الشرطة الفرنسية تتظاهر ضد الاحتجاجات الشعبية: "من يقتل من؟"

الشرطة الفرنسية تتظاهر ضد الاحتجاجات الشعبية: "من يقتل من؟"

12 يونيو 2020
جانب من احتجاجات الشرطة الفرنسية (توماس سامسون/ فرانس برس)
+ الخط -

خرق رجال الشرطة الفرنسية، اليوم الجمعة، قرار حظر التجمعات في فرنسا بسبب جائحة كورونا، منددين بالتظاهرات التي خرجت مؤخراً ضدهم في أنحاء البلاد، وبقرار وزير الداخلية كريستوف كاستانير حظر "تقييد الرقبة خلال الاعتقال"، حاملين لافتات كتب عليها "من يقتل من؟"، وفيها رسومات لرجال شرطة أصيبوا خلال عمليات قاموا بها لإلقاء القبض "على أشخاص مطلوبين".
وعبر رجال الشرطة من وسط جادة الشانزليزيه عن استيائهم من قرارات وزير الداخلية الأخيرة، التي جاءت استجابة لضغط شعبي كبير عبر تظاهرات نددت بعنف الشرطة الفرنسية واتهمتها بالعنصرية والانتقائية في التعامل مع المشتبه بهم.

وبدأت التظاهرة في أجواء ماطرة من أمام قوس النصر، حيث أغلقت سيارات الشرطة تلك الساحة وسار المحتجون باتجاه جادة الشانزليزيه، ورفعوا لافتات كتب عليها "لا شرطة، لا سلام"، رداً على الشعار الذي بات يلف فرنسا مؤخراً ويحمله المحتجون ضد الشرطة "لا عدالة، لا سلام".
وطالب عناصر الشرطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باستقبالهم والتحدث إليهم، وسط ما قالوا إنه مناخ من "الكراهية ضد الشرطة". وقال الأمين العام لتحالف نقابات الشرطة في فرنسا فابيان فانملريتش، أمام وسائل الإعلام، إن "الزملاء لا يمكنهم تحمل المزيد بعد الآن.. الشرطة لم تكن يوماً فوق القانون في فرنسا، لكن لا يجب أيضاً أن تكون تحت القانون إلى هذا الحد"، ودعا "الرئيس ماكرون لدعم الشرطة واحترامها والنظر إلى ما يوجه إليهم من تهم".
ويأتي هذه التحرك غداة لقاء جمع نقابات الشرطة مع وزير الداخلية كريستوف كاستانير أمس الخميس في مقر وزارة الداخلية، حيث سعى الوزير إلى تهدئة غضب الشرطة، لكن يبدو أن الاجتماع لم يسر كما خطط له كاستانير. وأوردت وسائل إعلام فرنسية أن الاجتماع كان عاصفاً، في حين نظم عدد من رجال الشرطة عقبه وقفة احتجاجية رموا خلالها أصفادهم في الشارع احتجاجاً على ما أسموه "تخلي وزارة الداخلية عن الشرطة، وتحيّز وزير الداخلية ضدهم".


وقال فانملريتش عن اجتماعهم مع وزير الداخلية "أبلغناه (كاستانير) بضرورة الكف عن شراء السلم الاجتماعي... حيث نتملق شريحة معينة من السكان على حساب الشرطة، الشرطة ليست مسؤولة عن كافة شرور المجتمع"، في إشارة إلى الاتهامات الموجهة للشرطة باتباع سلوك عنصري في المناطق التي يقطنها مهاجرون أو فرنسيون من أصول أجنبية.


الأمين العام لنقابة ضباط الشرطة، باتريس ريبيرو، انتقد التصريحات التي صدرت عن وزير الداخلية، رغم اتهامه هو الآخر بأنه متحيز للشرطة ومدافع شرس عن عملياتها، برغم كل الفيديوهات التي تنتشر مؤخراً للانتهاكات التي يمارسها العناصر أثناء عمليات التوقيف. وقال ريبيرو إن "تصريحات وزير الداخلية حول احتمال وجود تصرفات عنصرية في صفوف رجال الشرطة هو اعتراف منه وتبنٍّ لتلك الاتهامات".
وأضاف "تصريحات كاستانير هي بمثابة ضربة قوية في الكبد بالنسبة لنا. هناك توافق في المواقف بين جميع نقابات الشرطة"، فيما قال الأمين العام لنقابة مفتشي الشرطة دافيد لوبار، إنهم "منزعجون كثيرا من تصريحات وزير الداخلية. إنهم يشعرون بأن سلطات البلاد تخلت عنهم وتنصلت منهم".


ويعد هذا الجهاز إحدى أهم المؤسسات الأمنية وأكثرها حساسية في فرنسا. وكانوا قد نفّذوا إضراباً أواخر عام 2018 احتجاجاً على ساعات عملهم الطويلة أمام مواجهة حركة "السترات الصفراء"، وطالبوا بتحسين أجورهم خلال فترة شهدت فيها فرنسا احتجاجات واسعة من قبل النقابات العمالية، الأمر الذي أجبر الحكومة على الاستجابة لطلبات الشرطة.


في هذا السياق، نقلت قناة "فرانس 24" عن فيليب كابون من نقابة "ائتلاف الشرطة" قوله إنه يجب وقف "تشويه صورة الشرطة بشكل منهجي". واعتبر أن "الحكومة استعانت بالشرطة لمواجهة أزمة السترات الصفراء والمظاهرات المنددة بإصلاح نظام التقاعد، فضلا عن عملها لفرض احترام الحجر الصحي. والآن البعض يريد نقل المشاكل التي تعاني منها الشرطة الأميركية إلى فرنسا. يجب التوقف عن اتهام قوات الأمن".
وخلال الأزمة الحالية، تلقى الشرطة دعماً سياسياً من شخصيات وأحزاب اليمين واليمين المتطرف.
على مستوى وزارة العدل، المتهمة من جهتها بتجاهل عشرات الشكاوى والتحيز في قضايا عنف الشرطة في فرنسا، قالت وزيرة العدل نيكول بيلوب، اليوم الجمعة، إن غضب الشرطة أمر مفهوم، وعبّرت عن "الثقة التامة بالشرطة"، لكنها أكدت أن العنصرية "فعل مناقض تماماً لمبادئ الجمهورية الفرنسية". وتابعت في مقابلة على قناة "فرانس إنفو": "يجب ألا يكون هناك إنكار ولا منهجية" في معالجة أزمة الثقة هذه.
وقبل يومين، تعرضت بيلوب إلى موقف محرج بعد رفض عائلة الشاب الفرنسي أداما تراوري، الذي قتل بعد اعتقال الشرطة له عام 2016 وبات ينظر إلى قضيته على أنها النسخة الفرنسية من حادثة خنق الشرطة الأميركية لجورج فلويد، دعوة وزيرة العدل للقاء العائلة والتحدث إليهم فيما يخص قضية ابنهم. وأصدرت عائلة تراوري، التي باتت رأس الحربة في حشد الناس للتظاهر ضد عنف الشرطة في فرنسا، بياناً قالت فيه، بعد تكليف الرئيس ماكرون للوزيرة بالنظر في قضية الشاب تراوري، إنها ترفض لقاء وزيرة العدل وتذكرها "بأنهم ينتظرون تقدماً قانونياً وليس دعوات للمناقشة لن يكون لها أي غرض إجرائي".


وكانت وزيرة العدل السابقة كريستيان توبيرا قد وجهت، عبر برنامج تلفزيوني قبل أيام، تحية لعائلة تراوري، وأعلنت تضامنها معها في معركتها مع القضاء الفرنسي منذ 4 أعوام. وتوجّهت إلى شقيقة الضحية آسا تراوري بالقول: "أنت فخر لفرنسا.. أنت فرصتنا وفرصة فرنسا لتحقيق العدالة.. نحن محظوظون بوجودك".