البادية السورية: "ثقب أسود" للنظام ومسرح للتنافس

البادية السورية: "ثقب أسود" للنظام ومسرح للتنافس

23 ابريل 2019
حقل الأرك للغاز من الأبرز في سورية (فرانس برس)
+ الخط -
لا تزال منطقة البادية السورية، الممتدة من ريف السويداء جنوباً، إلى ريف دير الزور شرقاً، مروراً بأرياف حمص، مسرح صراع مفتوح بين قوات النظام والمليشيات المرتبطة بها من جهة، وبين خلايا نشطة من تنظيم "داعش" من جهة أخرى. صراع متحرك في البادية مترامية الأطراف، وهي مناطق صحراوية بمعظمها، في غرب الفرات وشرقه، وتبلغ مساحتها نحو نصف مساحة سورية، وتعتبر منطقة نفوذ روسي، في ظلّ احتوائها على العديد من الثروات الطبيعية في مقدمتها البترول والفوسفات. ولكن الإيرانيين بدأوا بمزاحمة الروس في البادية، التي يمرّ فيها الطريق البري الذي تخطّط طهران لفتحه وربط الأراضي الإيرانية بساحل البحر المتوسط. وهو المشروع الذي يحمل أبعاداً سياسية واقتصادية ويؤكد السطوة الإيرانية في المشرق العربي.

تحولت البادية إلى "ثقب أسود"، يبتلع بين فترة وأخرى العشرات من قوات النظام والمليشيات المرتبطة بها، وآخرها حين قُتل عددٌ من عناصر النظام والمليشيات بنيران خلايا نشطة لتنظيم "داعش". وذكرت مصادر محلية أن "رتلاً من قوات النظام السوري يتبع للفرقة 18، في هذه القوات، فُقد في البادية خلال توجهه إلى ريف دير الزور، يوم الأربعاء الماضي"، مشيرة إلى أنه "الرتل الثاني الذي يُفقد في المنطقة خلال شهر إبريل/ نيسان الحالي، مع الاعتقاد بأن تنظيم داعش هو الذي هاجم الرتل".

وبحسب المصادر، فقد "فُقد الرتل في ظروف مجهولة ولم يرَ له أي أثر، ما دفع بقوات النظام إلى إرسال رتل آخر بهدف البحث عنه، وتعرّض الرتل الثاني لهجوم أيضاً، وحوصر لمدة يومين بالقرب من منطقة السخنة، التي تعد الرابط بين ريفي دير الزور وحمص". وأكدت مصادر إعلامية معارضة مقتل 11 عنصراً من قوات "الحرس الجمهوري"، الفرقة الأكثر تدريباً والأهم تسليحاً في قوات النظام، بينهم العقيد نادر منير صقر، وذلك إثر هجوم شنه عناصر "داعش" في منطقة الكوم بالقرب من السخنة.

وأحصت المصادر مقتل 35 عنصراً من قوات النظام والمليشيات الموالية لها، جراء هجمات شنّها "داعش" منذ يوم الخميس الماضي في البادية. ولا يزال التنظيم يحتفظ بخلايا نشطة، وأخرى نائمة، فضلاً عن "ذئاب منفردة" في أنحاء متفرقة من البادية. وأكدت مصادر مطلعة أن "نحو 1500 مقاتل من التنظيم يتحركون في المنطقة، من منطقة بير القصب في ريف دمشق إلى ريف دير الزور، مروراً بريف تدمر".

ونوّهت المصادر لـ"العربي الجديد"، إلى أن "مسلحي التنظيم يشترون المواد الغذائية والذخيرة من جهات مرتبطة بالنظام الذي لم يتمكن حتى اللحظة من فرض سيطرة كاملة على البادية. ولا تزال قوات النظام تتلقى ضربات موجعة من داعش تحديداً على الطريق الذي يصل تدمر بمحافظة دير الزور". مع العلم أن البادية ظلّت لفترة طويلة مسرح معارك واشتباكات كر وفر بين قوات النظام و"داعش"، خصوصاً خلال عامي 2015 و2016، مع اشتداد الصراع بين الجانبين للسيطرة على حقول النفط والغاز في المنطقة.

من الواضح أن التنظيم استعد جيداً لمرحلة ما بعد الانسحاب من داخل المدن والبلدات، واختار البادية ملاذاً لفلوله، ولكن من دون توفّر معلومات كافية عن مكامن التنظيم، وفيما إذا نقل مقاتلون عائلاتهم معهم. مع العلم أن مدينة تدمر تحتضن المعتقل الأقسى في سورية وهو "سجن تدمر المركزي"، الذي زجّ فيه النظام منذ عام 1970 أغلب المعارضين له. كما تنتشر في البادية العديد من البلدات والقرى، لعل أبرزها السخنة التي ينتشر فيها مقاتلو "داعش" في محيطها.

في عام 2017 تحولت تدمر، بعد أعوام من القتال بين قوات النظام و"داعش" إلى معسكر لمليشيات إيرانية، إضافة إلى القوات الروسية، التي تعتبر البادية منطقة نفوذ لها. في هذا الصدد، وقّعت العام الماضي وزارة النفط في حكومة النظام عقداً مع شركة "ستروي ترانس غاز" الروسية لاستخراج الفوسفات في تدمر. وكشفت مصادر مطّلعة أن "مدة العقد هي 50 عاماً، ويُقدّر الإنتاج السنوي بنحو 2.2 مليون طن من هذه الثروة الباطنية الثانية بعد النفط من ناحية الأهمية"، مشيرة إلى أن "سورية كانت قبل عام 2011 تندرج ضمن أكبر 5 دول مصدرة للفوسفات في العالم".

كما تضم البادية حقولاً نفطية مهمة في مقدمتها حقل الشاعر للغاز في ريف حمص الشرقي، الذي كان ينتج نحو ثلاثة ملايين متر مكعب يومياً، قبل عام 2011، والذي شهد معارك كبيرة بين التنظيم والنظام بدءاً من منتصف عام 2014. وتبادل الطرفان السيطرة عليه أكثر من مرة قبل أن تسيطر قوات النظام عليه بشكل نهائي منتصف عام 2017. وإلى جانب حقل الشاعر تضمّ البادية حقولاً نفطية أخرى منها: جحار والمهر وجزل والهيل وحقل الأرك للغاز، وسواها والتي ظلت لأعوام تحت سيطرة "داعش"، الذي تحكّم في معظم ثروة سورية من النفط والغاز، واعتمد عليها في تمويل نفسه.

وتولي إيران أهمية كبرى للبادية، التي يمرّ فيها الطريق البري الذي تعمل طهران على فتحه، الآتي من الأراضي الإيرانية مروراً بالعراق وسورية، وانتهاء بسواحل البحر المتوسط. ولهذا السبب نشرت إيران مليشيات تابعة لها في بادية دير الزور لحماية الطريق، وتأكيد هيمنتها على الجانب الذي يهمها من البادية السورية.

كما تضم البادية قاعدة التنف، التابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والتي أقام في محيطها منطقة الـ 55 لحماية القاعدة. وتُمنع قوات النظام والمليشيات من الاقتراب من القاعدة على مسافة 55 كيلومتراً. وحاولت هذه القوات تجاوز التعليمات الأميركية ولكنها جوبهت برد قاس من قبل التحالف الدولي، الذي يحمي فصائل تابعة للمعارضة السورية، تتحرك في المنطقة المذكورة كان أبرزها فصيلا "مغاوير الثورة"، و "قوات أحمد العبدو" التي تعمل هي الأخرى على حماية مخيم الركبان الذي يضم عشرات آلاف النازحين السوريين، ويتموضع في البادية بالقرب من الساتر الحدودي السوري الأردني، الذي تجري محاولات لتفكيكه من قبل النظام وحلفائه الروس.

المساهمون