الصين وإيران... شراكة استراتيجية بين قطبي طريق الحرير

الصين وإيران... شراكة استراتيجية بين قطبي طريق الحرير

24 يناير 2016
وقّع البلدان على عقودٍ بقيمة 600 مليار دولار(فرانس برس)
+ الخط -
تأتي زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى العاصمة الإيرانية طهران في وقت مناسب سياسياً واقتصادياً بالنسبة لإيران، فهو الرئيس الأول الذي يزور البلاد منذ الإعلان عن دخول اتفاقها النووي مع الغرب حيّز التنفيذ العملي، والذي سمح بإلغاء العقوبات الغربية التي فُرضت على البلاد خلال وقت سابق بسبب برنامجها النووي. كما تأتي الزيارة في وقت تتزاحم فيه الملفات السياسية الإقليمية، والتي تُعدّ طهران جزءاً لا يتجزأ من معادلاتها.

اجتمع بينغ مع المسؤولين الإيرانيين على أعلى المستويات، وقبل أن يلتقي بالمرشد علي خامنئي، ورئيس مجلس الأمن القومي علي شمخاني، كان للقاء المسؤول الصيني بنظيره الإيراني حسن روحاني الحصة الأكبر. وقد اجتمعا، أمس السبت، بعيداً عن الإعلام، ثم عادا والتقيا معاً بحضور مسؤولين إيرانيين آخرين في الحكومة، وأعضاء الوفد الذي رافق بينغ. وقد وقّع الطرفان 17 اتفاقية تعاون، تشمل قطاعات ومجالات عدة، ويبدو أنها ستفتح الباب عريضاً أمام الصين، لتطور علاقاتها الاقتصادية مع إيران، وهو ما سيؤسس لأرضية تعاون سياسي أوسع. بدا الأمر واضحاً من خلال تصريحات الرئيسين، الصادرة في مؤتمرهما الصحافي المشترك، إذ أعلنا عن "ضرورة تطوير التعاون الثنائي بما يصب لصالح كليهما، ولصالح أطراف أخرى في المنطقة".

وكان روحاني واضحاً حين قال إن "طهران وبكين ستتقاربان معاً، لبحث سيناريوهات تتعلق بالأوضاع الإقليمية والحرب على الإرهاب في المنطقة"، مشدداً على "تقارب المواقف السياسية بينهما". وذكر أن "حلّ أزمات الإقليم غير ممكنة إلا بالحوار وبطرح حلول دبلوماسية. ومن هذه القضايا ملف سورية والعراق واليمن".

واعتبر الرئيس الإيراني صراحة أن "الصين قادرة على طرح حلول بنّاءة لهذه المشكلات"، كما لم يتوانَ الرئيس الصيني في التأكيد على الدور الإيراني الإقليمي الذي وصفه بـ"البنّاء". ولفت إلى أن "بلاده سترفع مستوى التنسيق والتعاون مع طهران لإيجاد حلول لمشكلة الإرهاب".

لطالما أخذت الصين، كما روسيا، مواقف قريبة من المواقف الإيرانية، سواء في ما يخصّ قضايا طهران وحدها أو في ما يخصّ الموقف من قضايا المنطقة. وفي ما يتعلق بهذا الأمر رأى روحاني، أن "بكين وقفت لجانب طهران في الأيام الصعبة، وهو ما سيجعل الأولوية لها على كافة المستويات".

اقرأ أيضاً: إيران ترفض عقد اجتماع طارئ لأوبك لوقف نزيف النفط

في السياق النووي، أخذت الصين موقف الطرف الداعم لإيجاد حلّ دبلوماسي لأزمة برنامج طهران النووي طيلة السنوات العشر. موقف فُسّر على أنه يرتكز لمصالح صينية اقتصادية بحتة. ووفقاً للتصريحات الرسمية، باتت الصين شريك إيران الأول طيلة سنوات الحظر، واستمرت بشراء نفطها، وصدرت بضائعها بشكل كبير إلى أسواقها، واستطاعت أن تسند الاقتصاد الإيراني طيلة هذه السنوات.

وقد حصلت الصين على 25 في المائة من معدّلات التجارة الإيرانية، فضلاً عن 50 في المائة من مبيعات النفط والغاز الإيراني. وتجاوز حجم التبادل التجاري بينهما مبلغ 50 مليار دولار في عام 2014. فيما كان قبل عقد من هذا التاريخ أقل من هذا الرقم بكثير، ولم يتجاوز الـ500 مليون دولار حينها.

وخلال زيارة الرئيس الصيني وتوقيع اتفاقيات التعاون التجارية والاقتصادية وتلك المتعلقة بالنقل، فضلاً عن اتفاقية تفعيل طريق الحرير الذي يمرّ من البلدين، نقلت المواقع الرسمية الإيرانية أن الصين وإيران اتفقتا على رفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى 600 مليار دولار، خلال السنوات العشر المقبلة. وسيكون هذا كفيلاً بتطوير العلاقات السياسية بينهما، كون المصالح الاقتصادية ستصبح متقاطعة بشكل أكبر.

وتوقّع نائب غرفة التجارة المشتركة بين البلدين، مجيد رضا حريري، في حديثه لوكالة "مهر" الإيرانية، أن "تحصل الصين على حصة كبيرة من الاستثمارات الأجنبية في الداخل الإيراني، لا سيما مع إلغاء الحظر المفروض على البلاد بسبب النووي".

ولما كانت زيارة هذا المسؤول هي الأولى على هذا المستوى منذ إعلان إلغاء الحظر عن إيران، فقد قرأت هذه الخطوة على مستويات عدة، فالصين لا تريد أن تخسر شريكها الإيراني في ظل إصرار طهران على التوجه نحو الغرب أكثر، تحديداً مع استمرار التوتر مع الدول الجارة في المنطقة.

ويرى بعض المراقبين أن طهران تريد الاستفادة من هذه النية الصينية، فالبلاد غير قادرة على التقارب بشكل واضح مع الولايات المتحدة، والتي تحتلّ جزءاً كبيراً من الاقتصاد العالمي، ولكنها قادرة على مد يدها للصين ومصافحتها بإحكام، وهو ما سيجعل إيران تستفيد من شراكتها هذه على المستوى السياسي في الوقت ذاته.

فضلاً عن ملف محاربة الإرهاب في المنطقة، وتقارب المواقف من أهم القضايا الإقليمية وسورية، يبقى النووي ملفاً محورياً بالنسبة لإيران، على الرغم من التوصّل لاتفاق في 14 يوليو/تموز الماضي، والإعلان عن بدء تطبيقه منتصف شهر يناير/كانون الثاني الحالي.

ذلك لأن المسؤولين في البلاد يتحدثون عن ضرورة بناء اقتصاد بات يُسمّى بـ"الاقتصاد المقاوم" رغم إلغاء الحظر. وهو الاقتصاد القائم على تحقيق اكتفاء ذاتي، بزيادة حجم الصادرات مقابل خفض الواردات. والشريك الصيني قد يساعد إيران في هذه المعادلة، في ظلّ عدم وثوقها من نوايا الغرب، تحديداً الولايات المتحدة، والتي سارعت إلى فرض حظر جديد عليها فور الإعلان عن إلغاء العقوبات الاقتصادية، لكنه حظر يتعلق بمنظومتها الصاروخية.

من جهة ثانية، وبوجود التنازلات التي قدمتها إيران في الاتفاق النووي، تحتاج طهران لمن يساندها ويمدّها بما تحتاجه لاستئناف أنشطتها النووية من دون نقض الاتفاق، وعلى رأسها تغييرات مفاعل آراك. وقد أخرجت إيران أخيراً قلب المفاعل الذي ينتج البلوتونيوم، المادة التي تسمح بصنع سلاح نووي. وقد وقّعت إيران عقداً مع الصين لتصميم قلب مفاعل جديد، وهي تحتاج لعلاقاتها مع هذا الطرف لإتمام هذا البند.

كما تحتاج إيران لوقود نووي في مفاعلاتها، وقد أخرجت الفائض من الوقود ومن اليورانيوم العالي التخصيب من الأراضي الإيرانية بموجب الاتفاق النووي. ومن المفترض أن تؤمن لها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما تحتاجه مستقبلاً. لذا ستحاول إيران الحفاظ على علاقاتها مع الصين وإعطائها الحصة الأكبر من اقتصادها، فهي الطرف الذي سيقف معها أكثر من غيره من بين الدول الست الكبرى.

وبوجود كل هذه القضايا، يتوقع مراقبون المزيد من التعاون بين البلدين، ولما كانت الصين حائزة على معظم مؤشرات الاقتصاد الإيراني في زمن العقوبات، ستعمل على عدم خسارة حصصها، بل وإعطاء طهران المزيد من الامتيازات، وهو ما تدركه طهران، والتي تحتاج لحليفها الصيني اقتصادياً وسياسياً على حد سواء.

اقرأ أيضاً: الصين وإيران ترفعان التبادل التجاري إلى 600 مليار دولار