الحكومة الأفغانية تضغط على "طالبان" عبر علماء الدين

الحكومة الأفغانية تضغط على "طالبان" عبر علماء الدين

16 مايو 2018
فهم غني أهمية دور علماء الدين (عارف كريمي/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من أن دخول القوات السوفييتية إلى أفغانستان، بذريعة مساعدة الحكومة الأفغانية وبطلب منها، أدى إلى اندلاع الحرب قبل 4 عقود، ولا يزال الأفغان يدفعون ثمنها، فإن للأزمة جذورا وأرضية سبقت دخول القوات السوفييتية البلاد. ويأتي على رأس هذا الأمر كيفية تعامل الحكومة الأفغانية مع رجال الدين، إذ إنها كانت تلاحقهم وتعتقلهم، بل وتعدمهم داخل السجون، ما أجبر العديد منهم على الفرار إلى باكستان، التي كانت تعتبر جارتها أفغانستان عدوة لها كونها الدولة الإسلامية الوحيدة التي عارضت تأسيسها.

وكانت باكستان، ورئيسها آنذاك ذو الفقار علي بوتو، يستقبل علماء الدين الأفغان، معتبرة أنهم سيشكلون معارضة سياسية تعمل لصالحها في كابول. لكن هذا التكتيك تغير بعد الغزو السوفييتي للبلاد، إذ حمل علماء الدين وقادة التيار الإسلامي السلاح ضد القوات الغازية، بدعم باكستاني أولاً، وعالمي لاحقاً. وينسب إلى الرئيس الأفغاني الأسبق، محمد نجيب الله، الذي أعدمته حركة "طالبان"، في 27 سبتمبر/أيلول 1996، بعد سيطرتها على كابول، قوله إن "المعضلة الأساسية ليست سيطرة المجاهدين على الأقاليم، بل المعضلة هي سيطرة العدو على المنبر والمسجد"، في إشارة مبطنة إلى وقوف التيار الديني مع خصمه. ويبدو أن الرئيس الأفغاني الحالي، أشرف غني، فهم أهمية دور علماء الدين في أفغانستان، تاريخياً وحالياً، وأن لصوتهم صدى كبيرا في أوساط الشعب الأفغاني. وكان من ضمن خططه الأساسية إيجاد تقارب بين "المحراب والقصر"، في إشارة إلى أهمية دور شريحة علماء الدين، وضرورة نيل رضاهم، للعب دور فعال في إيجاد حل للحرب ووقف حمام الدم. ولم يكتف غني بوضع مستشارين له من علماء الدين وإيجاد فرص عمل لهم ضمن وزارة الحج والأوقاف، وفتح فرع خاص لعلماء الدين في مجلس الأمن الأفغاني لوضع خطط وبرامج للمدارس الدينية، بل إنه سعى أيضاً للتوصل إلى تنسيق بين علماء الدين للعب دور فعال بهذا الخصوص. وطلب غني من باكستان تشجيع علماء الدين هناك على إصدار فتوى ضد حركة "طالبان" والحرب التي تخوضها ضد الحكومة الأفغانية، أو على الأقل حثها على الجلوس حول طاولة الحوار. وهو كرر مطلبه خلال اجتماعه مع مسؤولين باكستانيين، خصوصاً مستشار الأمن القومي في باكستان، الجنرال ناصر جنجوعة، وقائد الجيش الباكستاني، الجنرال قمر جاويد باجوه.

ولم تكتف السلطات الأفغانية بهذا الأمر، إذ إنها استطاعت الحصول على دعم رجال الدين داخل البلاد، الذين لم يكتفوا، بعد اجتماعات، بدعوة حركة "طالبان" إلى الحوار مع السلطة، بل أصدروا فتوى ضد الحرب المتواصلة في البلاد. وقال نائب رئيس المجلس الوطني للمصالحة، عالم الدين عطاء الرحمن سليم، إن "ما يحدث في هذه البلاد غير شرعي وغير ديني، إذ إن دماء الشعب الأفغاني تراق من قبل الطرفين"، داعياً جميع الأطراف للاحتكام إلى الحل السياسي. واعتبر أن "مواصلة الحرب وإراقة دماء الشعب الأفغاني تصب في صالح دول المنطقة والاستخبارات. ومن هنا لا شرعية لما يحصل في أفغانستان".

وفي إطار محاولاتها المتواصلة للحصول على فتوى دينية بأنه لا يوجد صبغة شرعية لمواصلة الحرب، تعمل الحكومة الأفغانية، خصوصاً بعد مؤتمر المصالحة في كابول في فبراير/شباط الماضي، على عقد اجتماعات لعلماء الدين في دول المنطقة، خصوصاً باكستان، إذ إن لهم تأثيرا كبيرا على الجماعات المسلحة، كما وأن جزءاً كبيراً من قيادات "طالبان" وعناصرها تخرجوا من المدارس الدينية الباكستانية. ولم تستطع حركة "طالبان" معارضة فكرة عقد اجتماع لعلماء الدين في أفغانستان وباكستان وإندونيسيا، في جاكرتا، وهي اكتفت بدعوة رجال الدين لعدم المشاركة فيه، إذ إنها تعي التأثير الكبير لعلماء الدين، خصوصاً الباكستانيين، على قياداتها وعناصرها. وأدت رغبة السلطات الباكستانية إلى تهدئة الأوضاع مع أفغانستان، بعد التصعيد الحدودي بينهما  أخيراً، إلى مشاركة رجال دين باكستانيين في الاجتماع الذي عقد في جاكرتا السبت الماضي، وذلك بعد أن تأجل لعدة مرات. لكن السلطات الأفغانية فشلت في الحصول على مبتغاها من الاجتماع، بعد رفض علماء الدين الباكستانيين، من الصف الأول، المشاركة فيه، خصوصاً رجل الدين سميع الحق، المعروف في الأوساط الجهادية بأب "طالبان"، والذي كان أعلن مراراً أن الحرب في أفغانستان مطابقة للشريعة الإسلامية، وهي حرب ضد المحتل. كما أنه لم يصدر عن اجتماع جاكرتا تحريم للحرب، وكل ما صدر عنه لم يتعد دعوة أطراف الصراع إلى حل سلمي. وادعت وسائل إعلام أفغانية وباكستانية، بعد انتهاء الاجتماع، أن مدرسة "الجامعة الحقانية"، التي تعد الحاضنة الأساسية لحركة "طالبان" وتوفر لها جزءاً كبيراً من العناصر البشرية، أعلنت أن ممثلها في الجلسة، وهو أنوار الحق، لم يدعُ "طالبان" لمحاورة الحكومة. وأشارت صحيفة محلية إلى أن "الجامعة الحقانية" قالت ذلك حتى تحافظ على سطوتها على "طالبان" وإثبات شرعية حربها في أفغانستان.

المساهمون