قنفودة... مأساة إنسانية في بنغازي تحت نير حرب حفتر

قنفودة... مأساة إنسانية في بنغازي تحت نير حرب حفتر

18 نوفمبر 2016
قوات حفتر تحاصر الحيّ (فرانس برس)
+ الخط -
لا تزال أكثر من 150 أسرة عالقة داخل حي قنفودة، غرب بنغازي، شرق ليبيا، منذ أكثر من ستة أشهر، على وقع الغارات والقصف الجوي. ومن لم يمت منهم جراء نيران طيران اللواء خليفة حفتر، مات بسبب نقص الدواء أو الغذاء. وتحاصر القوات التابعة للواء خليفة حفتر، حي قنفودة السكني، منذ أكثر من ستة أشهر جواً وبراً، بعد أن تمكنت من السيطرة على أغلب أحياء المدينة، وحصر وجود مقاتلي مجلس شورى المدينة في أحياء عدة. وعلى الرغم من النداءات المحلية والدولية المطالبة بفتح ممر آمن لسكان المنطقة، إلا أن قيادة حفتر، لا تزال تصرّ على خلوّها من مدنيين، معتبرة أن "من بداخلها هم إرهابيون يجب قتلهم". وحتى مساء يوم الأحد الماضي، نفّذت مقاتلات تابعة لحفتر غارات جوية عدة على المنطقة، وبسبب انقطاع الاتصالات، لا يُعرف، حتى الآن، حجم قتلى الغارات والقصف المدفعي، الذي لم يتوقف على الأرض.

وفي مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تمكن وفد تابع للبعثة الأممية لدى ليبيا، من عقد اجتماع مع مسؤولين تابعين لقوات اللواء حفتر، في قاعدة الأبرق، شرق البلاد، وذلك في مسعى لتشكيل لجنة مشتركة من أجل إخراج العائلات العالقة في المنطقة. لكن الاتفاق الذي أُبرم مع قادة قوات حفتر، ورئيس المجلس البلدي لبنغازي الموالي لحفتر، لم يُبصر النور حتى الآن. ولا تعكس تصريحات عوض البرغثي، أحد القيادات الفاعلة في قوات حفتر، والمشارك في اللقاء، أي نية لتنفيذ الاتفاق، الذي يقضي بوقف إطلاق النار وفتح ممر آمن للأسر العالقة.

في هذا الإطار، يعتبر البرغثي أن "الجماعات الإرهابية" (وصف قوات حفتر لمجلس شورى المدينة)، حاولت استخدام العائلات العالقة في منطقة قنفودة، في بنغازي، كورقة ضغط على الجيش (قوات حفتر)"، لكن اللافت في هذه التصريحات اعتراف جانب حفتر بوجود أسر عالقة داخل الحي.

كما يشترط المتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، للسماح بخروج الأطفال والنساء وعدم اعتبارهم أسرى حرب، بـ"الإبقاء على الرجال، باعتبارهم من المقاتلين ضمن قوات مجلس الشورى"، متوعداً بـ"سحق ما تبقّى منهم باستهداف مناطق تواجدهم".

وتتهم قوات حفتر مقاتلي مجلس شورى المدينة، باستهداف مدنيين متظاهرين في ساحة الكيش، وسط بنغازي، وقصف أحياء سكنية أخرى، على الرغم من عدم موافقتها على مطالب نواب بالبرلمان، بضرورة فتح تحقيق في هذه الحوادث، التي راح ضحيتها عشرات من المدنيين.


ويسيطر مجلس شورى المدينة على مناطق أخرى، بالإضافة لقنفودة، مثل حي القوارشة والصابري وسوق الحوت، التي اعترف حفتر، سابقاً أنها "لم تعد صالحة للسكن بسبب تحولها إلى ركام من الإسمنت". كما أن قادة قوات حفتر لم يخفوا استهدافهم تلك المناطق، وكثيراً ما يعلنون في تصريحات صحافية أو عبر وسائل إعلامهم، تنفيذ مقاتلاهم الجوية ومدفعيتهم لقصف مستمر على هذه الأحياء حتى بعد اعترافهم بوجود مدنيين عالقين. بدورها، تنوّه السلطات السودانية إلى أن "خمسة من رعاياها، وهم من أسرة واحدة، قُتلوا في قصف جوي داخل منطقة قنفودة في سبتمبر الماضي"، وأنها "تسعى حثيثاً من أجل إخراج 85 مواطناً سودانياً كانت أسرهم تعيش بالمنطقة قبل محاصرتهم". وجاءت التصريحات السودانية بعد إعلان منظمة العفو الدولية عن مقتل الأشخاص الخمسة في تقريرها في سبتمبر.

وأعربت المنظمة في حينه عن "تنامي مخاوفها إزاء مئات المدنيين، بينهم عشرات الأطفال الذين يجدون أنفسهم محاصرين في أحياء ببنغازي، التي تدور فيها معارك عنيفة بعد أشهر عدة تحت الحصار العسكري". وذكرت أن "الكثير من المدنيين يخشون مغادرة منازلهم خشية التعرض لأذى، بسبب ازدياد الغارات الجوية واقتراب الاشتباكات من الأماكن السكنية"، داعية إلى "ضرورة احترام قانون حقوق الإنسان الدولي والسماح بالوصول غير المشروط إلى المدنيين المحاصرين، لإمدادهم بالإغاثة اللازمة". وقد جمعت المنظمة شهادات من عائلات ليبية ومئات من الرعايا الأجانب الذين حوصروا لأشهر في قنفودة، بعد إقفال كافة الطرق المؤدية للمنطقة، ما أدى إلى قطع إمدادات المواد الغذائية والمياه والكهرباء.

في هذا السياق، ترى نائب مدير برنامج "شمال أفريقيا والشرق الأوسط" في منظمة العفو الدولية، ماغدالينا المغربي، أن "الوقت ينفد بالنسبة للمدنيين في قنفودة، الذين تركوا ليموتوا محاصرين بسبب القتال. وذلك في وقتٍ يستمر القصف بالقنابل والقذائف، والمدنيون يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة على المواد الغذائية الفاسدة والمياه القذرة". وتكشف أن "المرضى والجرحى يكافحون مع الأدوية منتهية الصلاحية وتضاؤل الإمدادات الطبية".

وتضيف المغربي أن "تنفيذ الضربات الجوية بطريقة تتجاهل وجودهم، يشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، ويتعين على الذين ينفذون مثل هذه الهجمات، اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتفادي، أو على الأقل، تقليص إلحاق الضرر، إلى أدنى حد ممكن، بالأشخاص الذين لا يشاركون في القتال بشكل مباشر".

كما تنقل عن أحد الناجين من الحصار، وهو من سكان المنطقة، قوله إن "الأطفال يبدون كالهيكل العظمي بسبب نقص الغذاء وسوء التغذية، وسيكون من الجيد لو أنهم فقط يرمون لنا ببعض الطعام أو يقومون بإخراج الأطفال فقط، وتركنا نحن الكبار هنا". ويكشف أن "صلاحية الطحين والأرز والزيت المتاح انتهت، ونحن نطهو الطعام في عربة مليئة بالفحم لعدم توفر غاز الطهو لدينا".

وعن أسرته: "في منزلي ثمانية أسر، من بينهم 23 طفلاً هم في أمس الحاجة للمساعدة من أجل الخروج"، مضيفاً أن "الحليب لا يتوفر للأطفال ولذلك أقوم بملء الزجاجات بالماء وخداعهم حتى يعتقدوا أنه حليب". وينوّه إلى أن "سيدات وضعن مواليدهن في المنازل من دون توفر حاجيات أطفالهن أو لوازم طبية مما يجعل هؤلاء الأطفال عرضة للموت في أي لحظة".

ولخصت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، الوضع في المنطقة المذكورة بالقول إن السكان "يعيشون في خوف دائم من الضربات الجوية وليس لديهم إمكانية الوصول إلى المواد الغذائية الطازجة منذ أشهر، ولا يحصلون على الرعاية الطبية باستثناء طبيب واحد مع إمكانيات محدودة، ومياه شرب محدودة، فضلاً عن انقطاع الكهرباء منذ أشهر عدة".