التمديد لـ"اليونيفيل": فرصة أميركية أخيرة؟

التمديد لـ"اليونيفيل": فرصة أميركية أخيرة؟

31 اغسطس 2019
يبلغ عديد قوات "اليونيفيل" نحو 10 آلاف جندي(حسين بيضون)
+ الخط -

قبل عام واحد، خاضت فرنسا مواجهة مع الولايات المتحدة في أروقة مجلس الأمن الدولي على خلفية ملف تمديد عمل قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل". تطابق المشهد مجدداً في العام الحالي، لكن الفارق أن الولايات المتحدة باتت تضغط لخفض عديد قوة "اليونيفيل"، في موقف يعكس النظرة الأميركية إلى فشل هذه القوة بمهامها، وبالتالي انتفاء الحاجة إليها. في أغسطس/آب من العام 2017 اتهمت المندوبة الأميركية نيكي هيلي صراحة قوة "اليونيفيل" بأنها لا تقوم بدورها، في منع ما وصفته بـ"الأنشطة غير الشرعية والإرهابية" لـ"حزب الله" في جنوب لبنان. اتهام دل بوضوح على اتجاهات السياسة الأميركية التي كانت في تلك المرحلة تضغط لتوسيع مهام "اليونيفيل"، لتصبح تحت الفصل السابع، ولتشمل المنافذ البرية والبحرية والجوية اللبنانية، لمنع تهريب السلاح إلى "حزب الله"، وهو الطرح الذي سقط لاحقاً، مع تأكيدات الحزب بأنه أدخل فعلياً كل ما يريد إدخاله إلى لبنان، في أحد تصريحات أمينه العام حسن نصرالله.

يلخص ذلك النظرة الأميركية إلى دور قوة "اليونيفيل" والجلسة الأخيرة لمجلس الأمن الدولي ليل الخميس-الجمعة، التي خلصت إلى تمديد مهام القوة، التي يبلغ عديدها نحو عشرة آلاف جندي، بالإجماع عاماً جديداً، وبتبني مشروع القرار الذي أعدته فرنسا. في الأسابيع الأخيرة، بدا بوضوح أن الولايات المتحدة في سياق النقاشات التي خاضتها مع فرنسا، تخلّت عن طلب توسيع صلاحية عمل "اليونيفيل" ليشمل المنافذ البرية والبحرية والجوية، بعد أن تيقنت أن المعركة لم تعد معركة منع تهريب الأسلحة. وبدا في الأشهر الأخيرة أن المعركة باتت، وإن عبر ضربات محددة لا حرب شاملة، تستهدف التصويب على قدرات إيران و"حزب الله"، في الغارات التي تشن على أهداف في سورية، وصولاً إلى لبنان، خصوصاً مع ترديد إسرائيل اتهاماتها المتعلقة بمصانع لتصنيع الأسلحة في الداخل اللبناني، والتي كررها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة في إبريل/نيسان الماضي، أو في حديث صحيفة "ذا تايمز" البريطانية أخيراً عن استهداف مخازن تطوير صواريخ عبر الطائرتين المسيّرتين اللتين أسقطتا في ضاحية بيروت الجنوبية، أو حتى في استهداف منطقة قوسايا الحدودية حيث أنفاق "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة"، والتي يقال إن الحزب يستخدمها لتهريب الأسلحة من سورية إلى لبنان.



وإن كان طلب توسيع صلاحيات عمل "اليونيفيل" عبر لبنان بات مستبعداً أميركياً وتالياً إسرائيلياً، وعلى الرغم من تسليم السياسة الأميركية وطبعاً الإسرائيلية، بالموقف الذي عبّرت عنه بوضوح هيلي قبل عامين، إلا أن الإدارة الأميركية يبدو أنها منحت هذه القوة فترة سماح جديدة، خصوصاً أنها وافقت على القرار الفرنسي، على مضض مدخلة تعديلات أساسية عليه. التعديل الأول هو الطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أن يجري قبل الأول من يونيو/حزيران من العام 2020 "تقييماً" لمهمة "اليونيفيل" وعديدها، وجاء هذا التعديل بعد أن طلبت واشنطن خفض عديد القوة إلى ما دون العشرة آلاف جندي.

التعديل الثاني متعلق بما أشار إليه القرار بأنه طلب أن يتاح للقوة الأممية الوصول "إلى كامل الخط الأزرق"، خصوصاً أن القوة واجهت صعاباً رئيسية عند أزمة الأنفاق الأخيرة التي قالت إسرائيل إنها تنتهك الخط الأزرق الفاصل بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك بسبب وقوع الأنفاق من الجهة اللبنانية في أراضٍ خاصة، وبالتالي لا يمكن لقوة "اليونيفيل" دخولها من دون إذن قضائي، إضافة إلى حوادث الاعتداءات المتكررة الأخيرة من قبل بعض الأهالي ضد جنود "اليونيفيل" والتي عقّدت حرية حركة القوة الدولية.

التعديل الثالث متعلق بتنبيه القرار من "انتهاكات وقف الأعمال القتالية"، مندداً "بكل انتهاكات الخط الأزرق سواء جوية أو برية"، داعياً بحزم جميع الأطراف إلى احترام وقف الأعمال القتالية. وعلى عكس بيان وزارة الخارجية اللبنانية الترحيبي، والذي اعتبر هذه الفقرة انتصاراً دبلوماسياً لبنانياً، إلا أنها تحدثت بوضوح عن "جميع الأطراف"، كما أنها أشارت إلى انتهاكات جوية وبرية عموماً، ولم تربطها بإسرائيل، خصوصاً أن هذه الصيغة جاءت كمخرج لطلب الولايات المتحدة التنديد بالأنفاق التي اتهمت إسرائيل "حزب الله" بحفرها. كما أن الإشارة إلى الأعمال القتالية، تتضمن تصويباً مباشراً على "حزب الله"، الذي اعترف أكثر من مرة على لسان نصرالله بتهريب الأسلحة من سورية إلى لبنان، إضافة إلى الحديث عن أن "الحالة في لبنان لا تزال تشكل خطراً يهدد السلام والأمن الدوليين". والتزاماً بالسياسة الأميركية الداعمة للدولة اللبنانية وللجيش اللبناني والتي ترى الولايات المتحدة أنها استراتيجية في مواجهة "حزب الله"، على الرغم من الاعتراضات الإسرائيلية، ودعوتها مراراً إلى اعتبار لبنان-الدولة مستهدفاً في أي حرب مقبلة، وتحميله مسؤولية نشاطات الحزب، إلا أن القرار رحب بـ"النشاطات المنسقة" بين "اليونيفيل" والجيش اللبناني.

وكما كل قرار، حضّ مجلس الأمن "جميع الأطراف على عدم توفير أي جهد للحفاظ على السلام، والتزام أقصى حد من الهدوء وضبط النفس والامتناع عن أي عمل أو خطاب من شأنه تقويض وقف الأعمال القتالية أو زعزعة استقرار المنطقة". وربما هي المرة الأولى التي يشير فيها قرار مجلس الأمن إلى الخطابات، في إشارة ضمنية إلى خطابات نصرالله.

مدد فعلياً لـ"اليونيفيل" لمدة عام، ولعل التوصيف الأدق لهذا التمديد، هو في قول مصدر نيابي لبناني على تواصل مع دوائر صنع القرار في واشنطن، إنه "فرصة أخيرة"، ليس فقط لـ"اليونيفيل" التي ترى الولايات المتحدة أنها لم تقم بواجبها، بل أيضاً للقرار الدولي رقم 1701 (المنبثق من العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006) الذي يبدو أن واشنطن باتت ترى فيه لزوم ما لا يلزم مع استمرار نشاطات "حزب الله".