ترامب يقحم الهجرة في سياسات كورونا: الـ"غرين كارد" بخطر

ترامب يقحم الهجرة في سياسات كورونا: الـ"غرين كارد" بخطر

23 ابريل 2020
علّق ترامب تأشيرات الإقامة الدائمة (ديفيد ماكنيو/Getty)
+ الخط -


على الرغم مما تواجهه اقتصادات دول العالم أجمع، من تراجعٍ على وقع تفشي وباء كورونا، إلا أن أياً من حكوماتها لم تذهب بعيداً، إلى حدّ الآن، في تسييس الأزمة الصحية المتواصلة منذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي، كما يفعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب. منذ حديثه الأول عن "فيروس ووهان"، نسبةً إلى المقاطعة الصينية التي ظهر فيها وباء "كوفيد 19"، مروراً بحربه المفتوحة مع حكام الولايات الأميركية، وبتعليق التمويل لمنظمة الصحة العالمية، ودعوته أنصارَه للنزول إلى الشوارع في مواجهة الإغلاق، يواصل الرئيس الأميركي إقحام أجندته السياسية في خارطة الحلول المطروحة لمواجهة كورونا، وغالباً ما يجري ذلك، بحسب معارضيه، للتعتيم على المسبب الأول لأن تصبح الولايات المتحدة "ووهان ثانية"، لناحية الإصابات وعدد القتلى جرّاء الفيروس، ألا وهو تخفيف ترامب نفسه من خطر وصول الوباء إلى بلاده في بداية الأزمة.

واليوم، تدخل الـ"غرين كارد" الأميركية، أو ما يوصف بـ"الحلم الأميركي"، مجدداً دائرة الخطر، إذ يعود الرئيس الجمهوري إلى إقحام مسألة الهجرة، والتي شكّل الحدُّ منها أحد أهم شعاراته الانتخابية خلال حملته الرئاسية في العام 2016، في أجندة مواجهة وباء كورونا، ولكن أيضاً في الجدل السياسي الدائر بين الجمهوريين والديمقراطيين حول مكافحة الوباء، وعلى بعد سبعة أشهر فقط من معركة الرئاسة، التي سيكون الفيروس ثالث المنافسين فيها، بعد ترامب وغريمه الديمقراطي جو بايدن.

وتحت الشعار الأكبر، "أميركا أولاً"، الذي لا يزال يبرر كل القرارات والإعلانات والتغريدات الترامبية، التي يحمل بعضها طابعاً عنصرياً ومعادياً للآخر، كان ترامب قد فعّل مع بداية أزمة الوباء سياسته المتشددة في مجال ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، والكثير منهم مصابون بالوباء، عبر الحدود البرّية للبلاد، ولو بمقاومة أحياناً من الدول المتضررة، كالمكسيك. وبحماية قرارٍ سابق للمحكمة العليا أتاح له فرض الحظر على دخول مواطني خمس دول إسلامية إلى الولايات المتحدة عام 2018، وأطلق يده نسبياً في مسألة الهجرة، أعلن ترامب يوم الإثنين الماضي، عن أمرٍ تنفيذي يُعلّق بموجبه منح تأشيرات الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة، مُنصّباً نفسه حامياً للوظائف في البلاد.


وللوهلة الأولى، إذا ما قيس القرار بتفاصيله الدقيقة، فإنه يبدو رمزياً، وترويجياً من ضمن حملة ترامب لرئاسيات العام 2020، أخذاً بالاعتبار أن الحدود البرّية للبلاد، تواصل إغلاقها في ظلّ تدابير الحدّ من تفشي الوباء، وكذلك أعمال وزارة الخارجية الأميركية وسفاراتها وقنصلياتها حول العالم في ما يتعلق بإجراء المقابلات وإصدار التأشيرات للدخول إلى الولايات المتحدة، وكذلك تعليق الدخول إلى البلاد عبر المنافذ الجوية. ومع استثناءات القرار، فإن حوالي 110 آلاف شخص قد يتأذون منه، في غضون شهرين، وهي مدة نفاذه، القابلة للتمديد بحسب الرئيس الأميركي. لكن ما قد يكون أخطر، هو ترجيح الخبراء أولاً تمديد القانون، بحكم التداعيات التي لا يزال كورونا يفرضها على الأرض، وكذلك إمكانية أن يستتبع الرئيس قراره هذا بآخرٍ متعلق بالهجرة، إذا ما رأى حاجةً إلى ذلك لداوعٍ انتخابية. وفي القرار الذي من المفترض أن يكون دخل حيّز التنفيذ أمس الأربعاء، يستثنى العمّال الأجانب في قطاع الزراعة، الذي يعتبر الأميركيون العاملون فيه إجمالاً من القاعدة الداعمة لترامب، بينما يقول خبراء إنه ليس معروفاً تأثيره وجذبه للناخبين المترددين، وهم هدف أساسي لحملة ترامب لولاية ثانية.

وفي تفاصيل القرار، فقد أعلن الرئيس الأميركي، أول من أمس الثلاثاء، أن إدارته ستعلق موقتاً منح تأشيرات الإقامة الدائمة "غرين كارد" (البطاقة الخضراء) إلى المهاجرين الجدد، ومنهم أفراد عائلات مواطنين أميركيين، وعمال أجانب يحملون إقامات موقتة ويرغبون بالإقامة الدائمة في الولايات المتحدة، وذلك خلال الـ60 يوماً المقبلة، مع تقييم إمكانية تمديدها في وقت لاحق. وقال ترامب خلال مؤتمره الصحافي اليومي حول تطورات تفشي الوباء، بما يتعلق بتعليق الهجرة الذي كان كشفه في تغريدة على "تويتر" قبل يوم، إن القرار هدفه تقليص الهجرة إلى البلاد، في وقت فقد فيه 22 مليون أميركي وظائفهم، وسجلوا أنفسهم كعاطلين من العمل كأحد تداعيات كورونا. وأضاف ترامب "سيكون من الخطأ والظلم للأميركيين الذين فقدوا عملهم بسبب الفيروس، استبدالهم بعمالة مهاجرة جديدة قادمة من الخارج. يجب أن نولي اهتماماً بالعامل الأميركي"، لافتاً إلى أن تعليق الهجرة "سيساعد أيضاً على الاحتفاظ بالموارد الأساسية الطبية للمواطنين الأميركيين". وأشار الرئيس إلى أنه سيكون هناك استثناءات على القرار، مؤكداً أن المزارعين لن يتضرروا منه.

وطلبات الحصول على الـ"غرين كارد" الأميركية لدمج عائلات المهاجرين (جلب الأهل والشركاء والأولاد لحاملي الإقامة الدائمة) هي الأكثر شيوعاً. ويصعب اليوم على المواطنين الأجانب الراغبين بالقدوم إلى الولايات المتحدة فعل ذلك أساساً وسط أزمة كورونا، لاسيما أن جميع القنصليات الأميركية في الخارج أغلقت أقسام إجراء المقابلات فيها منذ شهر مارس/آذار الماضي. أما إذا كان القرار، سيطاول المرشحين للحصول على الإقامة الدائمة الموجودين أصلاً داخل البلاد، فإن ذلك سيؤثر على الآلاف منهم، وسيتركهم بلا حماية في وقت قد تستنفد منهم الأموال، ويصعب عليهم الطعن به في المحاكم. بمعنى آخر، فإن تعليقاً للتأشيرات يُضّر فقط الموجودين في الخارج، لن يكون سوى توقيع أمرٍ تنفيذي لقرار سارٍ أصلاً، ويجري فعلياً تنفيذه على الأرض في ظلّ الأزمة. وقال مسؤول أميركي كبير لوكالة "رويترز"، إن إدارة ترامب "تدرس إجراءً آخر يشمل المتضررين من سياسة الهجرة الأميركية، ومنهم حاملو تأشيرة الدخول إتش 1 بي".

وتسمح تأشيرة "إتش 1 بي" لحوالي 85 ألف أجنبي، من ذوي المؤهلات العالية، لاسيما في قطاع التكنولوجيا، بالمجيء سنوياً إلى الولايات المتحدة للعمل لمدة ثلاث سنوات على الأقل. كما تضم العمال الموسميين، الذين يأتون إلى هذا البلد سنوياً، للعمل في المزارع، وهم يشكلون حوالي 10 في المائة من اليد العاملة في هذا القطاع، وكذلك العاملين في قطاع السياحة، كالمنتجعات. وفي وقت مبكر من رئاسة ترامب، أصدر الأخير أمراً تنفيذياً لإدارة الأمن الداخلي التي تشرف على خدمة الهجرة والجنسية، لتشديد سياساتها في ما يتعلق بحاملي تأشيرة "إتش 1 بي" التي تستخدم بكثافة في قطاع التكنولوجيا لجلب العمال المهرة. وبموجب الأمر المتداول حالياً، قد يحتاج العاملون بقطاع التكنولوجيا من حاملي هذه التأشيرة تقديم شهادات حديثة للإدارة، تثبت أنهم لا يحلون محل عاملين أميركيين (أحد المقترحات التي تجري دراستها).

بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، يبدو قرار ترامب إلى الآن أقل تقييداً بكثير مما يحاول كلا المعسكرين، المؤيد والمعارض له، تصويره. ورأى رئيس مركز دراسات الهجرة، مارك كريكوريان، في حديث للصحيفة، أن القرار "هو حملة علاقات عامة أكثر من أي شيء آخر"، فيما رأى أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا، جيوفاني بيري، في حديث لوكالة "رويترز"، أن الباحثين يتفقون بشكل عام على أن الهجرة إلى الولايات المتحدة حفزت النمو الاقتصادي وزادت من حجم الاقتصاد وأتاحت فرص عمل جديدة، لافتاً إلى أن "فكرة أن الهجرة تهدد توظيف الأميركيين غير مدعومة بأي بيانات".

بين هذا وذاك، وبين رفض ترامب مقولة أنه يستخدم جائحة كورونا، لتبرير ترسيخ أجندته حول الهجرة، وخروج الديمقراطيين لانتقاد القرار الأخير، ومعارضته، ليس من المعروف كم سيرفع قرار الرئيس الأميركي الأخير عدد الأميركيين العاطلين من العمل الذين سيجدون وظائف لهم مع عودة اقتصاد البلاد تدريجياً إلى دورته الطبيعية. هذه العودة بكل الأحوال، تتطلب أشهراً قد تمتد حتى نهاية العام الحالي. قبلها، قد يكون ترامب قد قطف نتاج قراراته "الكورونية" المتلاحقة، سلباً أم إيجاباً، في صناديق الاقتراع الرئاسية. لكن ذلك لن يمنعه من إخراج قرارات جديدة من جعبته، أكثر خطورة، حتى ذلك الحين.