ملامح الشراكة التركية ـ الروسية الجديدة حول سورية

ملامح الشراكة التركية ـ الروسية الجديدة حول سورية

27 ديسمبر 2016
تتطلب الشراكة الجديدة تنازلات متبادلة (ميخائيل سفيلتوف/Getty)
+ الخط -
بدا تهجير مدينة حلب، من مدنييها ومسلحيها المعارضين، بمثابة جس النبض لإمكانية تحقيق تعاون روسي تركي مشترك، يعوّض الطرفين عن خيبة أملهما بإمكانية تحقيق أي تعاون مع الولايات المتحدة في الملف السوري، بما يضمن ما يعتبره الجانبان مصالح استراتيجية لا يمكن التفريط بها، وتحديداً بالنسبة إلى الجانب التركي. كانت كل من موسكو وأنقرة واضحتان في إصرارهما على استمرار محاولة العمل على شراكة استراتيجية في الشأن السوري، وذلك على الرغم من الكثير من العقبات التي قد تعترض هذا التعاون، خصوصاً ما حصل في الأيام الماضية، عقب حادثة اغتيال السفير الروسي في تركيا، أندريه كارلوف.

في هذا الإطار، علمت "العربي الجديد" من مصدر تركي مطلع، أن المطروح الآن على الطاولة بين الأتراك والروس، هو شراكة تعوّض الطرفين عن يأسهما من إمكانية التعاون مع واشنطن في هذا الخصوص، وتعمل على توحيد تعريف "المجموعات الإرهابية"، ليضم ما يعتبره الطرفان خطراً على مصالحهما الاستراتيجية، سواء على المدى القريب أو البعيد. ودفع هذا الأمر الجانبين إلى تقديم تنازلات، تم التصريح عنها في "إعلان موسكو" بشكل علني، وبعضها بقي طي الكتمان، خوفاً من إثارة حساسية واشنطن، بحسب المصدر التركي.


ووفقاً للمصدر نفسه فإن الروس "حاولوا على مدار السنة الحالية الوصول إلى توافق مع إدارة الرئيس باراك أوباما للتوصل إلى شراكة في سورية لمكافحة الإرهاب، تجعل من موسكو غطاءً كي لا تظهر واشنطن أنها تتعاون بشكل مباشر مع النظام السوري، الأمر الذي لاقى اعتراضاً كبيراً في صفوف المؤسسة العسكرية الأميركية، وتحديداً وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ووزارة الدفاع (بنتاغون)، على الرغم من ضغوط الخارجية الأميركية والرئيس الأميركي باراك أوباما في هذا الاتجاه، وذلك لأسباب عديدة استخباراتية ودفاعية ليس من المتوقع أن يتمكن الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترامب من تجاوزها، رغم رغبته العارمة بالتعاون مع الروس في سورية.

وبالنسبة لأنقرة فقد فشلت جميع محاولاتها في إقناع واشنطن بتحويل فصائل "المعارضة المعتدلة" إلى حليف في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ففضلت إدارة أوباما التعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني)".
وبحسب المصدر فإن الورقة المطروحة لا تزال عالقة حول ضغط روسيا لإقناع تركيا بالتنازل عن العمل على إسقاط النظام السوري والاكتفاء بـ"تطعيمه" بقوى من المعارضة السورية توافق على التعاون مع الروس، وكذلك بما يحفظ مركزية الدولة السورية، ويبعد شبح النموذج العراقي، ويضمن تحجيم نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي في أي مفاوضات مقبلة تتعلق بمستقبل سورية. وينصب جزء آخر من الضغط الروسي على الأتراك في اتجاه نيل موافقة أنقرة على تحييد دور الهيئة العليا للمفاوضات السورية التي تتخذ من الرياض مقراً لها، وبالتالي تحجيم المعارضة السورية إلى مجموعة من القوى العسكرية المشرذمة، من دون أي قيادة سياسية قد تقلق النفوذ الإيراني في المستقبل القريب، وذلك عبر تشكيل حكومة مشتركة تتولى فيها المعارضة حقائب وزارية سيادية لا تكون منها وزارة الدفاع ولا الداخلية، وسحب بعض الصلاحيات من رئاسة الجمهورية.

بالنسبة للروس، فقد كانت تنازلاتهم محدودة، وتمثلت بنقطتين رئيسيتين، الأولى: فسح المجال أمام الأتراك للتوغل في الأراضي السورية في ريف حلب الشمالي، نحو مدينة الباب، لكبح جماح حليف واشنطن أي الاتحاد الديمقراطي، بما يهدئ توتر الأتراك من احتمالات حصول تغيير ديموغرافي واسع على الحدود المشتركة، وكذلك ضمان عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بمجرد التوصل إلى اتفاق. أما التنازل الروسي الثاني فقد كان في تخفيف الكرملين من موقفه الذي يعتبر جميع قوى المعارضة السورية العسكرية قوى إرهابية، عبر تعهد موسكو لأنقرة بفسح المجال أمام المعارضة المسلحة للقدوم إلى المؤتمر الذي سيعقد في العاصمة الكازاخية أستانة، الأمر الذي يتوقع بأنه سينال رضا العرب وبالذات السعودية، بعد أن خفض التراخي الاميركي في سورية من سقف الطموحات الخليجية، من إخراج سورية من دائرة النفوذ الإيراني إلى التخفيف من هذا النفوذ.
وشدد المصدر على أن إيران غير مرتاحة للمشروع التركي ــ الروسي، الذي ترجم في "إعلان موسكو"، وقبلته على مضض بسبب الضغوط الروسية، وقد تسعى إلى تخريبه، إلا إن اضطرها تصعيد الإدارة الأميركية الجديدة ضدها للقبول به.
ولفت المصدر إلى وجود رغبة روسية تركية كبيرة لإشراك دول الخليج في الحل المقترح، وذلك لتسهيل عمليات المصالحة بين النظام وقوات المعارضة، وبالذات تلك الموجودة في الجنوب على الحدود الأردنية، الأمر الذي تعمل أنقرة على إنجاحه.

أما عن الاستراتيجية العسكرية لتنفيذ هذه الشراكة التركية ــ الروسية، التي يشترط لنجاحها تعاون إيران والسعودية، فإنه بحسب المصدر، "إن نجحت هذه الشراكة، فيبدو بأنها ستسير في إطار حصر المجموعات الإرهابية، مبدئياً، بكل من جبهة النصرة وتنظيم "داعش"، وإضافة كل من يتعاون مع النصرة ويرفض الاتفاق. وفي حال رفضت النصرة حل نفسها والانخراط مع باقي الفصائل، فستتولى قوى المعارضة، بدعم تركي روسي، التخلص منها مع كل من يرفض الاتفاق في مناطق سيطرة المعارضة في شمال سورية، وكذلك الأمر سيكون في الجنوب، مع تحييد كامل للاتحاد الديمقراطي، وذلك بينما لا يزال الطلب التركي السعودي القطري بسحب مقاتلي حزب الله اللبناني وباقي المليشيات العراقية والأفغانية المدعومة من إيران أمراً خلافياً ترفضه إيران ويتم البحث له عن صياغة ترضي طهران"، على حد قوله. ووفقاً للمصدر فإنه "في مرحلة لاحقة ستتعاون جميع القوات المشتركة بالتوجه للسيطرة على مدينة الرقة واستعادة وادي الفرات من قبضة داعش وتحجيم الاتحاد الديمقراطي وصولاً إلى إنهائه بعد انتفاء سبب وجوده وتوسعه، والذي كان يتجسد بالتحالف مع واشنطن ضد داعش".