلس النواب بمجهوده وحده، وأن النظام مدين له وليس العكس، وأن جمهور دائرته هو رصيده الحقيقي وليس مسؤولي الائتلاف.

ولعلّ هذه الشكوى الجديدة للشعب هي الوحيدة في السلسلة التي يمكن للسيسي تطبيقها عملياً وبصورة تطابق الدستور والقانون، للتخلص من مجلس النواب الذي أصبح على ما يبدو "ثقيل الظل" بالنسبة للنظام، لمجرد رفضه قانوناً وإبداء معارضة شرسة لقانونين آخرين هما تنظيم الطعن على عقود الدولة وتنظيم الثروة المعدنية. امتعاض يأتي رغم أن النظام نفسه هو من صنع هذا البرلمان، وأشرفت الدائرة الاستخباراتية ـ الرقابية المقربة من السيسي وتضم اثنين من أنجاله، على تشكيل غالبيته.

ويتيح الدستور المصري الحالي، وبصورة استثنائية بالقياس للدساتير السابقة، للسيسي ترجمة هذه الشكوى عملياً، إذ يسمح لرئيس الجمهورية أن يحل مجلس النواب بعد استفتاء شعبي بشرط أن يكون قرار الحل مسبباً (المادة 137) ويعتبر المجلس منحلاً من تاريخ موافقة غالبية المشاركين على حلّ المجلس.

واللافت أن الدستور الذي يثير حنق بعض أتباع السيسي، قد وسّع سلطة رئيس الجمهورية في حل البرلمان لدرجة أنه لم يرتب أي نتيجة على رفض الشعب طلب الرئيس الحلّ، فلم تتحدث المادة عن الاحتمال الآخر المتمثل في أن يرفض الشعب طلب الحلّ، وأن يتمسك بمجلس النواب، على الرغم من أن الطبيعي في هذا الوضع السياسي والدستوري أن يُجبر رئيس الجمهورية على الاستقالة.

من جهة ثانية، سلك الدستور سياسة أخرى في الجزء المنظم للعلاقة بين مجلس النواب والحكومة، فرتب جزاء الاستقالة الإجبارية للحكومة كاملة إذا تضامنت مع وزير سحب البرلمان الثقة منه، كما رتب جزاء حل البرلمان إجبارياً على الرفض المتكرر لتشكيل الحكومة، بما في ذلك تشكيل حكومة من الغالبية النيابية.

وبعيداً عن هذه العيوب الجوهرية في الدستور الحالي، فإنّ المادة 137 تعتبر الحل السحري أمام السيسي للتخلص من عقبة مجلس النواب، خصوصاً إذا تكرر سيناريو "الخدمة المدنية" مرة أو اثنتين سواء مع القانون نفسه بعد تعديله وإعادة عرضه على البرلمان، أو إذا رفض المجلس مشاريع جديدة للسيسي لدى عرضها عليه، خصوصاً تلك التي اتفق منفرداً على الشروع فيها على الرغم من المعارضة العلمية والفنية والشعبية والتحذير من مخاطرها، أو فوائدها الضئيلة. ومن هذه المشاريع، العاصمة الإدارية الجديدة، والمحطة النووية بالضبعة، ومدينة الجلالة بصحراء السويس، ومشروع المليون ونصف مليون فدان، الذي لا تجد وزارة الزراعة أراضاً صالحة للاستزراع بمبالغ مالية مناسبة لضمها إليه.

وإذا نفذ السيسي المادة 137، في أي وقت خلال العام الأول للبرلمان، فلن ينعقد مرة أخرى خلال مدته الرئاسية الأولى على الأقل، فالتحضير لانتخابات مجلس النواب على مستوى إعداد القوانين المنظمة لها ثم تشكيل القوائم الموحدة التابعة للنظام فتشكيل الأكثرية أو الغالبية النيابية، قد استغرق عامين تقريباً، فإذا تكرر ذلك سيكون السيسي على وشك الاستعداد لانتخابات رئاسية جديدة.

السيناريو 2

أما السيناريو الثاني للتخلص من البرلمان، فهو التقليدي المرتبط بالمحاكم. وعلى الرغم من عدم إقامة أي دعوى أمام المحكمة الدستورية، حتى الآن، للطعن في قوانين الانتخابات الأخيرة، غير أن محكمة النقض بدأت رسمياً في فحص الطعون الانتخابية، التي تهدّد نحو 120 نائباً حالياً. كما تهدد باحتمال إحالة أي من القوانين الانتخابية إلى المحكمة الدستورية للفصل فيها، وفي المقدّمة قانون تقسيم الدوائر، الذي يتفق المراقبون على وجود عوار فيه لعدم التزامه المعايير، والأعداد التي حددتها المحكمة الدستورية سلفاً.

وكان مجلس النواب الحالي قد أقر، الأسبوع الماضي، ضمن أكثر من 330 قراراً بقانون، القانون الذي أصدره السيسي، أخيراً، ويسمح بصدور حكم من المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان بعد انعقاده، دون التقيد بوقت أو مواعيد محددة للفصل في الطعون.

وفي سياق الاستعداد للمواجهة المقبلة مع مجلس النواب، بعد 7 فبراير/ شباط المقبل، بدأت حكومة شريف إسماعيل في الإعداد لاجتماعات مع بعض الهيئات الوظيفية للجهات الحكومية، لاستطلاع آرائهم في مشاكل قانون الخدمة المدنية الملغى، لتفاديها في القانون المعدل.

وقالت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، إن من بين الأفكار التي تناقش في هذه الاجتماعات، إعادة العمل بقانون الوظائف القيادية بالنسبة للقيادات العليا بالجهاز الإداري، وإعادة العمل بنظام إلغاء الجزاءات التأديبية، وجعل الأجر المتغير الممثل في الحوافز والبدلات نسبياً وليس محدداً أو سارياً على الكافة، إضافة إلى إعادة العمل بنظام المقابل النقدي لرصيد الإجازات بحدود معينة لا ترهق خزانة الدولة.

وأضافت المصادر أن الأفكار "التوافقية" التي تبحثها الحكومة لتفادي رفض القانون مجدداً، لن تشمل إعادة النظر في نظام ربط الأجر بالإنتاج، وربط الترقي باختبارات قياس الكفاءة ومعايير التقييم، كي لا يكون القانون قد فقد الهدف المرجو منه نهائياً وهو تخفيض الإنفاق الحكومي وتقليل عدد الموظفين.

اقرأ أيضاً: مصر: فشلان برلمانيان للنظام يستدعيان الطوارئ لـ"ضبط" النواب