مهرجان صالح وحشود الحوثيين: لا مصالحة ولا حرباً

مهرجان صالح وحشود الحوثيين: لا مصالحة ولا حرباً

25 اغسطس 2017
حشد صالح وحزبه عشرات الآلاف (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
مرّت فعالية حزب "المؤتمر" الذي يترأسه علي عبدالله صالح، في العاصمة اليمنية صنعاء، أمس الخميس، من دون مفاجآت كبيرة كان المراقبون يتوقعون حصولها بسبب أجواء التصعيد غير المسبوق التي سبقت الفعالية بين الحزب وجماعة أنصار الله (الحوثيين). وعلى الرغم من المخاوف التي سادت قبل وأثناء التجمع الشعبي الحاشد في صنعاء، والتي عززها إقدام الحوثيين على تنظيم تجمعات مضادة لمسلحيهم في مداخل صنعاء، في خطوة كان الغرض منها مواجهة "تصعيد" صالح، إلا أن الأخير نجح في إيصال رسائله من دون تسجيل حادث يذكر. في الشكل ومضمون الخطابات الثلاثة التي ألقيت، يمكن القول إن العلاقة بين صالح والحوثيين لن تتجه لا نحو المصالحة ولا صوب الحرب، بل إنها قد تبقى بين المنزلتين إلى حين حصول تطور حقيقي في ما يقال، إنه تسوية يتم التحضير لها بين صالح من جهة، والإمارات والسعودية من جهة ثانية، لإعادة صياغة المشهد السياسي اليمني بشكل يكون فيه لصالح أو لحزبه عموماً، المكانة الرئيسية في صنعاء.

واتفقت تعليقات عديدة لناشطين محليين من المؤيدين للشرعية أو لحزب صالح، على وجود "خيبة أمل" من المهرجان الذي كثر الحديث حوله منذ أسابيع، إلى حد جعل الحوثيين يستنفرون على نحو غير مسبوق، كان من أبرز تجلياته الدعوة لاعتصامات لحشد مسلحيهم في مداخل صنعاء، للتلويح بإغلاقها أمام حشود حزب صالح الآتية من خارج العاصمة، أو الاستعداد لمواجهة مسلحة.

لكن خلافاً لذلك، مر الحشدان، مهرجان صالح في ميدان السبعين بصنعاء، وحشود الحوثيين في المداخل، من دون مواجهات مباشرة، على الرغم من إشكالات متعددة، كمنع الحوثيين لأنصار صالح في بعض المناطق من التوجه إلى صنعاء. وقالت مصادر قريبة من الطرفين لـ"العربي الجديد"، إن تفاهماً جرى، يوم الأربعاء الماضي، على تهدئة التوتر، وذلك عقب سلسلة الغارات الجوية لـ"التحالف العربي" بقيادة السعودية والإمارات، والتي استهدفت نقاط تفتيش ومواقع أخرى في مداخل العاصمة، وأدت إلى مصرع العشرات أغلبهم من المدنيين. وساهمت في التهدئة أيضاً وساطات تولتها شخصيات قبلية وقيادات تتمتع بدرجة من القبول لدى الطرفين. لكن الوضع بقي في حالة من الحذر، بدليل رفض الحوثيين إلغاء دعوتهم للاحتشاد بالمداخل، مع اتفاق الطرفين على تجنب أي احتكاك قد يؤدي إلى "شق الصف".

هكذا، سمحت التفاهمات الحذرة، يوم الأربعاء الماضي، بمرور المهرجان المُنتظر "بسلام"، وقد شاركت فيه حشود كبيرة من أنصار حزب صالح وعناصره في العاصمة والمحافظات الأخرى، بعد شهرين من الإعداد، بالإضافة إلى مشاركين من أوساط شعبية مختلفة، تحديداً من المتذمرين من الحوثيين. والسؤال الذي بات يفرض نفسه يتمثل في معرفة ما إذا كان حزب صالح قد أوصل رسائله التي يريد توجيهها من خلال المهرجان، وبعد التحضيرات والتطورات التي جعلت المهرجان محور أنظار اليمنيين، أم أنه خضع لشروط حلفائه الحوثيين لتجنب التصعيد والخروج بما يحفظ ماء الوجه؟

ووفقاً لمخرجات المهرجان، فأبرزها ورد في البيان الختامي الصادر عن الفعالية، والذي أعلن لأول مرة أن الحزب "عازم على تقييم مسار علاقات الشراكة والالتزام بأسس ومضامين" الاتفاق السياسي الموقع مع الحوثيين في 28 يوليو/تموز 2016، والذي بموجبه دخل الطرفان بشراكة رسمية في سلطة الأمر الواقع الانقلابية، في صنعاء، وهو الاتفاق الذي سبق وأن اتهم صالح الحوثيين بالإخلال بالالتزام به. وأضاف بيان حزب "المؤتمر" أن التقييم الذي عزم عليه الحزب يأتي بـ"ما يعزز قيام مؤسسات الدولة بدورها وفقاً للدستور والقوانين النافذة ويعزز الشراكة الحقيقية ويمنع أي تداخل أو تدخل في صلاحيات المؤسسات"، في إشارة إلى رفضه بقاء ما يُسمى بـ"اللجنة الثورية العليا"، وتدخلاتها في المؤسسات الحكومية الواقعة تحت سيطرة الطرفين، تحت مسمى "مشرفين"، وغير ذلك مما يعبر عن سلطة "الجماعة" التي تفرضها في مختلف الأجهزة الحكومية.

وإذا كان "البيان الختامي" حمل أبرز تلويح مباشر بمراجعة التحالف مع الحوثيين، فقد كانت الرسائل المجملة، موزعة أيضاً على خطاب صالح، وكذلك الأمين العام للحزب عارف الزوكا. وأجمعت الرسائل الثلاث على تجديد موقف الحزب الرافض للتدخل العسكري بقيادة السعودية، واعتباره "عدواناً" على اليمن، والتأكيد على شرعية مقاومته بالوسائل كافة، في مقابل الإعراب عن الاستعداد لـ"سلام مشرف" وليس استسلاماً، فضلاً عن توجيه اتهامات لـ"التحالف العربي" بالعمل على تقسيم اليمن وأن ذلك أمر يهدد بانتقال التقسيم لدول أخرى، وفق موقف حزب صالح.

وفي السياق، كان أبرز ما حملته كلمة صالح التي ألقاها من منصة ميدان السبعين، أمام الحشود، الإعلان عن استعداد حزبه، لـ"رفد الجبهات" (جبهات القتال مع قوات الشرعية والتحالف العربي)، بآلاف إلى عشرات الآلاف من الجنود، لكنه طالب الحكومة التي شكلّها طرفا الانقلاب في صنعاء، بتوفير "عتاد" لهم ودفع مرتباتهم، وهو تصريح أثار صدمة بعض المتابعين من أنصار الشرعية، الذين كانوا يأملون من صالح فك تحالفه مع الحوثيين، ليحصل العكس بالإعلان عن الاستعداد لدعم "الجبهات" بعشرات الآلاف من المقاتلين. وفسر آخرون التصريح نفسه، بأنه قد يحتمل في أحد أوجهه تصعيداً ضمنياً ضد الحوثيين، وليس العكس، باعتبار أن الخلافات بينهما انكشفت على نحو غير مسبوق، والحديث عن قدرته على رفد "الجبهات" بعشرات الآلاف من المقاتلين، قد يكون أيضاً رسالة للحوثيين بعدما أوصلوا الأسابيع الماضية، رسائل تهديد مباشرة وغير مباشرة إلى صالح، وشروعهم بحشد المقاتلين بمداخل العاصمة أمس الخميس.

وجاء القسم الثالث من رسائل مهرجان صالح للحوثيين ولـ"التحالف"، في كلمة الأمين العام لحزب "المؤتمر"، عارف الزوكا، الذي أكد أن الحزب وبقدر حرصه على الشراكة، فإنه أيضاً سيظل أكثر حرصاً على "تطبيق الدستور والالتزام بالأنظمة واللوائح في كل مرافق الدولة وسلطاتها وإعادة الاعتبار لكل مؤسسات الدولة"، في إشارة إلى رفض سلطات الحوثيين الثورية. كما أعلن الزوكا رفض الحزب للتعديلات التي يجريها الحوثيون على المناهج الدراسية، معتبراً أن الأمر يتعلق بـ"قضية وطنية" يجب التعامل معها من "دون أن يحاول طرف فرض رؤيته فيها"، وفق قوله.

وأياً تكن القراءات، بات من الواضح أن الطرفين استطاعا تجاوز مخاطر الانفجار خلال حشود صنعاء أمس الخميس. غير أن الواضح في المقابل هو أن الرسائل التي أوصلها مهرجان حزب صالح للحوثيين، تؤكد عمق الخلاف الذي قد يتطور من جديد إلى حافة مخاطر الصدام، إلا إذا نجحت الاتصالات في تكريس تفاهمات جديدة بين الطرفين أو أقله في تأجيل الأزمة مؤقتاً.

المساهمون