تونس تتوحد رفضاً للتدخل العسكري بليبيا: استعدادات لوجستية وسياسية

تونس تتوحد رفضاً للتدخل العسكري بليبيا: استعدادات لوجستية وسياسية

18 فبراير 2016
الاستعدادات تشمل التأهب على الحدود مع ليبيا(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تسيطر حالة من القلق الواضح على المشهد التونسي بجميع مكوناته، بسبب غموض الموقف الدولي بشأن احتمال التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا بذريعة محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، فضلاً عن عدم إمكانية حصر تداعيات هذا التدخل، الإنسانية والأمنية، على تونس. وجاء تعهد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أول من أمس (الثلاثاء) بمنع تنظيم "داعش" من تثبيت مواقعه وتشكيل قاعدة له في ليبيا، وتأكيده أنّ بلاده ستتحرك أينما وجد "هدف واضح"، ليعزز المخاوف التونسية.

وتقترن أغلب الجهود التونسية هذه الأيام على المستوى الداخلي بالملف الليبي في ظل إجماع رسمي وحزبي وحتى من قبل منظمات المجتمع المدني على رفض خيار التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا وضرورة بذل أقصى الجهود لمحاولة منعه.
وتحاول كل الوزارات المعنية، الدفاع والداخلية والصحة والتجارة، تكثيف الاستعدادات اللوجستية والمادية تحسباً للضربات العسكرية التي لا يعرف أحد متى قد تبدأ. في موازاة ذلك، تتسارع الجهود الدبلوماسية التونسية لمحاولة تجنب الكارثة أو الحد منها، وإقناع الدول الغربية بعدم تجاهل تبعات الحرب الليبية على تونس.

اقرأ أيضاً محمد بالخير: أهداف استعمارية لا "داعش" وراء التدخل العسكري 

وعلى الرغم من أنّ هذه التحركات التونسية جاءت متأخرة نسبياً، إلا أنّ السلطات تحاول تدارك ما فات. وفي موازاة اللقاءات التي عقدها المسؤولون التونسيون مع سفراء وشخصيات سياسية أميركية وأوروبية توافدت على تونس خلال الأيام الماضية، شرعت القيادة التونسية في سلسلة من اللقاءات الهامة والزيارات، خصوصاً في اتجاه الجارة الجزائر، التي تتطابق مواقفها مع تونس لجهة رفض التدخل العسكري. غير أن التنسيق التونسي الجزائري يتجه في الوقت نفسه إلى التعامل مع القرار الدولي بالتدخل العسكري بواقعية، ويهدف أيضاً إلى الاستعداد للوقاية من أخطاره، خصوصاً على مستوى حدود البلدين مع ليبيا.
وفي السياق، عقد الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، سلسلة من اللقاءات مع شخصيات وطنية تونسية للتباحث حول الوضع الليبي. تقول إحدى الشخصيات الحزبية لـ"العربي الجديد" إن السبسي يتصل بالجميع للتعبير عن الموقف التونسي، موضحة أنه تباحث مع عدد من القادة العرب والغربيين حول تبعات الأزمة الليبية، بمن فيهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. كما تشير إلى أنه يكثف اتصالاته أيضاً مع الليبيين، فضلاً عن نيته تجديد التأكيد على موقف بلاده من الأزمة خلال زيارته إلى سويسرا التي تبدأ اليوم وتنتهي غداً.
أما رئيس مجلس نواب الشعب، محمد الناصر، فيتوجه إلى بروكسل هذا الأسبوع حيث من المقرر أن يعقد اجتماعات في مقر البرلمان الأوروبي للتأكيد على رفض تونس التدخل العسكري في ليبيا وتمسكها بالحلول السلمية. وجاء تصريح الناصر خلال استقباله يوم الاثنين الماضي لنائب رئيس الاتحاد الدولي لجمعيات الهلال والصليب الأحمر محمد بن غانم العلي المعاضيد.

وتساند هذه التحركات الرسمية التونسية مواقف حزبية متعددة رافضة للتدخل العسكري في ليبيا. وفي السياق، يقول زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، في حديث لـ"العربي الجديد" إن "هناك خطورة حقيقية للتدخل الأجنبي، وما على الليبيين سوى أن يلغوا ذريعة الحرب على بلادهم وهي ذريعة محاربة الإرهاب وما يسمى بداعش". ويضيف: "عليهم أن يبادروا إلى الاصطفاف وراء حكومة الوحدة الوطنية، حكومة فائز السراج، وقطع الطريق أمام التدخل الأجنبي الذي ستكون له نتائج فادحة لا على ليبيا فقط وإنما على تونس أيضاً". كما يؤكد الغنوشي أن "حلا سلمياً منقوصاً أفضل مليون مرة من ويلات الحرب".

بدوره، كان نائب رئيس البرلمان، نائب رئيس حركة ‏النهضة‬، عبد الفتاح ‫مورو‬، قد أكد أن "أي تدخل عسكري في ‫‏ليبيا‬ من شأنه أن يجعل هذا البلد مقصداً للدواعش الذين ستصبح في نظرهم الحرب صليبية وسيتذرعون بالدفاع عن أرض الإسلام"، على حد قوله. وأضاف مورو في تصريح نقلته الصفحة الرسمية للحركة، "أن من مصلحة الغرب عدم القيام بهذه الضربة"، داعياً إلى عدم التأثير على قرار الليبيين السياسي ومعتبراً أنهم قادرون على إخراج "داعش" من أرضهم دون اللجوء إلى ضربات جوية من الخارج. وحذر مورو من أن "استباحة الأراضي الليبية ليس الهدف منها تطهيرها من تنظيم داعش، وأن أي تدخل سيسهم في تأجيج الوضع، وعلى العرب أن يتحركوا متوحدين، خصوصاً أن موقفهم السلبي مما حدث في العراق عاد عليهم جميعاً اليوم بالوبال".

أما الجبهة الشعبية، فأكدت على موقفها الرافض للتدخل عسكرياً في ليبيا بذريعة مكافحة الجماعات الإرهابية. واعتبر القيادي في الحركة، الجيلاني الهمامي، في تصريحات صحافية أن شخصيات سياسية أجنبية على غرار وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، "مادلين أولبرايت، زارت تونس من أجل إعطاء التعليمات وفرض إرادتها على الحكومة التونسية التي لا قرار لها في هذه المسألة، حيث اتخذت القوى الغربية قرارها وعلى تونس العمل على إيقافه".

من جهته، يعتبر الأمين العام لحركة الشعب، زهير المغزاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه لا بد من قطع الطريق أمام التدخل العسكري في ليبيا، ومن تحريك عامل مهم في الصراع الليبي، وقع تغييبه في كل المعادلات السابقة، ويتمثل في القبائل الليبية.
ويرجَّح المغزاوي، المطلع على الملف الليبي، أن "تكون الضربات العسكرية وشيكة وأن تكون جوية في الغالب ومسنودة في الأرض بجيوش محلية وعربية"، على حد قوله. ونبّه المغزاوي إلى أنه يتعين على تونس عدم ارتكاب نفس أخطاء العام 2011، وضرورة تنسيق جهود دول الجوار، لافتاً إلى أنه أبلغ الرئيس التونسي بهذا الرأي، وطالب بعقد مؤتمر دول الجوار، لأنها ستتضرر جميعها من هذه الضربات على الرغم من قراءاتها المتباينة لذلك. ووفقاً للأمين العام لحركة الشعب، فإن موقفاً موحداً لهذه الدول يمكن أن يُسقط الحجج الدولية الواهية في خصوص مقاومة "داعش"، وأن يقطع الطريق أمام التدخل العسكري. ولفت إلى أن الحركة طالبت، من خلال ممثلها في البرلمان، الحكومة بتوضيح الموقف التونسي بكل تفاصيله، لأن طبول الحرب تدق ونحن لا نعرف ماذا ستفعل الدولة التونسية بالتحديد.

بدورها، تبدي المنظمات المهنية الراعية للحوار الوطني، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، معارضتها للتدخل العسكري في ليبيا. ويؤكد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، حسين العباسي، في حديث لـ"العربي الجديد" أن التدخل العسكري ليس الحل الصحيح بل هناك حلول سلمية تجب تقويتها لتكون البديل الأول لما تعيشه ليبيا الآن. ويعول العباسي على "الحسّ الوطني لليبيين الذي سيقودهم للوحدة من أجل حل سلمي، فضلاً عن التعويل على وعيهم بأن الدول التي كانت عرضة لمثل هذه التدخلات لم تجن إلا الدمار والخراب وهو ما يجب تلافيه".
ويشدد العباسي في حديثه لـ"العربي الجديد" على أنّ المنظمات الراعية للحوار الوطني، التي توجت بجائزة نوبل للسلام، "لا يمكن لها إلا أن تكون في صف دعاة السلم في الشقيقة ليبيا"، مشيراً إلى أنها "أبلغت جميع الجهات التي التقتها بضرورة تلافي الحل العسكري". كما يلفت إلى أن الاتحاد العام التونسي للشغل "في كل لقاءاته بالسياسيين والدبلوماسيين والمنظمات المالية الكبرى أبلغ موقفه الواضح برفض التدخل العسكري وضغط في سبيل أن يتم تجنّبه، والتعويل على الحل السياسي".

كذلك يشدد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، عبد الستار بن موسى، في تصريح لـ"العربي الجديد" على أنّ جميع الجهود يجب أن تتضافر اليوم من أجل منع هذا التدخل"، مشيراً إلى أنّ "المنظمات الوطنية ستقوم بما في وسعها من أجل التنديد بهذا القرار والحيلولة دون تنفيذه". ويتوقف بن موسى عند ما ستخلفه هذه الضربة العسكرية، إن وقعت، من كارثة إنسانية قد يصعب استيعابها. وفي السياق، يذكر بأزمة اللاجئين في مخيم الشوشة في الجنوب التونسي إبان الثورة الليبية في العام 2011. ويشير رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى أن "الاعتقاد بأن الحل العسكري قد يقضي على الإرهاب اعتقاد خاطئ وقد تتولد عنه نتائج عكسية".


اقرأ أيضاً: السيسي يستعجل إنهاء صراعات الأجهزة المصرية حول ليبيا وسيناء