​تونس: جلسة الـ20 ساعة البرلمانية تهدّد الائتلاف الحكومي

​تونس: جلسة الـ20 ساعة البرلمانية تهدّد الائتلاف الحكومي

05 يونيو 2020
شهدت الجلسة نقاشات سياسية حامية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

قد يكون يوما أول من أمس الأربعاء، وأمس الخميس، من أهم أيام المجلس النيابي التونسي منذ انتخابه في الخريف الماضي، بعد جلسة ماراتونية بدأت عند الساعة العاشرة من صباح الأربعاء وانتهت عند السادسة من صباح أمس بالتوقيت المحلي. لـ20 ساعة متتالية ناقش النواب ملفات سياسية في اختبار كبير للتجربة التونسية، مع عكسها تداعيات مهمة على المشهد الداخلي. وتخلّل الجلسة سقوط لائحة تقدمت بها كتلة "الحزب الدستوري الحر" لرفض التدخل الأجنبي في ليبيا، بعد فشلها في الحصول على أغلبية 109 أصوات، ورغم رضوخها لطلب إدخال تعديلات جوهرية على مقترحها الأصلي إلا أنها فشلت في نيل الأغلبية. وقوبلت اللائحة التي تحمل عنوان "إعلان رفض البرلمان للتدخل الخارجي في الشقيقة ليبيا ومناهضته لتشكيل قاعدة لوجستية داخل التراب التونسي قصد تسهيل تنفيذ هذا التدخل"، برفض غالبية الكتل. ورغم الإجماع على مبدأ رفض التدخل الخارجي في الشأن الليبي ورفض جعل تونس منصة أو قاعدة لذلك، إلا أن غالبية الكتل عبرت عن رفضها ذكر اسمي دولتين صديقتين لتونس في هذه اللائحة، الأمر الذي اعتبره برلمانيون محاولات لضرب علاقات تونس الدبلوماسية. وعن هذا الأمر، قال رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، إنه أثبت أن "الخيار الديمقراطي قوي في تونس وقادر على هزم المشروع الفوضوي".

جلسة الـ20 ساعة بالنسبة للمحلل السياسي عبد المنعم المؤدب، كشفت مكانة الديمقراطية التونسية التي جعلت دول الشرق الأوسط الكبير وبلدان الجوار مشرئبة نحوها، حتى أن دولاً سخّرت موازنات لبث الجلسة والتسويق لها في الفضائيات وبتمويل مواقع التواصل الاجتماعي. وأشار المؤدب في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن تونس "برهنت منذ الثورة أنها بانفراد تجربتها الديمقراطية، تصنع الفارق العربي من دون تحريك دبابات أو ضخ الأموال فجعلت من صوتها مؤثراً، لا في الجوار الليبي بحكم القرب الجغرافي فقط، بل في قضايا عربية وإقليمية ودولية أيضاً".

وأضاف أنه "على الرغم من أن اللائحة المرفوضة وغيرها من اللوائح لا تعدو أن تكون سوى موقف سياسي غير ملزم، إلا أن مناقشات مجلس النواب التونسي تخطت بيانات أصدرتها برلمانات وحكومات مجاورة ما زالت تتخبط في أتون الديكتاتورية ولم تتجاوز منطق التعليمات العسكرية ولم تتذوق بعد حلاوة الديمقراطية".

وحول تأثير الاصطفافات في البرلمان على العلاقات السياسية الداخلية في البلاد وعلى التحالفات، داخل الائتلاف الحكومي وخارجه، اعتبر المؤدب أن المشهد السياسي "لن يختلف كثيراً بعد إسقاط اللائحة عما قبله، ما دام الفاعلون السياسيون أنفسهم متمسكون بالخيارات والخلفيات نفسها، فجلسة اللائحة لم تكن سوى محطة أخرى في تسجيل نقاط سياسية في مرمى الخصوم، غير أن ارتداداتها ستكون أقوى على الكتلة الديمقراطية (تضم حركة الشعب والتيار الديمقراطي في الائتلاف الحكومي)". ورأى المؤدب أن هذه الجلسة ستساهم في تقسيم الائتلاف الحكومي المقسم أصلاً بفعل الاختلافات الجوهرية، مشيراً إلى أن النهضة ستزداد تعنتاً لأنها تعتبر أنها كسبت الجولة وسترفع من سقف الحذر والتحوط إلى أعلى المنازل من شركاء الحكم قبل الخصوم.

وقدّر المتحدث أن "النهضة، باعتبارها الضلع الأكبر في الحكومة، تعرف جيداً مكونات المشهد وتقدّر حسابات الجميع، فهي لا تأمن جانب حزب قلب تونس الذي سبق وانقلب وانحاز إلى تحيا تونس لإسقاط مشروع ولادة حكومة الحبيب الجملي، غير أن إكراهات المرحلة تجعل من الانقلاب أقلّ خطورة وأقرب للمهادنة السياسية". وتوقع أن "تكون ارتدادات الجلسة على الحكومة بعيدة المدى لا آنية، فما حدث بالأمس هو انعكاس لما عاشته تونس خلال الانتخابات برصّ أحزاب ما يسمّى بحماة الثورة، في خانة حركة النهضة والتيار الديمقراطي والكرامة، في مقابل جماعة العهد القديم من أصحاب المرجعية الدستورية أو فلول النظام السابق".

وشدّد المؤدب على أن "الدستوري الحر يظنّ أنه كسب جولته بجرّ النهضة إلى خانة إسقاط رفض التدخل العسكري في ليبيا، إلى جانب توحيده للعائلة المدنية، غير أن هذا الطرح بعيد المنال في مجموعات برلمانية متحركة، تتغير مواقفها بحسب ثقافة الربح السياسي القائمة غير المنتمية إلى فكر متأصل".



من جهته، اعتبر رئيس الكتلة الديمقراطية في مجلس النواب هشام العجبوني، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "المشهد السياسي في تونس غير مستقر، وكل حزب يسعى إلى التفكير في تموضعه في المشهد، وكان بالإمكان التعامل مع اللائحة التي طُرحت لضرب النهضة، ولكن التيار الديمقراطي يؤكد أن لا موقف أيديولوجياً له ضدها رغم انتقاده الشديد لها". وأشار إلى أنهم في الكتلة الديمقراطية "لا يهتمون بمرجعية النهضة الإسلامية بل هناك دستور في 2014 وقوانين ونظام داخلي ودولة ومؤسسات، وهو ما يجمعنا بالنهضة وباقي الأحزاب".

وأوضح العجبوني أنّ "الخط السياسي للتيار الديمقراطي واضح، ولا تحكمه ولا تسيره رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، التي تحاول جر الأحزاب إلى معاركها"، مشدّداً على أنه لا يجب الانخراط في الهستيريا الجماعية التي تقودها بعض الأحزاب من أجل تدعيم شعبيتها. وعن الائتلاف الحكومي، رأى أنه ستكون هناك تداعيات، باعتبار أن كتلتي "تحيا تونس" و"الإصلاح" صوتتا للائحة وهما في صلب الائتلاف الحكومي. وأوضح أن التيار الديمقراطي لا يمكن أن يتماهى مع أي اصطفاف ولا مع المواقف غير المنسجمة، وهو مع الموقف الرسمي التونسي الذي ينصّ على رفض أي تدخل أجنبي مهما كان، مؤكداً أنه تم اقتراح عدم ذكر الأطراف المتدخلة في ليبيا أو ذكرها جميعاً، ولكن هدف رئيسة الحزب الحر الدستوري، عبير موسي، هو تكريس الاستقطاب الثنائي ضد النهضة. وقال "التيار يرفض الخضوع لضغط موسي أو غيرها وسيختار معاركه وزمان خوضها".

من جانبه، اعتبر القيادي في "حركة النهضة" أسامة الصغير، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "هناك نوعاً من التذبذب في المشهد السياسي منذ الانتخابات الأخيرة (خريف العام الماضي)، سببه القانون الانتخابي الذي أفرز برلماناً مشتتاً". وكشف أنه في العمل البرلماني تختلف المواقف عن المشاريع الحكومية، وما حصل في جلسة الـ20 ساعة هو محاولة لاستدراج تونس ضمن محاور الصراع في ليبيا، مؤكداً أن هذه المحاولة باءت بالفشل، وبالتالي يجب تركيز المسار في إطار دعم الحكومة، خصوصاً أن تمرير لائحة بهذا الشكل كان سيضعها في مأزق حقيقي.

وأشار الصغير إلى أن "أحزاب الائتلاف الحكومي ستوقع بعد بضعة أيام على وثيقة التضامن الحكومي، لتنطلق دراسة المراسيم وتمريرها لمجلس نواب الشعب"، مؤكداً أنّ "تصويت أحزاب من مكونات الائتلاف الحكومي على اللائحة، سيضع الحكومة في حرج". وحول مطالبة "النهضة" بإشراك "قلب تونس" في الحكومة، قال الصغير إن "القضية لا تتعلق بموقف قلب تونس الذي طالب بدوره في الجلسة الأخيرة بتعديل اللائحة كي لا تضم أي اتهامات لأي بلد"، موضحاً أن "مطلب النهضة توسيع الائتلاف الحكومي يعود إلى 2011، فقد سبق أن أفادت بأن تونس بحاجة إلى حكومة بأغلبية واسعة، لأن الصعوبات ليست في ديمقراطية مستقرة وذات أغلبية فنحن ما زلنا في ديمقراطية ناشئة وظروف صعبة، وبالتالي إن إنجاح التجربة الديمقراطية وتمرير القوانين والقيام بالإصلاحات المناسبة يتطلب توسيع الائتلاف الحكومي". وقال إن "دعم قلب تونس للائحة لا يخلو من اصطفاف رغم التعديل الحاصل عليها، والموقف ليس في مصلحة تونس ولا يخلو من مضرة لها، وهو ضد موقف قلب تونس الذي صرح بأنه لن يصوت للائحة فيها اصطفاف".



المساهمون