اتفاق وقف النار في إدلب يقوض قوة "أحرار الشام"

سورية: اتفاق وقف النار في إدلب يقوض قوة "أحرار الشام"

23 يوليو 2017
"الهيئة" تقدمت على "الأحرار" ميدانيّاً (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من أن الاتفاق الذي أعلن عنه، يوم الجمعة الماضي، أدى لوقف الاقتتال الأوسع من نوعه، الذي استمر ثلاثة أيام في محافظة إدلب بين "حركة أحرار الشام" و"هيئة تحرير الشام"، التي تشكل "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً) عمادها الأساسي، إلا أن تطورات هذه الأيام الثلاثة، أفضت لتغييرٍ في خرائط النفوذ الميداني ضمن هذه المحافظة الحدودية مع تركيا، والتي تعتبر أوسع مناطق "تخفيف التصعيد" الأربع، المتفق عليها بداية مايو/أيار الماضي في العاصمة الكازاخستانية أستانة. فالمعطيات الميدانية أظهرت أن "الهيئة" حققت في هذا الاقتتال، تفوقاً على "الحركة"، التي انسحب مقاتلوها من مناطق واسعة كانت تحت نفوذهم، لا سيما معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، الذي تم الاتفاق على تسليمه "لإدارة مدنية".

ونشرت "حركة أحرار الشام" النص المقتضب للاتفاق عصر الجمعة، مذيلاً بتوقع المتحدث الرسمي محمد أبو زيد، الذي قال إنه "تم الاتفاق بين الإخوة في حركة أحرار الشام الإسلامية وهيئة تحرير الشام، على وقف إطلاق النار وإخلاء المحتجزين من الطرفين، وخروج الفصائل من معبر باب الهوى وتسليمه لإدارة مدنية".

وبسطت قبل ذلك بساعات "هيئة تحرير الشام"، سيطرتها على معظم القرى والبلدات والطرقات التي تحيط بمعبر باب الهوى الحدودي، الذي بدا محاصراً، موجهة في الوقت نفسه نداء عبر الإنترنت "إلى إخواننا من جنود حركة أحرار الشام في معبر (باب الهوى) كل مَن يخرج منكم إلى إخوانه له منا الأمان، ويعود إلى بيته سالماً لا يُمَسّ بسوء، له ما لنا وعليه ما علينا". وطالبت "قيادة أحرار الشام" بالخروج "لإخوانكم معززين مكرمين، فلكم منا الأمن والسلامة، ونجلس بعدها للخروج بمشروعٍ يوحدنا وينقذ ثورتنا ويُصحح مسارها بالاتجاه الصحيح".

وعكس ظهور الاتفاق بعد ذلك، الذي أكدته "الهيئة" أيضاً بنفس البنود المقتضبة، صورة أن "حركة أحرار الشام" رضخت تحت الضغط العسكري لـ"الهيئة" أكثر من كونها وافقت على اتفاق وقف إطلاق النار؛ إذ إن ما رشح من تصريحات لقيادتها، خلال الأيام الثلاثة، أكد أن "الحركة" تعتبر "اعتداء هيئة تحرير الشام يهدف لإنهاء الثورة السورية وتحويل مناطق أهل السنة إلى رقة وموصل جديدة"، كما ورد على لسان قائدها أبو عمار العمر. وهو ما أشار إلى أن "الحركة"، كانت عازمة على المضي في مواجهة "الهيئة"، التي سيّرت بعد الاتفاق، أرتالاً عسكرية أشبه بمواكب "احتفالاً بالنصر" في مناطق واسعة بمحافظة إدلب.



مسؤول في "حركة أحرار الشام" قال في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هناك أياماً عصيبة جداً تمر على الحركة حالياً"، موضحاً أن "الكلام الذي انتشر على أن هناك نقاشات عن قبول الحركة للاندماج (مع الهيئة) ضمن فصيل واحد في إدلب غير وارد إطلاقاً".

وبدا كأن "الحركة" كانت تعوّل على عوامل عدة، في مواجهتها الأكبر من نوعها مع "الهيئة"، ومن بينها الحاضنة الشعبية التي كانت دون توقعات "الحركة"، فعلى الرغم من أن مدناً هامة في محافظة إدلب، أبرزها سراقب، شهدت مظاهرات منددة بـ"الهيئة" وهو ما يعني الانتصار لموقف "الحركة"، إلا أن الحراك الشعبي على الأرض عموماً بدا خافتاً نسبياً، وهو ما يمكن إرجاعه بشكل أساسي لعامل الخوف من رفع الصوت عالياً ضد الهيئة" بحسب ما أفاد السكان لـ"العربي الجديد".

غير أن عاملاً آخر بالغ الأهمية، منح الأفضلية لـ"الهيئة" في هذه المواجهات، وهو العامل التنظيمي والحامل الفكري لكلا الطرفين؛ فـ"حركة أحرار الشام" بدت غير متماسكة تنظيمياً وفكرياً في هذه المواجهات، نظراً للمراجعات الفكرية التدريجية التي تتبعها تغييرات سلوكية على الأرض. وهو ما انعكس، خلال أيام المواجهات الثلاث، تخبطاً لدى جزء مهم من مكوناتها ومقاتليها، في مقابل أن "الهيئة" وما تسرّب من خطاباتٍ من شرعيين فيها للمقاتلين على الأرض، بدت ماضية من دون تردد في ضرورة المواجهة حتى تحقيق أهداف الحملة العسكرية.

وعموماً، فقد ساد أمس السبت، هدوء ميداني في معظم مناطق محافظة إدلب، بعد أيام عصيبة على السكان المحليين، فيما بدأت تثار تساؤلات عديدة حول مستقبل المحافظة الوحيدة في سورية، التي تعتبر معقل المعارضة السورية الأبرز.

وفي حين لم يتضح بعد الموقف التركي الرسمي، إزاء هذه التطورات في محافظة إدلب، فإن موسكو لم تتأخر كثيراً في إرسال إشارات تهديدٍ مستقبلي في هذه المحافظة؛ إذ أعلنت الجمعة، عبر ما يعرف بـ"القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية"، أن "مصير مدينة إدلب السورية لن يكون مختلفاً عما حصل بالموصل في العراق في حال سيطرة تنظيم النصرة الإرهابي على كامل المنطقة". لكن بعد تأكيد الاتفاق بين "الحركة" والهيئة"، وعبر ذات النافذة التي تصف نفسها بـ"غير الرسمية والتفاعلية مع الأصدقاء في سورية"، ذكرت روسيا بأنه "سيكون السكان المحليون هم الخاسر الأكبر في معركة استعادة السيطرة على مدينة إدلب السورية في حال سيطرت عليها تنظيمات إرهابية كجبهة النصرة المتشددة". وأضافت أن "هذه التنظيمات تستخدم منازل المدنيين حصوناً عسكرية أثناء قتال قوات النظام، ما سيتسبب بحدوث دمار واسع في المنطقة. وسيكون للقوات الروسية دور مباشر في المعركة، كما كان في مدينة تدمر ومناطق ريف حمص الشرقي".