عملية سيناء تدخل شهرها الرابع: مراوحة محرجة للقاهرة

عملية سيناء تدخل شهرها الرابع: مراوحة محرجة للقاهرة

12 مايو 2018
تعتيم إعلامي شديد على خسائر الجيش (فرانس برس)
+ الخط -
دخلت العملية العسكرية الشاملة في سيناء شهرها الرابع على غير التوقعات والوعود التي أطلقتها القيادة المصرية، التي كانت تراهن على تحقيق النتائج المرجوة من العملية بالقضاء على تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، في غضون أسابيع قليلة. وتؤكّد الأحداث الميدانية أنّ العملية التي أطلقها الجيش المصري في 9 فبراير/ شباط الماضي، مستمرة، وقد لا تكون لها نهاية، في ظلّ عدم تحقيق إنجازات ملموسة وحقيقية في إنهاء وجود التنظيم الإرهابي، رغم انتهاء المهلة التي أعطاها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لقائد أركان الجيش، ثمّ طلب تمديدها منذ شهرين تقريباً، ورغم التنسيق المصري الإسرائيلي الواضح في هذا الشأن، ودخول طيران قوات الاحتلال على خط القصف في سيناء.

ميدانياً، لا يزال الجيش المصري يشنّ الحملات العسكرية على قرى ومدن رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد التي لا يسلم منها المدنيون، حيث قُتل وأصيب خمسة أطفال مصريين، مساء الخميس، إثر سقوط قذيفة مدفعية أطلقها الجيش المصري على منطقة "النقيزات"، جنوب مدينة رفح. وقالت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد"، إن القذيفة التي أطلقتها دبابة تابعة للجيش أدّت لمقتل طفلين وإصابة ثلاثة آخرين بجروح متفاوتة. كذلك، تتواصل خلال العملية عمليات الاعتقال في صفوف المواطنين، عدا عن هدم مئات المنازل، وجرف الأراضي الزراعية، فيما توقّفت العملية التعليمية بأكملها في سيناء، تزامناً مع إغلاق شامل للطرق المؤدية إلى المحافظة في الاتجاهين، منذ بدء العملية العسكرية الشاملة.

ومع مرور أكثر من ثلاثة أشهر على العملية، قال مصدر طبي في مستشفى العريش العسكري لـ"العربي الجديد"، إن "عدد قتلى قوات الأمن المصرية منذ بدء العملية العسكرية تجاوز حاجز المائة قتيل، غالبيتهم من قوات الجيش، وبينهم ما لا يقل عن 20 ضابطاً برتب مختلفة، عدا عن إصابة أكثر من 200 عسكري، معظمهم حوّلوا للعلاج في المستشفيات العسكرية خارج سيناء".

وأضاف المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن "حالة التعتيم الإعلامي على خسائر الجيش في العملية العسكرية الحالية، هي الأشدّ منذ بدء العمليات العسكرية في سيناء قبل خمس سنوات، إذ لا يمكن إعطاء أي طرف معلومات عن أي قتيل أو جريح حتى لو كان عائلته، فيما تعطى هذه المعلومات بشكل حصري لقيادة عمليات الجيش، التي ترسل إدارة المستشفى إليها التقارير بشكل فوري، نهاية كل يوم، أو عند انتهاء إجلاء خسائر أي هجوم تتعرّض له القوات العاملة على الأرض". وفي مقابل التعتيم على خسائرها، تركّز بيانات القوات المصرية على الخسائر الملحقة بـ"ولاية سيناء"، وقد أعلنت، الخميس، عن قتل 21 من عناصر التنظيم واعتقال 5 آخرين في العمليات العسكرية في سيناء، بالتعاون مع قوات الشرطة، على مدار الأيام الماضية. كذلك تحدّثت عن إحباطها محاولات لاختراق الحدود الغربية مع ليبيا، وعن تدمير 4 سيارات دفع رباعي، وضبط 13 سيارة أخرى محملة بكميات كبيرة من الأسلحة والذخائر.


وقبيل دخول العملية العسكرية شهرها الرابع، حاول الجيش المصري السيطرة على معاقل تنظيم "ولاية سيناء" جنوب مدينة رفح، والتي لطالما كان الجيش يخشى دخولها على مدار السنوات الخمس الماضية، في ظلّ تمركز مجموعات عسكرية في تلك المناطق، عدا عن الجغرافيا الصعبة التي تتميّز بها، ما يصعّب على قوات الجيش عمليات اقتحامها، حيث إنّ الحال فيها ليس كحال بقية القرى والمدن التي اعتاد الجيش أن يداهم المنازل والمزارع فيها.

وفي هذا السياق، قالت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد"، إن الجيش المصري حشد قوات كبيرة من تلك المتمركزة في معسكراته ومناطق تواجده التي استحدثها منذ بدء العملية العسكرية، في اتجاه قرى جنوب مدينة رفح، حيث مناطق البرث والنقيزات والمهدية والكيلو 21 ونجع شيبانه وغيرها، والتي تتواجد فيها مجموعات من التنظيم منذ سنوات، حيث يتحركون بأريحية في ظلّ عدم وصول قوات الجيش إلى داخلها بسهولة، كما بقية أحياء مدينة رفح قبل هدمها، أو قرى مدينة الشيخ زويد.

وأضافت المصادر ذاتها أنّ "التحركات الميدانية للجيش المصري يرافقها تحليق لطائرات حربية إسرائيلية بدون طيار، وفق تأكيدات شهود عيان من سكان المناطق الجنوبية لرفح"، ما يشير إلى وجود تنسيق عالي المستوى بين قيادة الجيش المصري والجيش الإسرائيلي الذي يرابط على مقربة من مناطق تحرك الجيش المصري على الحدود.

وتأكيداً على ما سبق، أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أخيراً، بأنه "جرى إبلاغ سكان مستوطنات غلاف غزة، خصوصاً سكان المجلس الإقليمي "أشكول"، عن حدوث قصف عنيف في المناطق الجنوبية، نتيجة نشاط للجيش المصري في منطقة المثلث الحدودي، وما سيصاحبها من أصوات انفجارات متكررة". كذلك، ذكرت القناة "14" العبرية، أنّ "دبابات مصرية عدة تمركزت في المثلث الحدودي بين إسرائيل ومصر وغزة، وتم إبلاغ مجلس أشكول بنشاط واسع النطاق في المنطقة".

ومع بداية العملية العسكرية في سيناء، كشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، عن وجود تنسيق كبير بين الجيش المصري وسلطات الاحتلال الإسرائيلي. ولفتت المصادر إلى أنّ "الجانب الإسرائيلي كان يرفض، في أوقات سابقة، إمداد الجيش المصري بمعلومات تفصيلية عن تحركات المسلحين، ومناطق تمركزهم، خصوصاً أن الاحتلال يتابع بشكل يومي تطورات الأوضاع في سيناء، منذ بداية النشاط الكبير للجماعات المسلحة قبل بضع سنوات، من خلال نشر جواسيس في سيناء، فضلاً عن الرصد الجوي لتحركات المسلحين".

وبات وضع القيادة المصرية محرجاً، داخلياً وخارجياً، في ظلّ عدم تحقيق أي نتائج حقيقية على الأرض جراء العملية العسكرية الحالية. وفي هذا السياق، قال باحث في شؤون سيناء، في مقابلة مع "العربي الجديد"، إن الجيش المصري "تورّط في العملية العسكرية الشاملة التي يخوضها منذ ثلاثة أشهر كاملة في سيناء، إذ إنه بات مطالباً أمام الجمهور المصري بأن ينهي وجود الإرهاب بشكل كامل، كما روّج السيسي في خطاباته الأخيرة. كما أنه مطالبٌ أمام الجمهور السياسي الغربي بتحقيق إنجازات ملموسة، بعد الصمت المطبق حيال الانتهاكات التي يتعرّض لها مئات آلاف المصريين في سيناء، مع استمرار فرض حالة الحصار القائمة عليهم"، فضلاً عن سياسة العقاب الجماعي والانتهاكات التي يرتكبها أفراد من الجيش بحق أهالي سيناء، والتي تجلّت أخيراً من خلال مقطع فيديو مسرب أذاعته قناة "الشرق" يظهر فيه من وصفته القناة بأنه "جندي مصري" يصفّي طفلاً وسط سيناء، وهو ما أثار غضباً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأضاف الباحث، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أنّ "الحالة السياسية الإقليمية تتطلّب حسماً عسكرياً من قبل الجيش المصري، وإلا ستصطفّ قضية سيناء ووجود الإرهاب فيها إلى جوار المعارك العسكرية العالقة في المنطقة، كسورية واليمن وليبيا، وهذا من شأنه أن يؤثّر على موقف مصر أمام الدول الداعمة لها، كالسعودية والإمارات، كأن يجري التقليل من قدرات المؤسسة العسكرية المصرية، عدا عن التأثير المباشر لفشل الجيش المصري في سيناء على ملف سد النهضة، والاتحاد السوداني الإثيوبي في مواجهة النظام المصري". واعتبر الباحث أنّ "عدم إعلان الجيش المصري إنهاء العملية العسكرية هو في حدّ ذاته إعلان للفشل الذريع في القضاء على مجموعات عسكرية لا يتجاوز عددها الألفين في أقصى تقدير، في مقابل عشرات الآلاف من القوات العسكرية ذات القدرات العالية، من الوحدات الخاصة والبحرية المصرية، فضلاً عن الحشودات العسكرية البرية والجوية والبحرية الضخمة، التي جرى تحضيرها على مدار أسابيع قبل بدء العملية العسكرية الشاملة".

المساهمون