الخطة الإسرائيلية الجديدة للقدس: فصل من مخططات التهويد والأسرلة

الخطة الإسرائيلية الجديدة للقدس: فصل من مخططات التهويد والأسرلة

05 نوفمبر 2018
لا يزال المقدسيون يرفضون التعايش مع الاحتلال (الأناضول)
+ الخط -
بخلاف ما عكف عليه الاحتلال منذ عام 1967، تحاول الحكومة الإسرائيلية الحالية، عبر تقديم مغريات اقتصادية للمواطنين الفلسطينيين في القدس الشرقية، توفير بيئة تسهم في تحسين قدرتها على حسم مصير القدس المحتلة وضمان تهويدها.
فقد أقرت حكومة الاحتلال أخيراً خطة زعمت أنها ترمي إلى "تقليص الفروق الاقتصادية والاجتماعية" بين الفلسطينيين في القدس الشرقية والمستوطنين اليهود في بقية أرجاء المدينة المحتلة. وقد تضمّنت الخطة مشاريع لتحسين الواقع الاقتصادي في القدس الشرقية وتقليص مظاهر مشكلة السكن الناجمة عن رفض سلطات الاحتلال منح تراخيص لبناء المنازل وتحسين واقع البنى التحتية في المدينة، والعمل على دمج المقدسيين في سوق العمل الإسرائيلي. لكن عند التدقيق في بنود الخطة، يتبيّن بشكل واضح أنها تهدف إلى التأثير على الوعي الجمعي للمقدسيين ودفعهم للتعاون مع المشاريع الهادفة لاستكمال تهويد المدينة أو على الأقل التأثير على دافعيتهم لمقاومتها.

ولعل أخطر ما تضمّنته الخطة يتمثّل في نصها على إحداث تحوّل على مضامين مناهج التعليم في القدس الشرقية بهدف التأثير على الوعي الوطني للنشء الفلسطيني في المدينة المحتلة ومحاولة أسرلته. وعلى الرغم من أن إسرائيل قد شرعت منذ عام 2000 بفرض رقابة على مناهج التعليم في القدس الشرقية، فتقوم بغربلة هذه المناهج وحذف كل إشارة إلى فلسطين وشطب أي مادة تتعرض لإسرائيل بشكل سلبي، إلا أن إشارة الخطة الجديدة إلى إزالة الفروق بين المقدسيين والمستوطنين، تحمل في طياتها إمكانية توحيد مناهج التعليم في شطري المدينة المحتلة بهدف أسرلة وعي الطلاب الفلسطينيين.

إلى جانب ذلك، فإن العمل على تحسين الواقع الاقتصادي في القدس الشرقية ينطلق من افتراض مفاده بأن إحداث تحول على الواقع المعيشي والاجتماعي، سيقلل من اندفاع المقدسيين للانخراط في العمل المقاوم ضد الاحتلال، إلى جانب تراجع مستوى ممانعتهم لسياسات التهويد وإقناعهم بعدم التعرض لحملات اقتحام المسجد الأقصى التي ينفذها المستوطنون اليهود، والتي تعاظمت بشكل دراماتيكي منذ نحو عام.

وحسب وجهة نظر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، فإن ضرب اندفاع المقدسيين للانخراط في العمل المقاوم ضد الاحتلال يكتسب أهمية كبيرة جداً، على اعتبار أن هؤلاء الفلسطينيين، وبخلاف أهالي الضفة الغربية، يتمتعون بهامش حرية مطلق، إذ بإمكانهم الوصول إلى أي مكان داخل إسرائيل، ما يزيد من قدرتهم على استهداف الأمن الداخلي الإسرائيلي.

وعلى الرغم من أن حكومة بنيامين نتنياهو معنية بأي مسار يفضي إلى تحسين الواقع الأمني في إسرائيل، إلا أن تحسين البيئة الأمنية في القدس المحتلة يكتسب أهمية كبيرة، لأنه يساعد أيضاً الحكومة على تنفيذ مخططاتها الهادفة إلى إحداث تحوّل في ميزان القوى الديمغرافي بين الفلسطينيين والمستوطنين، وصولاً إلى أهداف خطة "القدس الكبرى"، التي ترمي إلى زيادة عدد اليهود في المدينة إلى مليون مستوطن.


وترى حكومة نتنياهو أن تحسين الواقع الأمني في القدس سيقنع المزيد من المستوطنين اليهود من غير أتباع التيار الديني بشقيه الصهيوني والحريدي، بالتوجه إلى الإقامة في الجيوب الاستيطانية التي تبنيها إسرائيل في القدس الشرقية وفي محيط المدينة. وتدرك الحكومة الدور الذي لعبته موجة عمليات المقاومة الفردية التي نفذها الفلسطينيون، والتي تركّز أغلبها في القدس، في ضرب اندفاع المستوطنين للانتقال إلى الإقامة في المدينة، على الرغم من المغريات الكبيرة التي يتم تقديمها لهم لإقناعهم بذلك.

في الوقت ذاته، فإن حكومة نتنياهو ترى أنه في حال نجحت الخطة في "تدجين" المقدسيين وتقليص مستوى ممانعتهم لمخططات التهويد والأسرلة في القدس، فإن هذا سيحسن البيئة الإقليمية لإسرائيل. وتعي إسرائيل دور الخلاف بشأن ممارستها في القدس المحتلة وتحديداً ضد المسجد الأقصى، في توتير علاقتها مع الأردن، وهي ترى أن الشراكة مع نظام الحكم الأردني يُعد من أهم ركائز الأمن القومي الإسرائيلي. في الوقت ذاته، فإن أي مسار يفضي إلى تقليص تسليط الأضواء على إجراءات الاحتلال في القدس، يساعد على توفير بيئة تسمح باتساع دائرة التطبيع بين تل أبيب ودول عربية.

لكن على الرغم من رهانات إسرائيل العريضة على عوائد هذه الخطة، إلا أنه يُستبعد أن تنجح. فإسرائيل ليست قوة الاحتلال الأولى التي عمدت إلى محاولة التأثير على وعي الشعب الواقع تحت الاحتلال من خلال فرض مناهج تعليمية تكرس رواية المحتل، مع العلم أن أياً من هذه المحاولات لم يكتب لها النجاح. في الوقت ذاته، فقد أثبت واقع الصراع بين الشعب الفلسطيني والاحتلال أن تحسين الواقع الاقتصادي لم يسهم في تقليص مستوى المقاومة ضد الاحتلال. فعشية اندلاع الانتفاضة الأولى أواخر عام 1987، كانت الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس ممتازة مقارنة مع الواقع حالياً، ومع ذلك رفض الفلسطينيون التعايش مع الاحتلال وخاضوا غمار انتفاضة تواصلت لنحو سبع سنوات وأحدثت تحولاً عميقاً على بيئة الصراع.

من جهة ثانية، فإن الاستقطاب بين قوى اليمين الديني والعلماني التي تشكّل الائتلاف الحاكم في إسرائيل، يسهم في إفشال هذه الخطوة. فعلى سبيل المثال، توعّد موشيه ليئون، المرشح الذي يُتوقع أن يفوز برئاسة بلدية القدس، والمدعوم من قوى اليمين الديني، بجملة من الإجراءات التهويدية الفجة، فضلاً عن تعهده بفرض سياسة أكثر تشدداً من التي ينتهجها رئيس البلدية الحالي نير بركات ضد البناء غير المرخص للفلسطينيين في القدس الشرقية؛ وهو ما يعني أن الأسباب التي تدعو المقدسيين إلى مواصلة التصدي للسياسات الإسرائيلية ستتعاظم فقط.

المساهمون