ترامب يقوّض إرث أوباما: ردع إيران يبدأ بالاتفاق النووي

ترامب يقوّض إرث أوباما: ردع إيران يبدأ بالاتفاق النووي

23 سبتمبر 2017
ترامب أثناء كلمته في الأمم المتحدة (أندي كاتز/Getty)
+ الخط -

ترك الرئيس الأميركي دونالد ترامب الكثير من الغموض في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، يوم الثلاثاء الماضي، حين أكّد بأنه حسم موقفه من الاتفاق النووي الإيراني من دون الإعلان عن مقاربته الجديدة، لكن الخيارات المُتاحة محدودة وتتراوح بين تحويل هذا الاتفاق لأزمة داخلية أميركية أو أزمة لواشنطن مع حلفائها الأوروبيين. الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة لمستقبل هذه الصفقة النووية، وقرار إدارة ترامب إنهاء مرحلة الفصل بين هذا الاتفاق وأنشطة إيران الإقليمية قد ينهي المهادنة بين واشنطن وطهران.

ليس واضحاً بعد ما هي دوافع ترامب في الدعوة لإلغاء الاتفاق النووي الإيراني، وما إذا كان الأمر متعلقاً بإصراره على إلغاء مفاعيل إرث سلفه باراك أوباما، أم فعلاً يريد قلب المعادلة في مقاربة واشنطن حيال طهران. هو قال خلال كلمته أمام الجمعية العامة إن "أميركا لا يمكنها أن تلتزم باتفاق يوفّر التغطية لبناء برنامج نووي في نهاية المطاف". واعتبره "واحداً من أسوأ الصفقات التي دخلت فيها الولايات المتحدة"، قبل أن يختم قائلاً "بصراحة، هذه الصفقة تشكّل إحراجاً للولايات المتحدة، لا أعتقد سمعتم آخر شيء عنها، صدقوني".

يبدو أن ترامب قرر اعتماد مسارين حيال الاتفاق النووي الإيراني ضمن فترة حاسمة ستمتد حتى نهاية العام الحالي، وتقضي برمي الكرة في ملعب الكونغرس الأميركي بالتزامن مع الضغط على الحلفاء الأوروبيين لتعديل الاتفاق النووي. وفي حال لم تنجح الضغوط الدولية، فقد يتجه البيت الأبيض، بحلول يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إلى عدم التصديق على امتثال إيران للاتفاق النووي. بعدها يكون أمام الكونغرس 60 يوماً ليقرر إذا ما يريد إعادة فرض العقوبات الأميركية على طهران، ما يعني عملياً انسحاب أميركا من الاتفاق. هذا الأمر قد يؤدي إلى صراع داخل الكونغرس خلال فترة الـ60 يوماً باعتبار أن كل حزب ستكون له حساباته، كما سيكون هناك تداعيات على علاقة واشنطن مع حلفائها الأوروبيين، لا سيما بعد موقف ترامب من اتفاقية باريس للتغيّر المناخي.

وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، أقرّ من نيويورك أن "طهران تمتثل للاتفاق"، لكن ما تريده إدارة ترامب هو تعديل بندين: رفع الحظر الدولي عن تخصيب اليورانيوم عام 2025، والحدّ من تكنولوجيا الصواريخ البالستية. ترامب عرض على الأوروبيين تمديد شهادة البيت الأبيض بامتثال إيران لأشهر إضافية شرط القبول بفكرة التفاوض من جديد. وحدها باريس فتحت ثغرة في الجدار مع اقتراح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ترك الاتفاق كما هو، مع إضافة بنود جديدة عليه عبر التفاوض (البنود التي تريدها واشنطن)، عارضاً وساطة لإجراء حوار مع إيران حول أنشطتها الإقليمية.


المشكلة أمام ترامب أن أوراقه محدودة في التفاوض مع إيران، لأن الأصول الإيرانية التي كانت مجمّدة في الولايات المتحدة، تمّت إعادتها والعقوبات التي وضعتها ادارة أوباما تم رفعها. بالتالي ففي حال التفاوض من جديد ليس لدى واشنطن ما تعطيه مقابل التنازل في البندين. وفي حال أرادت إدارة ترامب الجمع بين الاتفاق النووي وأنشطة إيران الإقليمية، فقد يتطلّب حواراً مباشراً مع طهران، لا يبدو أن واشنطن حالياً مستعدة له. حتى في الكونغرس الأميركي، هناك اتجاهٌ من الحزبين للإبقاء على الاتفاق والتشدد أكثر في تنفيذه مقابل الاستمرار في فرض عقوبات جديدة لا تتعارض مع الاتفاق النووي الإيراني.

البعد الأهم في سياسة واشنطن حيال طهران، والتي بدأت بالتبلور، هو اتخاذ القرار بعدم الاستمرار بسياسة إدارة أوباما التي كانت تفصل بين الاتفاق النووي وأنشطة إيران الإقليمية. وهذا كان واضحاً في كلام تيلرسون، الذي اعتبر أن "إيران تمتثل في البعد التقني لكنها لم تلبِ التوقعات بتغيير سياساتها الإقليمية". كما جاء تصريح مستشار الأمن القومي، أتش آر مكماستر، لشبكة "سي أن أن"، في نفس السياق، بأن "ترامب ينظر إلى الاتفاق النووي مع إيران في صورته الأشمل، أي كيفية حماية المواطنين الأميركيين والمصالح الأميركية، وحماية حلفائنا وشركائنا من النطاق الأوسع لسلوك إيران المزعزع للاستقرار". خطاب ترامب أيضاً لمّح إلى حلف بين أميركا وإسرائيل ودول عربية لردع إيران، ومحاولة تقويض ركائز الاتفاق النووي تصب في هذا الاتجاه.

حتى الآن لم تتخذ وزارة الدفاع (البنتاغون) خطوات توحي بأن هناك تبدلاً في الوضعية العسكرية الأميركية، لا سيما في مناطق النزاع مثل سورية والعراق، بل هناك الآن تقاطع مصالح بين الطرفين حيال مسألة الاستفتاء في اقليم كردستان. لكن التحدي أمام جهود ترامب في الملف الإيراني يأتي من كوريا الشمالية، لأن المجتمع الدولي لا يرغب بالتعامل مع أزمتين نووتين في الوقت ذاته، ويخشى أن تنظر بيونغ يانغ إلى ما يحدث مع طهران كذريعة لعدم الدخول في مفاوضات حول برنامجها النووي.


المساهمون