مصير دوما معلّق بالمفاوضات... روسيا والنظام يضغطان لتهجير سريع

مصير دوما معلّق بالمفاوضات... روسيا والنظام يضغطان لتهجير سريع

31 مارس 2018
مدنيون في حرستا المهجرة (فرانس برس)
+ الخط -
ما بين إعلان موسكو التوصل إلى اتفاق مع الفصائل المسلحة في دوما للخروج منها، ونفي "جيش الإسلام" المسيطر على المدينة ذلك، والحديث عن تقدّم في المفاوضات، تأرجح مصير مدينة دوما، أمس الجمعة، آخر معاقل المعارضة في الغوطة الشرقية، وذلك في وقت تواصل فيه ترحيل المدنيين ومقاتلي فصائل مسلحة من الغوطة باتجاه الشمال السوري ومناطق ريف دمشق، ليصل عدد المرحّلين إلى أكثر من 143 ألف شخص حتى يوم أمس، بحسب إعلان روسي.

وبعد أيام من المفاوضات حول مدينة دوما، أعلن رئيس دائرة العمليات العامة في هيئة الأركان الروسية، الفريق أول سيرغي رودسكوي، أمس، أنه "تم الاتفاق مع قادة التشكيلات المسلحة غير الشرعية حول انسحاب المسلحين مع أفراد عائلاتهم من مدينة دوما في وقت قريب"، من دون أن يعطي المزيد من التفاصيل.
غير أن "جيش الإسلام" لم يتأخر بنفي الإعلان الروسي، وقال المتحدث باسم أركانه حمزة بيرقدار، لـ"العربي الجديد"، إنه "‏لا صحة لما تتداوله وسائل الإعلام عن اتفاق يقضي بإخراج ‎جيش الإسلام من مدينة ‎دوما"، مضيفاً أن "موقفنا ما زال واضحاً وثابتاً وهو رفض التهجير القسري والتغيير الديمغرافي لما تبقّى من الغوطة الشرقية". واعتبر بيرقدار أن "هذه التصريحات من النظام وحلفائه تأتي ضمن حرب نفسية على أهل دوما ومن بقي صامداً حتى الآن في الغوطة"، مشيراً إلى أن "النظام وحلفاءه يدلون بتصريحات عن مجريات المفاوضات تجافي الواقع، ويروجون لوجود حشود والقيام بهجوم كاسح وإلى ما هنالك من هذه التصريحات والتهديدات للتأثير على الحاضنة الداخلية ونفوس من قرروا البقاء في دوما ورفض التهجير".

وتجري مفاوضات بين "اللجنة المدنية" في دوما والجانب الروسي منذ أيام، وسط محاولة من فصيل "جيش الإسلام" المسيطر على المنطقة، لتحقيق أفضل شروط للاتفاق المحتمل بشأن مصير آخر مدن الغوطة التي ما زالت تحت سيطرة المعارضة. وفيما قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، إنه قد يكون هناك تقدم في المحادثات مع مقاتلي "جيش الإسلام"، أعلنت "اللجنة المدنية" أنه تم خلال الاجتماع مع الجانب الروسي، أمس الأول الخميس، طرح مطالب عدة، منها "أوضاع المقيمين في مراكز الإيواء، ومتابعة التجاوزات التي تحصل فيها، إضافة للتأكيد على تثبيت وقف إطلاق النار طيلة فترة المفاوضات"، مشيرة إلى حصول "تقدّم في المباحثات والوصول إلى التوافق على نقاط مشتركة كأساس تبنى عليه المباحثات في الجولات المقبلة".

كما عُقد اجتماع بين الفاعليات الأهلية في المدينة وقيادات من "جيش الإسلام" استمر بضع ساعات، جرى خلاله التوافق على أنّ "التماسك والثبات في هذه المرحلة هما من أهم أسباب الوصول في التفاوض إلى حل للأزمة".
وقال مصدر مقرب من "اللجنة المدنية" لـ"العربي الجديد"، إن المفاوضات مع الجانب الروسي مستمرة من دون مهل محددة، في ظل محاولة كل طرف تثبيت النقاط التي يطالب بها. لكن المصدر أشار إلى حصول تقدّم على طريق حل بعض النقاط الخلافية، من دون توضيح هذه النقاط.

وكان مصدر من النظام السوري قال إن مهلة جديدة أعطيت لـ"جيش الإسلام" في دوما لتسليم المدينة والقبول بشروط مشابهة لما جرى في القطاع الأوسط، أي الخروج إلى إدلب لمن لا يرغب في عقد تسوية مع النظام، وإن هذه المهلة تنتهي مساء (أمس) الجمعة، في ما بدا ضغطاً على "الجيش" للقبول بشروط موسكو والنظام.


لكن "جيش الإسلام" يسعى إلى عقد تسوية مع النظام وروسيا تقضي ببقاء عناصره والأهالي في مناطقهم بالغوطة، وإذا تعذّر ذلك فهو يفضل، وفق مصادر عدة، المغادرة باتجاه الجنوب السوري أو منطقة القلمون، وليس إلى الشمال السوري، إذ لا تربطه علاقات طيبة مع الفصائل هناك، خصوصاً "هيئة تحرير الشام" التي خاض معها معارك عنيفة خلال السنوات الماضية في الغوطة الشرقية. كما ذكرت مصادر صحافية أن السلطات التركية وفصائل الجيش السوري الحر في مناطق "درع الفرات" ترفض استقبال فصيل "جيش الإسلام" في حال تهجيره من الغوطة الشرقية.

في السياق، قال مسؤول المكتب السياسي في "جيش الإسلام" محمد علوش، في تغريدة له على "تويتر"، إن "السعودية لم تقدّم أي دعم مادي أو عسكري لجيش الإسلام مطلقاً منذ تأسيسه إلى الآن"، مؤكداً أن فصيله "يعتمد على موارده الخاصة فقط، وهو فصيل سوري 100 في المائة ولذلك حارب كل المشاريع الدخيلة على الثورة".

من جهة أخرى، غادر مئات المدنيين مدينة دوما عبر معبر الوافدين إلى مناطق سيطرة النظام، إضافة إلى 163 مريضاً أجلتهم منظمة الهلال الأحمر السوري ممن يعتبرون الحالات الأكثر خطورة. وقال ناشطون محليون إن الهلال الأحمر أجلى عشرات المرضى لليوم السابع عشر على التوالي من مدينة دوما إلى مستشفيات العاصمة. وسبق أن خرج قرابة 3 آلاف مدني، الخميس الماضي، من مدينة دوما إلى مناطق سيطرة النظام من معبر مخيم الوافدين. وتقول روسيا إن أكثر من 28 ألف مدني خرجوا من دوما حتى الآن عبر هذا المعبر.

وفي القطاع الأوسط من الغوطة، انطلقت الحافلات، أمس، بدفعة جديدة من أهالي ومقاتلي الغوطة باتجاه الشمال السوري. وقالت مصادر محلية إن الدفعة ضمت مقاتلين من "فيلق الرحمن" من مناطق جوبر وزملكا وعين ترما وعربين مع عائلاتهم متوجهة إلى إدلب، وشملت 23 حافلة تقل 1056 شخصاً، بينهم 546 مسلحاً. وكانت الدفعة السادسة من مهجري قطاع الغوطة الأوسط وصلت، صباح أمس، إلى قلعة المضيق في ريف حماة الغربي، في إطار الاتفاق على إخلاء المنطقة. ووفق منسقي الاستجابة في الشمال السوري، فقد وصل 3390 شخصاً في الدفعة السادسة، ضمن 60 حافلة، على أن ينقلوا إلى المراكز المؤقتة في ريف إدلب. وأوضحوا أن أعداد الواصلين من دمشق وريفها إلى إدلب تخطت حاجز 30 ألفاً الشهر الحالي، جميعهم من القطاع الأوسط وحرستا وحي القدم.

من جهتها، قالت وزارة الدفاع الروسية إنه تم حتى الآن نقل 11 ألفاً و478 مسلحاً، و20 ألفاً و437 من أفراد عائلاتهم، من عربين وزملكا وعين ترما وجوبر إلى إدلب منذ 24 مارس/ آذار الحالي، معلنة إخراج أكثر من 143 ألف شخص حتى الآن من الغوطة الشرقية، بينهم نحو 106 آلاف مدني و14 ألف مسلح، مع 23 ألفاً من أفراد عائلاتهم.

وقال سيرغي رودسكوي إن المركز الروسي لمصالحة أطراف النزاع في سورية، وبالتعاون مع النظام، يجري عملية إنسانية غير مسبوقة من حيث الحجم في الغوطة الشرقية. وزعم رودسكوي أن نحو 40 ألفاً من المدنيين عادوا إلى منازلهم في المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام في الغوطة، قائلاً إنه لا تجري أي أعمال قتالية هناك منذ 7 أيام. ويتحدث ناشطو إدلب عن ظروف إنسانية صعبة يعيشها المهجرون في ريف إدلب، في وقت تعمل فيه عشرات المنظمات على نقلهم وتوفير مساعدات إغاثية في المخيمات والمراكز المؤقتة التي يقطنونها.
في غضون ذلك، أعلنت سلطات النظام أنها افتتحت معبراً جديداً في مدينة زملكا للراغبين بالخروج باتجاه الشمال السوري، مشيرة إلى أن 25 حافلة دخلت إلى مدينة زملكا لتخفيف الضغط عن معبر مدينة عربين، حيث هناك أعداد كبيرة تنتظر الخروج وسط حالة من الفوضى والعشوائية بالصعود إلى الحافلات.

وتقول الأمم المتحدة إن سلطات النظام جمعت أكثر من خمسين ألف مدني في تسعة مراكز إيواء جماعية في ريف دمشق، مشددة على أن أي إخلاء للمدنيين "يجب أن يكون آمناً وطوعياً وإلى المكان الذي اختاروه". وقالت مصادر إن هذه المراكز أشبه بـ"أماكن احتجاز مؤقت" للشبان والرجال بين 16 و50 عاماً، لإتمام إجراءات "التسوية الأمنية"، قبل أن يُسمح لهم بالتوجه نحو مدينة دمشق، بينما سمح لمئات النساء والأطفال وكبار السن بالخروج إلى العاصمة، شرط وجود كفيل يقوم بإخراجهم من تلك المراكز، كنوع من الاستضافة، مع تثبيت عنوان سكن واضح وتقديم صور عن الأوراق الثبوتية الخاصة بالكفيل.