"العربي الجديد" على محاور قتال الفلوجة: الأمر لـ"غرفة سليماني"

"العربي الجديد" على محاور قتال الفلوجة: الأمر لـ"غرفة سليماني"

07 يونيو 2016
معدّات الجيش بخدمة "غرفة سليماني" (العربي الجديد)
+ الخط -
بعد ثوانٍ من تلقيه أوامر تحريك قواته باتجاه معمل العوازل الحرارية الواقع في منطقة النعيمية جنوب مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار لدعم القطعات العسكرية هناك، لا يجد العميد غانم الزيدي بداً من طرح السؤال الكلاسيكي مع كل قرار يتلقاه هو أو أي من قادة الوحدات العسكرية الأخرى في الجيش: "من أين صدر الأمر؟".

تُرجع قيادات عسكرية عراقية تأخر الحسم في معركة الفلوجة ضد تنظيم "داعش"، على الرغم من دخول المعركة أسبوعها الثالث على التوالي والفارق الكبير في أعداد القوات المهاجمة للمدينة والترسانة العسكرية التي أعدت للمعركة، إلى أسباب كثيرة من بينها تعدد مصادر القرار العسكري وتضارب الصلاحيات ووجود أكثر من غرفة عمليات والتنافس بين الفصائل والتشكيلات على تجيير النصر لصالحها في المعركة التي تعرف بعمليات "كسر الإرهاب" وفقاً للتسمية الحكومية، أو عمليات "15 شعبان" بحسب الوصف الذي تستخدمه المليشيات.

وتسعى الحكومة العراقية إلى إبراز غرفة العمليات المشتركة، بقيادة الفريق عبد الوهاب الساعدي والواقعة في قاعدة المزرعة على بعد 7 كيلومترات من الفلوجة شرقاً، باعتبارها القيادة الوحيدة للمعركة منذ انطلاقها. ويُجبر الصحافيون الأجانب على وجه التحديد ومنظمات حقوقية على زيارتها، إلا أن القيادة الحقيقية في مكان ثانٍ تماماً، منها تصدر أوامر الهجوم والانسحاب والقصف الصاروخي والجميع خاضع لها، بحسب ما تكشفه قيادات عسكرية عراقية بارزة لـ"العربي الجديد".



قيادتان للمعركة

ووفقاً لضابط رفيع في قيادة الفرقة الأولى بالجيش العراقي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن "المعركة بقيادتين؛ الأولى يرأسها الفريق عبد الوهاب الساعدي ويظهر كل مرّة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي منها متحدثاً عن محاور القتال وقرب تحقيق النصر. وتتألف من الجيش النظامي والشرطة المحلية والصحوات العشائرية". ويصف الضابط هذه الغرفة بأنها "قيادة عديمة الإرادة أمام الغرفة الثانية التي تتألف من مليشيات الحشد بواقع 21 فصيلاً، أبرزها مليشيات الخراساني وحزب الله وبدر والعصائب وجند الإمام وسرايا عاشوراء والأبدال والنجباء، ويضاف إليها جهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية وقوات الحرس الثوري". ويلفت الضابط إلى أن هذه الغرفة، التي تتخذ من منطقة معارض السيارات الثقيلة جنوب شرق الفلوجة (على بعد 5 كيلومترات) مقراً لها هي من تقود المعارك ولا يمكن للساعدي أن يعارض أي قرار تتخذه.

وعلى خلاف غرفة العمليات الرسمية والتشكيلات التابعة لها، فإن فصائل الحشد الشعبي، والحرس الثوري، وجهاز مكافحة الإرهاب الذي أسسه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والذي يدين بالولاء المطلق له، فضلاً عن الشرطة الاتحادية التي شكلت عقب قرار دمج الجماعات المسلحة في أجهزة الأمن في العام 2006، تتبع جميعاً الغرفة الثانية بقيادة قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وعضوية مساعد سليماني، الجنرال الإيراني محمد باكبور، وكل من قائدي الحشد الشعبي هادي العامري وأبو مهدي المهندس.

ويصف ضابط في الجيش العراقي تلك القيادات الأربع بأنها هي من تقود المعركة الحقيقية من غرفة الظل، أو ما باتت تعرف لاحقاً بين الجنود وأفراد المليشيات باسم "غرفة سليماني". ويقول الضابط نفسه إنّ "قادة الجيش أضعف من أن يعترضوا على قرار للحاج سليماني أو أي من الآخرين الثلاثة، وهؤلاء يحركون وحدات الجيش ويعطونها أوامر بالتقدم أو الانسحاب دون العودة إلى عبد الوهاب الساعدي قائد عمليات الفلوجة". كما يلفت إلى أن "معدات الجيش مستباحة، يستخدمونها متى ما رغبوا دون إذن من أحد"، على حد قوله. ويكشف الضابط نفسه عن استقالة سبعة ضباط من الجيش على خلفية ما سمّاه "المهزلة في قيادة معركة الفلوجة واكتساء المعركة طابعاً طائفياً". ويوضح أن الضباط السبعة هم كل من العقيد الركن فوزي طالب الكروي، والعقيد الركن محمد ماجد المكصوصي، والعقيد فيصل حسين الأحبابي، والمقدم ليث كمال الربيعي، واللواء خميس حميد العسافي، والملازم علاء كاظم الرفاعي، فضلاً عن مدير استخبارات اللواء الرابع، العقيد سلام الطائي، بعد تعرضه للضرب من أحد أفراد حزب الله على خلفية سرقة المليشيات جهاز تحديد مواقع فضائيا من قوات الجيش.

وتمكنت "العربي الجديد" من التواصل هاتفياً مع أحد الضباط السبعة المنسحبين من المعركة، ليؤكد أن خطوته جاءت بسبب "الغلاف الذي اكتسبته المعركة وإدارتها واحتراماً لتاريخي العسكري"، على حد قوله. ويقول الضابط نفسه، من محل سكنه في محافظة المثنى جنوب العراق، لــ"العربي الجديد" إنه "طلب نقله الى أي معركة أخرى يديرها الجيش العراقي".


4 محاور للقتال

يتركز القتال حالياً، وفقاً لمراسل "العربي الجديد" الذي يرافق قوات الجيش على مشارف الفلوجة، في أربعة محاور رئيسية أولها محور الشمال وينقسم إلى إثنين؛ منطقة السجر ومنطقة الصقلاوية وهما بلدتان تابعتان للفلوجة. أما المحور الجنوبي فينقسم إلى ثلاثة محاور هي محور النعيمية، ومحور الجامعة، ومحور سد الفلوجة على نهر الفرات. في غضون ذلك، يعد محورا الشرق والغرب الأقل سخونة. من الغرب يوجد منطقتا الحلابسة والفلاحات وهما منطقتان ريفيتان يفصلهما عن الفلوجة نهر الفرات وبساتين واسعة من النخيل تقدر بأكثر من 10 كيلومترات.

أما من الشرق، فيمثل الطريق الدولي السريع عقدة كبيرة لدى القوات المهاجمة بسبب الكمائن والفخاخ الموزعة، فضلاً عن انتشار مقاتلي "داعش" فيه، وفقا لأسلوب "القتال الأفغاني" (حفر صغيرة طولية تكفي لشخص واحد محصنة من القصف الصاروخي والجوي).

ولا ينكر قائد الفوج الثاني في اللواء الرابع بالجيش العراقي، العقيد خليل السعيدي، المتواجد جنوب الفلوجة دور "غرفة سليماني" بالمعركة غير أنه يرجع ذلك الى ما يصفه "سوء فهم في معرفة دور كل جهة بالمعركة". ويوضح السعيدي في حديث لـ"العربي الجديد" أن "المشاكل التي رافقت العملية يمكن أن تكون تجربة جيدة في المعارك الأخرى وفي مدن أخرى، وما يجري اليوم من تضارب في الأوامر بين جهة وأخرى أمر طبيعي"، على حد قوله. ورداً على سؤال عن نوع التضارب، يقول السعيدي إن "الحاج (أي سليماني) يرى أشياء بناء على خبرته في العراق وسورية وينصح بها، والبعض يعتبرها أوامر على الرغم من أنه شدد أكثر من مرة على أنه ينصح فقط وأنه مساعد لهم لا أكثر"، على حد وصفه.

في المقابل، يقول سعد العيساوي، أحد قادة فصيل الضياغم، وهو فصيل عشائري مساند للجيش في قتال "داعش" ويتواجد جنوب الفلوجة، إن "سليماني له صلاحيات تفوق صلاحيات وزير الدفاع بل وحتى رئيس الوزراء حيدر العبادي نفسه". ويضيف "أمر العبادي بإقالة الفريق عبد الوهاب الساعدي من منصبه بسبب انتهاكات المليشيات وجرائم الإعدام الجماعي وعدم قدرته على ضبط جميع القوات تحت أمره، لكن بعد ساعات ألغى سليماني القرار". ويشير العيساوي إلى "مغادرة عدد غير قليل من المقاتلين السنة من أبناء العشائر القتال بسبب طائفية المعركة"، على حد وصفه. ويقول "كنا نأمل أن يكرر داعش انسحابه من الفلوجة كما فعل في الرطبة وهيت من قبل، لكن مشاركة الحرس الثوري والمليشيات الطائفية أغلقت أي باب أمل لذلك". ويعتبر العيساوي أن "السبب الرئيس لرفع واشنطن يدها من المعارك وإيقاف دعمها للجيش هو تصرفات المليشيات وتواجد الحرس الثوري". ويشير إلى أنه أبلغ "العبادي بذلك، والأخير يراهن الآن على النصر بدون غطاء أميركي وبدعم إيراني أسوة بمعركة جرف الصخر العام الماضي".


انتهاكات المليشيات

ونشرت محطات تلفزة عربية وأجنبية في وقت سابق من الأسبوع الماضي تسجيلات مصورة مسربة لقيادات في مليشيات الحشد الشعبي، توعد بعضهم بحرق ما وصفه "البشر والحجر فيها" وآخرين قالوا "سنحول مساجدها إلى نواد، بحسب ما أظهرت التسجيلات. كما أظهرت عشرات الصور لسليماني في محيط الفلوجة، ويتبين في بعضها أنه يستقل عربات أميركية من طراز همر وفي بعضها الآخر يتحدث مع قادة كبار بالجيش العراقي. وأقرّ العبادي، يوم الأحد الماضي، بارتكاب المليشيات لما وصفه بـ"انتهاكات رافقت الهجوم على مدينة الفلوجة". وقال العبادي، في بيان مقتضب بثّته قناة العراقيّة الرسميّة، إنّ "هناك أخطاء ارتكبت في معارك الفلوجة، وأنا اعترف بها"، مضيفاً "لدينا مقاتلون شاركوا في معارك الفلوجة وليسوا من نمط واحد". ولفت العبادي إلى أنه "أمر بملاحقة المتهمين بقتل وارتكاب انتهاكات أخرى بحق المدنيين وتقديمهم للعدالة".

من جهته، لم يتردّد رئيس البرلمان العراقي، سليم الجبوري، في مطالبة العبادي بتعقب التجاوزات التي ارتكبها أفراد في جهاز الشرطة الاتحادية وبعض المتطوعين وأدت الى انتهاكات بحق مدنيين ضمن عمليات تحرير الفلوجة. ووفقاً لاتهامات عدد من السياسيين العراقيين وزعماء عشائر، "تحاول مليشيات الحشد الشعبي استغلال فرصة معركة الفلوجة لتنفيذ أجندتها الخاصة، والتي تركز على ارتكاب الانتهاكات بحق أبناء المنطقة"، على حد وصفهم. وجاءت مشاركة المليشيات في المعركة على الرغم من التحذيرات التي أطلقها سياسيون ومنظمات إنسانية وأخرى دوليّة من خطورة اشتراكها في هذه المعركة.

وفي السياق، ترى مصادر سياسية عراقية أن اعتراف العبادي بانتهاكات المليشيات جاء عقب تهديد زعماء العشائر بالانسحاب من معركة الفلوجة بسبب اكتسابها طابعاً طائفياً ومشاركة الحرس الثوري الإيراني فيها. ويقول عضو جبهة الحراك الشعبي العراقي، محمد عبد الله، لـ"العربي الجديد" إن "الجرائم باتت مفضوحة والعبادي أقل من أن يتمكن من التكتم عليها وصور الإعدامات الميدانية في كل مكان". ويعرب عن اعتقاده أنّ "الرأي العام ووسائل الإعلام العربية والدولية هي من شكلت هذا الضغط بعد تناولها المجازر التي ارتكتبت"، أما الإعلام المحلي العراقي "فغائب لأنه إما يخشى الحديث عن الانتهاكات أو يتغاضى عنها لاعتبارات بعضها سياسي وبعضها الآخر مادي"، على حد قوله.