بيرني ساندرز... اليساري المستقل في آخر ثوراته

بيرني ساندرز... اليساري المستقل في آخر ثوراته

واشنطن

جو معكرون

avata
جو معكرون
16 نوفمبر 2019
+ الخط -
إذا كان هناك من رصيد يُعطى لتحوّل الحزب الديمقراطي الأميركي إلى اليسار خلال السنوات الأخيرة، فهذا الرصيد لا يستحقه أحد غير المرشح الرئاسي بيرني ساندرز الذي أحدث صدمة في الانتخابات التمهيدية عام 2016 غيّرت دينامية الصراع بين الليبراليين. يخوض ساندرز الآن آخر ثوراته على المؤسسة الحاكمة في الحزب وعلى الشركات المالية الكبيرة في محاولة أخيرة لإقناع الأميركيين بإعادة توزيع الثروات واعتماد نظرته إلى العدالة الاجتماعية.

حين تعرض ساندرز لأزمة قلبية الشهر الماضي، اتصلت به في المستشفى النائبة اليسارية ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز وأبلغته بأنها جاهزة لإعلان تأييدها رسمياً لحملته الرئاسية في الانتخابات التمهيدية. أدركت كورتيز حينها أن هذه لحظة ضعف لساندرز لأن الشكوك حول صحته ستحوم خلال حملته الرئاسية. قرار كورتيز وزميلتيها رشيدة طليب وإلهان عمر بالوقوف مع ساندرز ليس صدفة، هو بالنسبة إليهن ما يشبه "المرشد الروحي". كورتيز ذات الشعبية الواسعة اليوم بدأت مسيرتها السياسية متطوعة في حملة ساندرز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ومجموعة "ديمقراطيي العدالة" التي أوصلت هذا الثلاثي إلى الكونغرس هي مجموعة وُلدت من رحم حملة ساندرز عام 2016.

هذا السيناتور عن ولاية فيرمونت، الذي يبلغ من العمر 78 عاماً، لا يزال يمثّل نبض الشباب في الحزب الديمقراطي. بحسب استطلاع "إيمرسون" الشهر الماضي، 45 في المائة من الناخبين الديمقراطيين الشباب (18-29 عاماً)، يدعمون ساندرز، مقابل 17 في المائة للسيناتورة إليزابيث وارن و12 في المائة لنائب الرئيس الأسبق جو بايدن. لا تزال حملته قادرة على استقطاب الشباب الليبرالي الذي يحاكي ساندرز تطلعاته بضرورة إصلاح النظام القائم في واشنطن. على عكس معركته الشرسة مع هيلاري كلينتون عام 2016، يخوض ساندرز معركة الانتخابات التمهيدية هذه المرة بنيران صديقة ضد بايدن، زميله في مجلس الشيوخ لعقود، وحليفته الجديدة وارن التي اتفق معها على عدم الاشتباك السياسي.

يتحدر ساندرز، الذي ولد في حي بروكلين في نيويورك، من عائلة يهودية هربت إلى الولايات المتحدة من بولندا قبيل الحرب العالمية الثانية. يقول إنه بدأ اهتمامه بالسياسة مبكراً لأنه شاهد كيف يمكن لانتخابات في ألمانيا أن توصل أدولف هتلر إلى السلطة ما يؤدي إلى ملايين الضحايا في الحرب العالمية. يصف سنوات دراسته في جامعة شيكاغو بأنها "مملة وغير ذات صلة" لأنه اعتبر أن المجتمع المحلي أكثر أهمية من التعليم، لكن في هذه الجامعة اكتسب ميوله الاشتراكية ونضالاته الطلابية. بعدها قرر الابتعاد عن نيويورك والذهاب إلى الريف، إذ قرر عام 1968 العيش في قرية صغيرة نائية في ولاية فيرمونت حيث عمل نجاراً وكاتباً ومخرجاً سينمائياً.

بدأ مسيرته السياسية عام 1971 في حزب "اتحاد الحرية" الذي ولد من رحم الحركة المناهضة لحرب فيتنام قبل أن يقدم استقالته من هذا الحزب عام 1977. بعدها خاض معارك انتخابية كمستقل فأصبح عمدة لمدينة برلينغتون وجعلها من أفضل مدن ولاية فيرمونت التي أصبح ساندرز لاحقاً ممثلها في مجلس النواب وبعدها في مجلس الشيوخ.
يصف ساندرز نفسه بأنه "ديمقراطي اشتراكي" يحمل أجندة تقدمية تعارض عدم المساواة الاقتصادية في المجتمع الأميركي، كما يدعم الحقوق العمالية والرعاية الصحية الشاملة والتعليم المجاني وحماية البيئة على أن يتم تمويلها بضرائب على الأثرياء وبتقليص الإنفاق العسكري، لكن كلفة كل هذه البرامج قد تصبح عبئاً على الخزينة الأميركية. على مستوى العلاقات الدولية، خطاب ساندرز صدى لسياسات الليبراليين في التعاون الدولي وصدى لسياسات اليسار التي ترفض التدخّل العسكري وتدعو إلى سحب القوات الأميركية المنتشرة حول العالم. ساندرز يدعو إلى تقليص المساعدات العسكرية لإسرائيل وربطها باحترام حقوق الفلسطينيين، كما ينتقد دعم الإدارة الأميركية الضمني للسعودية في الحرب الدائرة في اليمن.


ساندرز المستقل يتمسك بخوض معركته الرئاسية من داخل الحزب الديمقراطي لأن هذه وسيلته الوحيدة لتحقيق مشروعه بدل أن يكون مرشحاً منفرداً من دون البنى التحتية لحزب بحجم الحزب الديمقراطي، وهذا درسٌ تعلّمه عندما كان في صفوف حزب ضعيف مثل "اتحاد الحرية". وفي المقابل يفعل الديمقراطيون المستحيل لإبقاء ساندرز تحت خيمة الحزب لأن هناك إدراكاً أن أي محاولة لتهميشه قد تُخرج القاعدة اليسارية من الحزب الديمقراطي.

خلال الانتخابات التمهيدية عام 2016، فاز بـ43 في المائة من مندوبي الحزب الديمقراطي، مقابل 55 في المائة لهيلاري كلينتون في حملة رئاسية رفض فيها أي تمويل من الشركات الأميركية الكبيرة. كانت معركته شرسة حينها حول نظام المندوبين مع كلينتون خلال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي، لكن في النهاية وافق على دعمها في الانتخابات العامة ضد دونالد ترامب مقابل إقرار الحزب إصلاحات في نظامه الداخلي تُقلّص سطوة المؤسسة الحاكمة فيه. أدخل ساندرز مجموعة كبيرة من الأعضاء الجدد (لا سيما الشباب) إلى الحزب الديمقراطي، ما أدى إلى مواجهة خلال المؤتمر الوطني عام 2016 بين الأعضاء الجدد والقدامى، بين من يقول إن المؤسسة الحاكمة تسيطر على كل شيء، ومن يقول إن "جماعة سادرز" لا تفهم كيف يعمل الحزب الديمقراطي. معركته هذه عام 2016 أوجدت هذا الانفصام الحالي داخل الحزب بين الوسطيين واليساريين، بين المؤسسة الحاكمة والقاعدة الشعبية.

اليوم يخوض ساندرز معركته الرئاسية الأخيرة. بعد حوالي 40 يوماً من تعرضه لأزمة قلبية، عاد بنشاط انتخابي أقوى وأرقام أفضل في استطلاعات الرأي، كأن هذه الوعكة حررته من أدائه التقليدي في حملاته الرئاسية. لأول مرة بدأ ساندرز يُسقط قناعه الجدي ويُظهر جوانب عاطفية ومرحة في شخصيته منذ تعرضه لأزمة قلبية، بعدما كان يرفض لسنوات نصائح مستشاريه بالتخلي قليلاً عن جديته الدائمة في الحملات الانتخابية. بحسب استطلاعات الرأي، هناك قلق بين 45 في المائة من الناخبين الديمقراطيين حول صحة ساندرز ما قد يؤثر على اقتراعهم في الانتخابات التمهيدية، وبالتالي يحاول الرد بجعل عمره مصدر قوة وخبرة بدل أن يكون نقطة ضعف، كما وعد بنشر سجله الصحي قبل نهاية العام.

دعم ساندرز لا يأتي فقط من الشباب بل أيضاً من الأميركيين من أصل لاتيني، إذ حصل على تبرعات مالية من هذه الفئة الانتخابية أكثر من أي منافس في الانتخابات التمهيدية وثلاثة أضعاف ما جمعه باراك اوباما في حملته الرئاسية عام 2008. هذا التحالف بين الشباب والأميركيين من أصل لاتيني، يجعل ساندرز رقماً صعباً في الحزب الديمقراطي بغض النظر عن نتائج الانتخابات التمهيدية. لكن ليس هناك أفق كبير أمام ساندرز لتحسين وضعه الانتخابي، فكما هي حيثية ترامب بين القاعدة المحافظة، هناك سقف للقاعدة اليسارية بين الديمقراطيين وهو يتشارك هذا السقف هذه المرة مع إليزابيث وارن. على الرغم من أن حظوظ ساندرز قد تكون محدودة في الانتخابات التمهيدية، إلا أن الإرث الذي يتركه عبر جيل يساري جديد سيترك أثراً لعقود على الحياة السياسية الأميركية.

ذات صلة

الصورة
تظاهرة ووقفة بالشموع أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن

سياسة

شهدت العاصمة الأميركية واشنطن وقفة بالشموع وتجمّعاً للمئات من الناشطين أمام السفارة الإسرائيلية تأبيناً للجندي آرون بوشنل و30 ألف شهيد فلسطيني في غزة.
الصورة

سياسة

نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال الأميركية" عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إدارة الرئيس جو بايدن تستعد لإرسال قنابل وأسلحة أخرى "نوعية" إلى إسرائيل.
الصورة
مسيرة وسط رام الله (العربي الجديد)

سياسة

شارك عشرات الفلسطينيين، اليوم الجمعة، في مسيرة جابت شوارع مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، نصرةً لغزة ودعماً للمقاومة الفلسطينية.
الصورة
جو بايدن/بنيامين نتنياهو (رويترز)

سياسة

يتصاعد التوتر بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي على خلفية الحرب على غزة، ويبدو أن بايدن ونتنياهو يتّجهان نحو التصادم بشأن أجندة ما بعد الحرب وحكم غزة.