السياسة الخارجية بعيون ترامب: أميركا أولاً

السياسة الخارجية بعيون ترامب: أميركا أولاً

29 ابريل 2016
حاول ترامب تجاوز الحزبية في خطابه (Getty)
+ الخط -
كأنه ليس دونالد ترامب نفسه الذي كان يرتجل الإهانات على المسرح. قرأ المرشح الرئاسي "المفترض"، خطابه المخصص لرؤيته للسياسة الخارجية الأميركية ليل الأربعاء الخميس، على ملقّن إلكتروني منتقداً السياسات الخارجية لكل الرؤساء الأميركيين بعد الحرب الباردة وطارحاً مقاربة لنظرة واشنطن إلى العالم تفتقد إلى الحد الأدنى من التفاصيل.

من فندق "ماي فلاور"، الذي يُعرف بـ"فندق الرؤساء"، اختار ترامب، الساعي للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية، مركز "المصلحة الوطنية" لإلقاء خطابه. مع الإشارة إلى أنّ المركز الذي أسسه الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون أصبح يمثل المدرسة الواقعية في الحزب الجمهوري من ناحية الاقتصاد في استخدام الموارد والحذر من التدخل الخارجي. خطاب ترامب كان تحدياً جديداً للمؤسسة الحزبية الجمهورية، إذ تعارض مع مجمل ثوابت مواقفها الخارجية.



حاول ترامب تجاوز الحزبية في خطابه. تحدث عن تاريخ الولايات المتحدة في "إنقاذ العالم"، واختار نموذج رئاسة الديمقراطي فرانكلين روزفلت في انتصارها على النازية، ونموذج رئاسة الجمهوري رونالد ريغان في انتصارها على الاتحاد السوفييتي. واعتبر ترامب أنه بعد الحرب الباردة فشلت أميركا "في تطوير رؤية جديدة" لسياستها الخارجية وتم "استبدال المنطق بالحماقة والغطرسة". ورأى أن غزو العراق في العام 2003 خلال عهد جورج بوش الابن وبعدها سياسات الرئيس الأميركي باراك أوباما "ساعدت على أخذ المنطقة إلى حال من الفوضى وأعطت تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المساحة التي يحتاجها لينمو ويزدهر".

هيمنت التناقضات على جميع محاور أول خطاب لترامب عن السياسة الخارجية. اعتبر أن فرض تجارب "الديمقراطية الغربية" على بلدان لا تريدها "فكرة خطيرة"، من جهة، لكنه سرعان ما دعا إلى "نشر الحضارة الغربية وإنجازاتها" كوسيلة أكثر فعالية من التدخل العسكري لتشجيع "الإصلاحات"، من جهة ثانية. طرح سياسة أميركية ترفض "بناء الأمم"، لكنه أشاد بانتصار واشنطن في الحرب العالمية الثانية التي شملت "خطة مارشال" لإعادة بناء أوروبا. أكد ترامب على أهمية إعادة بناء وتطوير الجيش الأميركي، لكنه أشار إلى أن "قوة السلاح هي المشكلة الكبيرة الوحيدة التي لدينا في العالم اليوم".
أكثر الانتقادات كانت موجهة إلى أوباما والمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، إذ قال ترامب إن أوباما "تفاوض على صفقة كارثية مع إيران"، و"دعم إطاحة نظام ودي (نظام حسني مبارك) في مصر لديه معاهدة سلام طويلة الأمد مع إسرائيل، ومن ثم ساعد على استبداله بالإخوان المسلمين"، و"لم يكن صديقاً لإسرائيل". كما لفت ترامب إلى أن "إرث تدخلات أوباما - كلينتون هو الضعف"، بقوله "لقد جعلنا الشرق الأوسط أقل استقراراً وأكثر فوضوية من أي وقت مضى"، وأضاف "أتحدى أي شخص أن يشرح الرؤية الاستراتيجية لسياسة أوباما/ كلينتون الخارجية".
في موازاة ذلك، تحدث ترامب عن "نزاع فلسفي" مع "الإسلام الراديكالي"، وأن هذه المواجهة قد تتطلب "استخدام القوة العسكرية"، على حد قوله. أما رسالته إلى تنظيم "داعش" فكانت أن "أيامه باتت معدودة"، بدون أن يكشف طبيعة استراتيجية المواجهة. وممّا قاله ترامب أيضاً: "في الشرق الأوسط أهدافنا يجب أن تكون هزيمة الإرهابيين وتشجيع الاستقرار الإقليمي، وليس التغيير الراديكالي". كما اعتبر أن على أميركا وقف "استيراد التطرف من خلال سياسات الهجرة التي لا معنى لها".
وفي حضور السفير الروسي لدى واشنطن، سيرغي كيسلياك، في الصفوف الأمامية، قال ترامب "نرغب بالعيش في سلام وصداقة مع روسيا والصين"، داعياً إلى "تخفيف التوترات وتحسين العلاقات مع روسيا من موقع قوة". لكن ترامب أكد استعداده لوقف التفاوض مع موسكو في حال لم يحقق نتيجة.
في المقابل، لم يتطرق ترامب إلى تصريحاته الجدلية السابقة، مثل بناء جدار على طول الحدود مع المكسيك أو حظر المسلمين من دخول الولايات المتحدة. كذلك لم يذكر الملف السوري أو السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع العلم أن مجمل خطابه ركز على الشرق الأوسط.

كما حدد ترامب خمسة مكامن ضعف في السياسة الخارجية الأميركية: الموارد مشتتة، والحلفاء لا يدفعون نصيبهم العادل مقابل الحماية الأمنية، والأصدقاء يعتقدون أنه لا يمكنهم الاعتماد علينا، ولم يعد هناك احترام من المنافسين، وأميركا لم تعد لديها سياسة خارجية واضحة.
ما يمكن فهمه من خلال هذا الخطاب عن عقيدة ترامب الخارجية أنه ضد تقليص الإنفاق العسكري ويطرح سياسة خارجية تستند إلى المصالح الأميركية وليس النظام العالمي. فهو قال في هذا السياق "لن أتردد في نشر القوة العسكرية عندما لا يكون هناك بديل. لكن إذا كانت أميركا تقاتل عليها أن تقاتل للانتصار"، وأضاف "هدفنا هو الازدهار والسلام ليس الحرب والدمار".
مع كل انتقاداته لأوباما، وبعيداً عن المعارك الانتخابية، ترامب توافق مع بعض أفكار الرئيس الأميركي الحالي من ناحية استخدام الدبلوماسية وسلاح العقوبات والانخراط مع موسكو ومحاربة "داعش" على الرغم من الاختلاف في أسلوب التعبير. أوباما تحفظ أيضاً على البلدان الحليفة التي تحصل على الحماية الأميركية بدون تقديم شيء في المقابل، لكن الرئيس الحالي لم يهدد بوقف هذا الدور الأميركي كما فعل ترامب. وتحدث ترامب عن سياسة خارجية "تستبدل الأيديولوجية بالاستراتيجية" بطريقة مشابهة لخطاب حملة أوباما الرئاسية عام 2008. كما جدد ترامب انتقادته إلى "المحافظين الجدد" والى خبراء الأمن القومي في واشنطن الذين يرددون السياسات الفاشلة نفسها منذ عقود، على حد قوله، وذلك كما فعل أوباما خلال حديثه مع مجلة "ذا أتلانتيك".

المساهمون