الجزائر: فصل جديد من حروب الذاكرة بين رفاق الثورة

الجزائر: فصل جديد من حروب الذاكرة بين رفاق الثورة

09 نوفمبر 2015
صورة أرشيفية لاحتفالات ذكرى الثورة في عام 1963(جان تسير/getty)
+ الخط -
لم تبح ثورة التحرير الجزائرية، وأحداث سياسية وتاريخية لاحقة مرتبطة بالمسار السياسي للجزائر، بكل أسرارها حتى الآن؛ فلا يزال في جعبة قادتها والفاعلين والكوادر الذين كانوا على صلة بالأحداث الساخنة، تفاصيل تُكشف منذ سنوات للرأي العام على شكل مذكرات مثيرة للجدل، أخذت شكل حرب الأوراق بين رفاق السلاح والحكم، كان آخر فصولها ما دار بين القيادي في مجموعة 22 عمار بن عودة، ووزير الدفاع السابق خالد نزار، من سجال واتهامات متبادلة.

اقرأ أيضاً: حروب الذاكرة لا تنتهي في الجزائر

خلال السنوات الأخيرة، وبعد عودة الأمن والاستقرار السياسي إلى البلاد، برزت موجة من المذكرات السياسية والتاريخية، لشخصيات سياسية لعبت أدواراً مفصلية، في محطات ومسارات مختلفة من تاريخ الجزائر، سواء  في ثورة التحرير بين عامي 1954 و1962، أو بعد استقلال البلاد، والعقود التي تلت ذلك في مرحلة بناء الدولة في السبعينيات والثمانينيات، إضافة الى مذكرات تتصل بالأزمة الأمنية التي عصفت بالجزائر عام 1992.

غير أن الجدل حول بعض هذه المذكرات والأوراق التاريخية، التي تُكشف تباعاً، لا ينتهي عند شقه التاريخي، بل يتحول أحياناً الى المحاكم، مثلما حدث بعد إصدار رئيس المجلس الأعلى للدولة سابقاً الراحل علي كافي لمذكراته في عام 2006. وتعرّض كافي في هذه المذكرات لما يعرف بقضية الجنرالات الفارين من الجيش الفرنسي، والذين التحقوا بجيش التحرير الجزائري قبل عام 1962، وأبرزهم وزير الدفاع السابق خالد نزار.

واتهمهم بلعب دور محوري في استمرار المصالح الفرنسية في الجزائر. ودفعت هذه الاتهامات بالجنرال نزار إلى رفع قضية أمام المحكمة، التي أصدرت أمراً بسحب أوراق من الكتاب تخص هذه القضية، إضافة إلى قضية اغتيال القيادي الثوري عبان رمضان من قبل رفاقه في الثورة، إذ برر كافي اغتياله بمحاولته عقد تسوية سياسية مع فرنسا خارج إرادة  الهيئات القيادية للثورة.

 ليست قضية اغتيال عبان رمضان وحدها التي لاتزال تثير الجدل السياسي والتاريخي. بل اغتيال شخصيات أخرى كالقياديين سي الحواس (أحمد بن عبد الرزاق حمودة) والعقيد عميروش (عميروش آيت حمودة)، وقضايا أخرى ذات صلة بالعلاقات الخارجية للهيئات القيادية لثورة التحرير والدور المصري.

ويستعر هذا الجدال عشية احتفال البلاد بذكرى ثورة التحرير في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري. وكانت آخر جولة منه بين القيادي في مجموعة 22 عمار بن عودة، ووزير الدفاع السابق خالد نزار، بعد كشف بن عودة ما قال إنه حقائق تاريخية عن طرد الرئيس الراحل هواري بومدين لنزار من الجيش، بسبب علاقته بالسفاح الفرنسي مارسيل بيجار، المعروف عنه شدّة تعذيبه للجزائريين خلال ثورة التحرير من الاستعمار الفرنسي. ولم يتأخر ردّ نزار على هذه الاتهامات، عبر توجيه اتهامات مضادة لبن عودة، بالتخلي عن كميات كبيرة من السلاح كانت مودعة في مخازن خاصة بجبهة التحرير الجزائرية في مصر.

ويعلق المؤرخ الجزائري محمد أرزقي فراد، على الجدل السياسي والتاريخي الدائر بين قيادات وكوادر ثورة  التحرير بأنه يكشف بأيدي صانعي التاريخ حقائق ومعلومات، أو ينفي ويصحح بعض التفاصيل، التي كانت حتى وقت قريب جزءاً من الحقيقة الرسمية التي اشتغل النظام على تكريسها كرواية وحيدة للأحداث التاريخية السالفة. 

من جهته، رأى الناشط محمد بن عطية أن "المذكرات  التاريخية الأخيرة مهمة جداً، لجهة سردها للوقائع التاريخية وكشفها عن بعض الجوانب المخفية، غير أنها في الوقت نفسه تصنع بعض القلق  السياسي والفتنة أحياناً من حيث التحليل والتبرير لتلك الوقائع، باعتبار أن النظام الجزائري المستند إلى الكتمان والسرية والانغلاق، لم يكن يود التطرق الى كثير من المحطات التي يدرك أنها تثير أسئلة عميقة حول الروايات الرسمية للتاريخ. 

وبغض النظر عن القضايا والمحطات التي تتطرق إليها سلسلة المذكرات الصادرة في الفترة الأخيرة في الجزائر، ومدى موضوعيتها، فإن اللافت هو أن هذه الظاهرة أتاحت الكشف عن جزء مهم من التاريخ المخفي لمسار متلاطم في مسيرة البلاد. كما أنها زودت المكتبات والأرشيف بمعلومات مهمة ستتيح للباحثين التقرب بموضوعية من الأحداث التي هم بصدد معالجتها. غير أن مراقبين يعتقدون أن ورود هذه المذكرات خارج سياقها الزمني، وفي  ظل تجدد دائم لسؤال المشروعية والشرعية الملازم للسلطة الحاكمة يفجر جملة من الأسئلة حول الواقع السياسي الذي انتهت إليه البلاد، والمستند أساساً إلى قواعد أرستها منظومات الحكم التي أمسكت بزمام البلاد منذ الستينيات.

اقرأ أيضاً: ذكرى "ربيع الأمازيغ" الجزائري: ما له وما عليه

المساهمون