أزمات جبهة القوى الاشتراكية في الجزائر: عوامل حزبية وسياسية

أزمات جبهة القوى الاشتراكية في الجزائر: عوامل حزبية تنظيمية وأخرى سياسية

05 نوفمبر 2018
تدهور وضع الجبهة منذ وفاة آيت أحمد(فاروق باطيش/فرانس برس)
+ الخط -


دخل حزب جبهة القوى الاشتراكية في الجزائر، سلسلة من الأزمات الداخلية، التي أدت إلى استقالة أو استبعاد مجموعة من الكوادر، ما أثر بشكل كبير على الأداء السياسي للحزب الذي كان في التسعينيات وما بعدها قاطرة المعارضة السياسية في الجزائر، والقوة السياسية المعارضة الأولى في البلاد. فالجبهة التي تأسست عام 1963، أي بعد عام على استقلال الجزائر، هي أقدم حزب معارض في البلاد، وقادت أول تمرد مسلح على السلطة في تاريخ الجزائر.

في شهر مايو/أيار الماضي قدم عدد من قادة الحزب استقالتهم من الهيئة القيادية للحزب المعارض، ما اضطر الحزب إلى عقد مؤتمر طارئ لإعادة تنظيم صفوفه. وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قررت قيادة الحزب إقصاء القيادية في الحزب، النائبة سلمية غزالي، وهي إعلامية سابقة عملت مستشارة خاصة للزعيم التاريخي للحزب الراحل حسين آيت أحمد، نهائياً من الحزب. كما أُبعد الرئيس السابق لكتلة الحزب في البرلمان شافع بوعيش، من صفوف الحزب لمدة أربعة أشهر، بسبب خلافات سياسية حادة.

لكن ذلك لم ينه الأزمة الداخلية، إذ أعلنت قبل أيام مجموعة من كوادر الحزب الانسحاب منه في سياق مأزق تنظيمي بدأ منذ ما قبل رحيل الزعيم الثوري، المؤسس التاريخي للحزب حسين آيت أحمد في ديسمبر/كانون الأول 2015. مع العلم أن جبهة القوى الاشتراكية التي تتبنى خط الديمقراطية الاشتراكية والدولة المدنية، هي من أكثر الأحزاب السياسية المعارضة في البلاد تأثيراً، والقوة التي تزعج السلطة بشكل لافت في الداخل والخارج، بسبب طرحها السياسي وميلها إلى الشرعية ورفضها انقلاب الجيش عام 1992، فضلاً عن قوة تمثيلها في منطقة القبائل، الدينامو السياسي المحرك للشارع في الجزائر. كما تتبنى الجبهة عدداً من الملفات والقضايا كقضية الإخفاء القسري في التسعينيات والمطالبة بالتحقيق في المجازر. كما شاركت في مؤتمر المعارضة في الخارج عامي 1994 و1995، بالإضافة إلى صلتها بالمنظمات الدولية العاملة في مجال الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان. وعليه، أنتج الحزب مجموعة كوادر سياسية بارزة تصدرت المشهد السياسي وتصدت لطروحات السلطة وأحزاب الموالاة.

لكن الحزب بدأ منذ عام 2008 في خسارة جزء من رصيده السياسي بسبب سلسلة استقالات لكوادره البارزة، فانسحبت في تلك الفترة "مجموعة الثمانية"، وهي مجموعة من خيرة الكوادر السياسية، بينها النائب السابق عن الحزب محمد أرزقي فراد. وتوالت الاستقالات من الحزب في وقت لاحق، وعمق إعلان الزعيم حسين آيت أحمد في عام 2014 انسحابه من الحزب بسبب السن، ثم وفاته في ديسمبر 2015، من أزمة الحزب. وظهر صراع على الخلافة، ما أصاب الحزب بشلل سياسي وتراجع لافت لدوره في المشهد السياسي.

في هذا السياق، رأى النائب السابق عن الحزب نبيل سوامي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "تقلص نشاط الحزب وتراجع دوره السياسي يعود إلى أسباب عدة وعوامل داخلية وخارجية، بينها غياب الديمقراطية والانتخابات النزيهة في البلاد. وهذا عامل جمّد عند الأحزاب السياسية ارتقاء إطاراتها، لأنه في ظل نظام ديمقراطي فقط ترتقي إطارات الأحزاب نحو المؤسسات الدستورية للدولة. وبهذا الشكل يلتحق جيل جديد داخل الأحزاب تدريجياً بالمراكز العليا بداخله، وهذا ليس واقع الحال في الجزائر". واعتبر أن "مشاركة الحزب في المواعيد الانتخاببة وفي غياب المناضلين الفعليين سمح للانتهازيين بالوصول إلى مراكز متقدمة داخل الحزب، ما أضعف الأداء الحزبي جلياً".



لكن سوامي الذي وجد نفسه خارج الحزب قبل سنوات طرح أيضاً عوامل تاريخية لها علاقة بالمسار السياسي، وأبدى اعتقاده بأنها "ساهمت في وصول الحزب إلى وضعه الحالي". وقال "في عام 1963 عند نشأة الحزب، التحق بالحزب مجاهدون أغلبهم كانوا معارضين للنظام التسلطي لأحمد بن بلة، وأغلبهم من القبائل، لكن بعد سجن أيت أحمد وهروبه بعدها نحو سويسرا، تجمّد نشاط الحزب حتى الربيع الأمازيغي في إبريل/نيسان 1980 وفي عام 1985 التحق عدد من المناضلين الحقوقيين ومناضلي الحركة البربرية بصفوف الحزب، لكن الالتحاق بصفوف الحزب لم يكن على أساس برنامج سياسي واضح".

وبعد إقرار دستور عام 1989، طالب بعض الحزب الزعيم حسين آيت أحمد باعتماد الحزب وهيكلته في الداخل، وعرف الحزب انتعاشاً بالتحاق مناضلين جدد، ليسوا من جيل الثورة ولا من كوادر الحركة البربرية (حركة تطالب بالحقوق الثقافية للأمازيغ). وحاول المناضلون الجدد إعادة هيكلة الحزب عبر الوطن وصياغة برنامج سياسي معاصر، لكن التطورات المتسارعة في الجزائر ودوامة العنف التي دخلت فيها البلاد لم تتح ذلك. ولم يرَ حسين آيت أحمد جدوى في ذلك، لأنه كان يعتقد أن الجهد الأساسي يجب أن ينصب في إيجاد حل سياسي سلمي للبلاد. كما أنه لم يكن مؤمناً بالمسار المقترح من السلطة في إعادة بناء مؤسسات الدولة.

وعليه رأى سوامي أن "طبيعة شخصية أيت أحمد وتفرده بالزعامة وفي الاختيارات الكبرى للحزب، أثرا سلبياً على الجبهة، فوجد العديد من قياديي الحزب نفسه مهمشاً أو مقصياً، وهذا سبب مؤسس لهشاشة الحزب"، مضيفاً أنه "تاريخياً فإن جبهة القوى الاشتراكية عرف منذ نشأته إقصاءات وتهميشا لقيادييه؛ مصير عرفه في السابق عبد الحفيظ ياحا، الهاشمي نايت جودي وسعيد خليل ومجموعته وطارق ميرة وكوادر المهجر، وعبد السلام علي راشدي والنواب الثمانية وآخرون لاحقاً".

قبل عام 2015، حصل أحمد بطاطاش على منصب السكرتير الأول للحزب، وهو أول سكرتير شاب في تاريخ الحزب، لكنه قدم استقالته بعد ذلك، معلناً الانسحاب من الحزب. وقال في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "أسباب تراجع الأداء السياسي للحزب تعود إلى عوامل داخلية وخارجية، فهناك عوامل متعلقة بالسلطة التي عملت على تفكيك الحزب وتقليص حيويته السياسية. وأعتقد أن هذا ليس موجها بالضرورة ضد الجبهة، بل ضد كل ما هو سياسي في البلاد، إذ لم تنج أحزاب ومؤسسات السلطة من ذلك. وهناك عوامل داخلية تتعلق بإخفاق جبهة القوى الاشتراكية في إيجاد وسائل وسبل للنضال السياسي خارج تلك الأطر المرسومة من طرف السلطة، لذا أصبح من دون أن يدري جزءا من النظام".

بقدر ما تتحسر أطراف سياسية معارضة على الوضع الذي آل إليه جبهة القوى الاشتراكية، بقدر ما يعتبر متابعون للشأن السياسي أن الساحة الجزائرية تفتقد إلى الحيوية السياسية التي كان يمثلها هذا الحزب في التسعينيات.
وأشار المحلل السياسي حسان واعلي، إلى أن "الحزب عرف تراجعاً في التأثير السياسي وتقلصاً في حضوره حتى في معقله التاريخي في منطقة الأمازيغ في شمال البلاد في عهد زعيمه التاريخي حسين آيت أحمد"، مبدياً اعتقاده في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "الحزب كان من بين التنظيمات السياسية المستهدفة من طرف السلطة الحاكمة في ظل صعوبة ممارسة العمل السياسي والنضالي في الجزائر، ثم في عدم قدرة الحزب على استيعاب التناقضات الداخلية، التي كانت دوماً تفضي إلى إقصاء كوادر ذات صيت لدى القواعد النضالية".

ولفت إلى أن "الحزب شهد منذ عام 1990 ما يقارب سبع أزمات كبيرة أدت الى إقصاء الكوادر، إضافة إلى مواقفه السياسية المتذبذبة وتحوله نسبياً إلى مهادنة السلطة والتخلي عن الخط السياسي التاريخي. ما تجلّى أيضاً في تبنيه مبادرة سياسية (الإجماع الوطني) غير واضحة المعالم والأهداف. وتزامن هذا مع ظهور بروفايل جديد لقيادته السياسية، غير متمرسة وغير متمكنة وغالبها غير معروف حتى عند المناضلين".