حمص... عاصمة الثورة السورية تقاوم الموت والحصار

حمص... عاصمة الثورة السورية تقاوم الموت والحصار

21 مارس 2016
عادت التظاهرات إلى شوارع حمص أخيراً (محمود طه/فرانس برس)
+ الخط -
كان واضحاً منذ الأسابيع الأولى للثورة السورية التي دخلت عامها السادس، أخيراً، أنّ مدينة حمص (وسط سورية)، حسمت أمرها بعد أكثر من 40 عاماً عمل خلالها نظام الأسد (الأب والابن) على تحطيم إرادة السوريين بالخوف والترهيب، وقرّرت المضي في الثورة، وكانت مستعدة لدفع الثمن مهما كان قاسياً.

حمص التي يُعرف أهلها بطيب معشرهم وخفّة الظل، تعد أكبر محافظة سورية بالمساحة، والثالثة من حيث المكانة والأهمية بعد دمشق عاصمة البلاد السياسية، وحلب عاصمتها الاقتصادية. كما تُعدّ حمص الأولى لجهة المساحة والموقع الاستراتيجي، إذ تمتد على أكثر من 33 ألف كيلومتر مربع وتتوسط سورية، لتشكل عقدة مواصلات تربط البلاد من جهاتها الأربع.

تدّرجت مطالب أهل حمص من إسقاط محافظ المدينة، إياد غزال، الذي كان أحد أذرع الرئيس السوري بشار الأسد، إلى إسقاط النظام ورئيسه، خصوصاً بعدما أعطى الأخير أوامره للأجهزة الأمنية بالقتل، وهو ما تجسد في اعتصام ساحة الحرية بالمجزرة التي عُرفت بـ"مجزرة الساعة" وسط حمص، في 18 إبريل/نيسان 2011. حصدت آلة قمع النظام المتمثلة بالأجهزة الأمنية والشبيحة أرواح أكثر من مائتي متظاهر كانوا معتصمين في ميدان الساعة الشهير.

مجزرة دخلت ذاكرة المدينة التي يضم ثراها جثمان أشهر القادة العسكريين في التاريخ الإسلامي، والفاتحين الأوائل، خالد بن الوليد، وهي تُعرف عند السوريين بـ"مدينة الوليد". تبدّل كل شيء في حمص إثر تلك المجزرة الرهيبة. أشعلت المجزرة ثورة في كل أحياء حمص، من بابا عمرو، والخالدية، والبياضة، إلى باب السباع، وسواها من الأحياء التي انتفضت كل يوم جمعة بصغارها وكبارها، لتبدأ بعدها سلسلة مجازر داخل المدينة، وفي مدن وبلدات ريفها. حاول النظام تطويق الثورة في حمص التي تميزت بالتنظيم والحضور الجماهيري الكثيف في التظاهرات، وهو ما أربكه، فاعتمد على أحياء موالية على أطرافها، للقيام بقمع المتظاهرين.

عندما شعر النظام أنّ أهم المدن السورية بدأت تخرج عن سيطرته، شنّ عليها حملة عسكرية غير مسبوقة لم تستثن حتى مسجد خالد بن الوليد، ما أدى إلى محو أحياء كاملة، وخصوصاً القديمة، عن الوجود. وحاصر قسماً من حمص مدة طويلة، حتى اضطر من بقي فيها من مدنيين وثائرين، إلى توقيع اتفاق قضى بخروجهم منها في مايو/أيار عام 2014. في ذلك الوقت، ظهرت الإشارة الأولى إلى أنّ النظام قرّر تفريغ حمص من أهلها.

اقرأ أيضاً سورية: خمس سنوات من القتل والتدمير والاعتقال بالأرقام

وعندما بدأت تخرج أحياء في المدينة، ومدن، وبلدات في ريفَيها الشمالي والغربي عن سيطرة النظام، أوعز إلى قواته وحلفائها بارتكاب المجازر. حدثت مجزرة سهل الحولة منتصف عام 2012، إذ قضى أكثر من مائة مدني معظمهم من الأطفال، ذبحاً بالسواطير. كما قام حزب الله اللبناني بالسيطرة على مدينة القصير وريفها (غرب حمص)، إذ هجّر أهلها بشكل شبه كامل، بعد تدمير المدينة ومحيطها.

"لم تعد حمص عاصمة الثورة.. لم تعد عاصمة الفرح والبساطة"، يقول الكاتب، المعارض من مدينة حمص، عماد غليون. ويضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "حمص الآن مدينة تحت احتلال قوات النظام والمليشيات التابعة له. أحياؤها القديمة مدمرة بالكامل، وسكانها بين مهجّر ونازح، ولاجئ". ويتابع غليون، "لا حياة في حمص القديمة، لا شيء هناك إلا الخراب.  ساحاتها لا تزال تشهد على ذكريات أيام ثورية رائعة لن تتكرر". ويشير المعارض ذاته إلى أن أحياء حمص الجديدة، بما فيها حي الوعر "يحاصرها النظام ومليشياته منذ أكثر من عامين. وتفتقد للخدمات الإنسانية الأساسية، وعدد سكانها في تناقص مستمر، فيما باقي أحياء المدينة تخضع لسيطرة النظام، ومن تبقّى من سكانها يعيشون ظروفاً صعبة".

ويلفت غليون إلى أنّ النظام قام بعمليات تغيير ديمغرافي واسعة في حمص وريفها، إذ سعى على مدى سنوات إلى إفراغها من أهلها، مشيراً إلى أن أهل ريفَيها الغربي والجنوب غربي مهجرون، والريف الشمالي محاصر، إذ يعاني المدنيون في الرستن، وتلبيسة، وسهل الحولة من أوضاع كارثية". ويوضح أنّ حمص وريفها كانا يضمان أكثر من مليون وسبع مائة ألف نسمة. "غادر نصفهم قسراً، وهم اليوم موزعون في سورية وخارجها، وخصوصاً في دول الجوار، حيث يشكّل أهل حمص النسبة الكبرى من اللاجئين السوريين في لبنان.

ويقول الكاتب ذاته إنّ بعض المراقبين أوضحوا مراراً أنّ النظام عمل خلال سنوات عدة على تحضير حمص للخطة (باء)، والتي تقضي بتقسيم سورية، وإعلان دويلة طائفية من ضمنها حمص وريفها الغربي. ويشير إلى أن النظام لتحقيق هذا الهدف، "ارتكب كل أنواع الجرائم لقمع الثورة في حمص"، على حدّ تعبيره. ويرى غليون أنّ "حمص التي كانت في قلب الثورة السورية منذ أيامها الأولى، نسيها الجميع، ولم تعد تتذكرها المعارضة السورية نفسها، إذ لا يوجد تمثيل لحمص في هيئات المعارضة يتناسب ودورها في الثورة". حمص التي اشتهرت بالناشط عبد الباسط الساروت الذي كان يقود تظاهراتها السلمية ويغني لسورية، اقتطع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مساحات كبيرة من ريفها الشرقي حيث "لؤلؤة الصحراء" مدينة تدمر. حمص، كما يصفها غليون، "وحيدة وحزينة في ذكرى الثورة".

اقرأ أيضاً: حواجز النظام تتحكم بـ100 ألف محاصر في ريف حمص