تراخيص البناء للفلسطينيين بمناطق "سي": محاولة إسرائيلية لتبييض الاستيطان

تراخيص البناء للفلسطينيين بمناطق "سي": محاولة إسرائيلية لتبييض الاستيطان

31 يوليو 2019
يصعّد الاحتلال عمليات الهدم في الضفة (حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -
يرفض الفلسطينيون قرار الحكومة الاسرائيلية بإعطاء ترخيص لبناء 715 وحدة سكنية للفلسطينيين، مقابل 6000 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، إذ إن ذلك من شأنه أن يكون محاولة إسرائيلية لفرض السيطرة على مناطق "سي"، ومحاولة لتبييض الاستيطان في تلك المناطق وجعله "شرعياً". ويؤكد مستشار هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية محمد إلياس، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إسرائيل بقرارها منح تراخيص بناء للفلسطينيين، تهدف إلى إرسال رسالة أنها صاحبة السيادة على الضفة الغربية وفي مناطق "سي"، لكن "يجب ألا نسلم وأن نمارس حياتنا ولا نتزحزح عن مواقفنا، وألا نسلم بمشروعية هذه الإجراءات".

ويشير إلى أن هذا الإجراء يأتي في محاولة إسرائيلية لتبييض صفحتها العنصرية الاستيطانية بإعطاء الفلسطينيين تراخيص، "لكن الحقيقة أن قرية فلسطينية واحدة يوجد فيها 600 منزل مبني من دون ترخيص بسبب إجراءات الاحتلال، لكن بناء تلك القرى وتوسعها كان ضمن امتداداتها الطبيعية قبل التصنيفات التي وجدت". بينما يشير إلى أنه في عام 2017 قامت الإدارة المدنية الإسرائيلية بمنح تراخيص في منطقة مصنفة "سي" قرب القدس كان الهدف منها نقل تجمّع الخان الأحمر إليها لكن الهيئة أفشلت هذا المخطط.

ووفق إلياس، فإن 28 ألف مبنى فلسطيني في مناطق "سي" غير مرخصة بسبب إجراءات الاحتلال، وهي مهددة بالهدم، "إذ إنه من أجل الحصول على تراخيص ولمنع هدم أي بناء فلسطيني يشترط الاحتلال في الحصول على رخصة بناء سلسلة من الإجراءات وصولاً إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية والتي ترفض التراخيص، ولكن تأخذ كل هذه الإجراءات وقتاً كبيراً".

إسرائيل أصدرت خلال السنوات الأخيرة أمراً عسكرياً جديداً يخوّل القائد العسكري الإسرائيلي بهدم أي بناء لم يمض على تشييده ستة أشهر من دون الحاجة إلى إصدار أمر بوقف العمل أو إخطار بالهدم، ضمن صلاحيات ميدانية لذلك القائد العسكري، من دون اللجوء إلى القضاء، ضمن سياسة إسرائيلية عامة تهدف إلى خنق العمران الفلسطيني، في مقابل فتح المجال أمام المستوطنين للبناء.
وبحسب إلياس، فإن إسرائيل، وفي بداية سبعينيات القرن الماضي، غيّرت كافة القواعد القانونية الخاصة بقانون تنظيم المدن والأبنية النافذ في الأراضي الفلسطينية، وجعلت الصلاحيات لما يسمى "مجلس التنظيم الأعلى الإسرائيلي" الذي يتشكّل غالبية أعضائه من المستوطنين، ومن الناحية العملية فإن إسرائيل وافقت على 3 مخططات بناء فقط في مناطق "سي" في الضفة الغربية خلال الأربع سنوات الماضية، من أصل 118 مخططاً فلسطينياً تم التقدّم بها على الرغم من أن تلك المخططات مستوفية للمتطلبات الدولية، بينما يتم منح مئات مخططات البناء للمستوطنين في مناطق "سي"، وهذا كله يصب في مصلحة المشروع الاستعماري الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية.


القرار الإسرائيلي بإعطاء ترخيص لبناء 715 وحدة سكنية للفلسطينيين و6000 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، دفع المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، إلى التأكيد أن كل الاستيطان الإسرائيلي على أراضي دولة فلسطين المحتلة غير شرعي، ومصيره إلى الزوال بزوال الاحتلال، وأن من حق الشعب الفلسطيني البناء على كامل أراضيه المحتلة عام 1967 من دون الحاجة لترخيص من أحد، "ولن نعطي أية شرعية لبناء أي حجر استيطاني على الأرض الفلسطينية".
وقال أبو ردينة في تصريحات أمس: "لن نقايض حقوقنا التي كفلتها قرارات الشرعية الدولية، والتي نصت جميعها، خصوصاً القرار الأممي رقم (2334) بعدم شرعية الاستيطان على أراضي دولة فلسطين، بما فيها القدس الشرقية، سيبقى الشعب الفلسطيني صامداً على أرضه، ولن يقبل المساومة على ثوابته الوطنية، وفي مقدمتها القدس ومقدساتها، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة على كامل ترابه الوطني".

من جهته، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، إن البناء في الأراضي المصنفة "سي" حق للفلسطينيين غير قابل للمقايضة مع الاستيطان أو المساواة في ما بينهما. وأضاف اشتية في بيان أمس "لم تعد مصطلحات (أ، ب، ج) قائمة، لأن إسرائيل قد انتهكت اتفاق أوسلو المؤقتة وأنهتها، ولا نحتاج إلى إذن من القوة المحتلة لبناء منازلنا على أراضينا". وأشار إلى أن هذا القرار الهزيل يهدف لخداع الرأي العام الدولي، وإضفاء الشرعية على الاستيطان ومحاولة للمساواة بين بناء الفلسطيني على أرضه والبناء الاستعماري الاستيطاني، الذي يسرق الأرض والماء والهواء.

وتعليقاً على هذا التطور، يرى مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية المحتلة غسان دغلس، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الخطوة الإسرائيلية بالموافقة على بناء 715 وحدة سكنية للفلسطينيين في مناطق "سي"، ما هي إلا خطوة جديدة لتثبيت السيادة الإسرائيلية على تلك المناطق التي تمثل نحو 60 في المائة من أراضي الضفة الغربية، وتعزيز الاستيطان، وفصلها تدريجياً عن المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية.
ويشير دغلس إلى أن نتنياهو يريد أن يمنّ على الفلسطينيين بموافقته على بناء مئات المنازل، بالمقابل وفي جلسة الكابينت ذاتها، وافق على بناء وترخيص آلاف الوحدات الاستيطانية، "وبالتالي الخطوة لا علاقة لها أبداً بالشق الإنساني، بل خطة خبيثة مكشوفة المعالم، نتمنى ألا تنطلي على أحد"، وفق قوله، محذراً من أن ذلك يندرج أيضا في إطار تعزيز السيطرة "المدنية" على مناطق "سي"، إضافة للسيطرة العسكرية المفروضة قسراً على الفلسطينيين هناك.

ويوضح دغلس أن السلطة الفلسطينية ترفض رفضاً قاطعاً التعاطي مع الطرح الإسرائيلي الجديد، وهي أيضاً لا تملك معلومات كاملة بخصوص هل يتعلق بترخيص البناء القائم؟ أو ترخيص أبنية جديدة؟ وبكل الأحوال، فالسياسة الإسرائيلية الراهنة في قبضة المستوطنين، إذ يسعى نتنياهو لإرضائهم حتى يبقى في السلطة، وإلا فمصيره السجن، وفق قوله.
ويدل دغلس على كلامه، بـ"التوسع الاستيطاني غير المسبوق في الضفة الغربية في عهد نتنياهو، وخصوصاً خلال العامين الماضيين، إذ تشير الإحصائيات إلى أنه منذ عام 2017 حتى منتصف العام الحالي تم الإعلان عن 17 بؤرة استيطانية جديدة في محيط مدينة نابلس وحدها، وعشرات أخرى في بقية محافظات الضفة الغربية"، مضيفاً "أما مجيء دونالد ترامب للبيت الأبيض فإن ذلك أجمل هدية لنتنياهو، ومواقف صهره جاريد كوشنر تعطي الحكومة الإسرائيلية الخط الأخضر لمواصلة سرقة الأراضي الفلسطينية لصالح الاستيطان". وحسب دغلس، يُقدّر عدد الوحدات السكنية الفلسطينية في مناطق "سي" بنحو 50 ألف منزل تمتد من شمال الضفة إلى جنوبها، أقيمت إما قبل دخول السلطة الفلسطينية عام 1994 أو بعد ذلك.

من جهته، يؤكد المدير العام للنشر وتوثيق انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، قاسم عواد، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الهيئة رصدت في النصف الأول من عام 2019 عمليات هدم في الضفة الغربية وصلت إلى 356 عملية هدم من بينها 220 في مناطق مصنفة "سي".
كذلك رصدت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في الفترة نفسها إخطارات بهدم منشآت وبنايات فلسطينية في مناطق الضفة الغربية وصلت إلى 210 إخطارات وكلها في مناطق مصنفة "سي"، فيما أقام مستوطنون 6 بؤر استعمارية في أماكن متفرقة من مناطق "سي" بالضفة الغربية، وصادقت إسرائيل على 112 مخططاً استعمارياً لتوسعة مستوطنات في الضفة الغربية.

ومنذ مطلع العام الحالي، وضعت إسرائيل يدها على 305 دونمات في مناطق مصنفة "سي" تحت ذريعة الاحتياجات الأمنية، ووضعت يدها على 304 دونمات بحجة أنها "أراضي دولة"، وأصدرت أمرين بوضع اليد على 806 دونمات في نابلس والخليل لشق طريقين استيطانيين تتأثر جراءهما أكثر من ألفي دونم، بينما أخطرت سلطات الاحتلال 129 أسرة فلسطينية تضم نحو 700 فرد ضمن 6 قرارات لإخلاء تلك العائلات من مساكنها الواقعة بالأغوار الفلسطينية شرقي الضفة الغربية وتقع في مناطق مصنفة "سي" بحجة إجراء الاحتلال تدريبات عسكرية في تلك المناطق.

المساهمون