استهداف ترامب لمنظمة الصحة: أبعد من اختلاف حول كورونا

استهداف ترامب لمنظمة الصحة: أبعد من اختلاف حول كورونا

17 ابريل 2020
أعلن غيبريسوس أواخر يناير طوارئ صحية عالمية(فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -



في الوقت الذي تخطى فيه عدد الإصابات بفيروس كورونا الجديد حول العالم عتبة المليوني إصابة، والوفيات أكثر من 136 ألفاً، وفيما تحوّلت الولايات المتحدة إلى مركز الوباء في العالم، جاء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف المساهمة المالية الأميركية لمنظمة الصحة العالمية، مدعياً أنها ضلّلت العالم وتسترت على الصين، في خطوة اتخذها ترامب على الرغم من معارضتها من داخل إدارته، خصوصاً من كبار المستشارين في المجال الطبي، وفق ما نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أميركي لم تسمه.
وبينما أجمعت معظم الدول والمنظمات الدولية على رفضها للخطوة الأميركية، وأعربت عن قلقها من تبعات قرار ترامب في ظل الظروف الحالية التي يشهدها العالم تحت وطأة انتشار جائحة كورونا، طُرح أكثر من سؤال عن صحة اتهامات ترامب لمنظمة الصحة بأن ردها تجاه تفشي كورونا كان بطيئاً وأنها تواطأت مع الصين. وخلف ذلك التساؤل، برزت أيضاً قراءات في دوافع الرئيس الأميركي، في ظل تحديات داخلية كبيرة أمامه قد تكون مفصلية لإعادة انتخابه رئيساً من عدمه، خصوصاً الاتهامات له بالتأخر في الاستجابة للتحذيرات من خطورة هذا الوباء، وما تشهده أميركا من تراجع اقتصادي كبير في الفترة الأخيرة.

وقوبل قرار ترامب بتنديد من زعماء العالم، فيما أسف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس لقرار ترامب، قائلاً إن الوقت الحالي يتطلب من العالم الاتحاد في حربه على وباء كورونا الجديد. وأضاف غيبريسوس في مؤتمر صحافي، أن الولايات المتحدة "كانت دائماً صديقاً سخياً لمنظمة الصحة العالمية ويحدونا الأمل في أن تظل كذلك". وأشار إلى أن المنظمة ما زالت تدرس تأثير القرار "وستحاول سدّ أي ثغرات (تمويلية) بالتعاون مع الشركاء وضمان استمرار عملنا من دون انقطاع". وساهمت الولايات المتحدة بما يربو على 400 مليون دولار في ميزانية منظمة الصحة العالمية في 2019. وفي السياق، دعا مبعوث منظمة الصحة الخاص بمواجهة كورونا ديفيد نابارو إلى تأجيل توجيه أي اتهامات إلى المنظمة لما بعد القضاء على الفيروس. وقال نابارو خلال مؤتمر عبر الإنترنت من دون ذكر الولايات المتحدة أو ترامب بالاسم: "إذا قررت خلال هذه العملية أنك تريد أن تعلن أنك ستسحب التمويل أو تدلي بتعليقات أخرى حول منظمة الصحة ، فتذكر أن هذه ليست المنظمة فقط، فمجتمع الصحة العامة بأكمله يشارك الآن".

في المقابل، واصل مسؤولون في الإدارة الأميركية توجيه اتهامات إلى المنظمة الدولية، وأعلنت مستشارة الرئيس الأميركي كليان كونواي ليل الأربعاء أن "كوفيد-19" المسبب لفيروس كورونا الجديد قد يكون وباءً آخر لهذا النوع من الفيروسات، ملقية اللوم بذلك على منظمة الصحة لقلة شفافيتها. وقالت كونواي لقناة "فوكس نيوز": "إنه كوفيد-19 وليس كوفيد-1، وكنا نظن أن العاملين في منظمة الصحة المسؤولين عن الوقائع والأرقام كانوا على استعداد" لمكافحته، ملمحة إلى أن 19 هو عدد الأوبئة المشابهة، وليس العام الذي ظهر فيه الفيروس، أي 2019. وأضافت: "كان من الأجدر أن تكون منظمة الصحة صادقة وشفافة بشأن مصدر الفيروس في ووهان وتفشيه بين البشر". وتابعت قائلةً إن منظمة الصحة "كذبت أو لم تعتمد الشفافية" في هذه القضايا، فيما "تضررت الولايات المتحدة كثيراً" من خلال الإصغاء إلى "خبراء الصحة في العالم".

وفيما يرى الكثير من الخبراء أنه يمكن توجيه بعض الانتقادات إلى منظمة الصحة العالمية  لترددها في انتقاد الحكومة الصينية بنحو صريح، إلا أنهم لا يتفقون مع ترامب على تحميل المنظمة مسؤولية ما حصل، ويشكّون في الوقت ذاته في أن أي انتقادات صريحة وهجومية ضد الحكومة الصينية كانت ستساعد في الحصول على معلومات عن الفيروس بشكل أسرع. ويرى هؤلاء أن المنظمة تقوم بجهود جبارة مقارنة بميزانيتها وما تقدّمه من خدمات حول العالم، كما العمل على احتواء الأوبئة وإصدار التعليمات والتنسيق في محاربتها، ولا سيما تحت إدارة تيدروس أدهانوم غيبريسوس.

وفي هذا السياق، أشار لورانس جوستين، الأستاذ المتخصص في مجال قانون الصحة الوطني والعالمي في جامعة جورج تاون الأميركية، إلى أن المنظمة تعلمت من تجارب سابقة، فعلى سبيل المثال كان ردها كارثياً في مكافحة انتشار إيبولا في غرب أفريقيا عام 2014، قبل أن يتولى تيدروس غيبريسوس رئاستها عام 2017، لكن لا يمكن وصف ردها تجاه وباء كورونا الجديد بالكارثي أو المتواطئ. ولفت إلى الميزانية الضعيفة للمنظمة التي تصل إلى حوالي 2.5 مليار دولار سنوياً وتوازي حجم ميزانية مستشفى أميركي كبير لا أكثر. (تذكر المنظمة على موقعها أن ميزانيتها لـ2018-2019 بلغت نحو 4 مليارات و400 مليون).

وكان غيبريسوس قد أعلن في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي حالة طوارئ صحية عالمية، داعياً الحكومات إلى العمل على احتواء انتشار الفيروس والقيام بالفحوصات والاختبارات اللازمة. وينتقد البعض غيبريسوس في هذا السياق، قائلين إنه كان يجب أن يعلن ذلك قبل هذا التاريخ بأيام. لكن فريقاً آخر من الخبراء يلفت الانتباه إلى أن الصين تسترت على قضية انتشار الفيروس وإمكانية انتشاره عبر البشر، ورفضت بداية دخول مختصين من المنظمة للقيام بفحوصات مستقلة قبل أن تعدل عن ذلك لاحقاً. ولا يمكن مؤسسات الأمم المتحدة، بما فيها منظمة الصحة العالمية، الدخول إلى أي دولة من دون موافقة السلطات المعنية. هذه القواعد لا يحددها العاملون في الأمم المتحدة، بل الدول الأعضاء، ولا سيما الدول ذات النفوذ الكبير كالولايات المتحدة. لذلك، إذا وجب توجيه اللوم، يجب أن يكون لكل الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لأنها هي التي وضعت هذه القواعد، وهي التي يمكنها تغييرها.

في المقابل، تبرز اتهامات لترامب بالتأخر في التجاوب مع تحذيرات منظمة الصحة تجاه كورونا. وكشفت تقارير عديدة عن أن مسؤولين كباراً في إدارة ترامب حضروا عدداً من الاجتماعات التي عقدها مسؤولون في المنظمة حول وباء كورونا بداية يناير/ كانون الثاني الماضي، بمن فيهم مدير "المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية" أنطوني فاوتشي. وحذّر فاوتشي وعدد من المسؤولين الأميركيين الكبار، لقرابة شهرين، ترامب من خطورة انتشار الوباء من دون أن يجدوا آذاناً صاغية. وأشار تحقيق لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن ترامب تقاعس، لقرابة شهرين، في التصدي لخطر الفيروس، على الرغم من تحذيرات داخل إدارته بأنه يمكن أن يتفشى بشكل لا يمكن السيطرة عليه. وفي السياق، قالت جماعة ضغط في القطاع الطبي في الولايات المتحدة تدعى "بروتيكت أور كير" إن سحب ترامب لتمويل المنظمة "محاولة واضحة... لتشتيت الانتباه عن تاريخه في التهوين من خطورة أزمة فيروس كورونا وفشل إدارته في تجهيز البلاد".


وكما الحال مع مسؤولين في إدارته حذروه من انتشار الوباء، لم يأخذ ترامب بنصيحة المنظمة حتى عندما أعلنت في الثلاثين من يناير حالة الطوارئ ونصحت الدول بإجراء الفحوصات وتحديد الحالات المصابة وعزلها وتتبّع جهات اتصالها. ويؤكد خبراء أن الوضع في الولايات المتحدة ما كان ليصل إلى هذا المستوى لو استمع ترامب إلى المسؤولين في إدارته وإلى نصائح المنظمة. بل إنه قال رداً على سؤال صحافي، في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه المنظمة حالة الطوارئ، إن الفيروس سيختفي من تلقاء نفسه.
وحتى حظر السفر الذي فرضه ترامب على الطائرات الآتية من الصين، كان إجراء منعزلاً، ولم يُطبَّق بصورة كاملة، إذ استمرت عشرات الرحلات من الصين بالوصول إلى الولايات المتحدة، وبدا أن لا فائدة منه إن لم يُطبَّق ضمن حزمة من الإجراءات الأخرى. وعلى عكس ادعائه، لا يمكن المنظمة أن تعلن حظر السفر على مستوى دولي، لأن هذه قرارات سيادية للدول، ولها تبعات قانونية ليست من ضمن صلاحياتها، فضلاً عن تبعاتها الاقتصادية التي لا يمكنها تحمّلها.

وعن توقيت قرار ترامب بتجميد الدعم المالي لمنظمة الصحة العالمية، فإنه يأتي في ظل عدد من التحديات التي قد تكون مفصلية لإعادة انتخابه في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، من بينها تحوّل الولايات المتحدة إلى مركز الوباء في العالم، إذ سجلت أعلى عدد وفيات حول العالم، بأكثر من 30 ألف وفاة رسمياً، ومن المتوقع أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك. هذا في ظل استمرار الأزمة الصحية والنقص الذي تعاني منه المستشفيات الأميركية في معدات الحماية الأساسية، كالقفازات والأقنعة، إضافة إلى أجهزة التنفس الصناعي. ووسط ذلك، يستمر ترامب في كيل الاتهامات لحكّام الولايات، محاولاً إلقاء اللوم والمسؤولية عليهم في أي تقصير يحدث في توفير الخدمات التي يجب أن تقوم بها الحكومة الفدرالية.

وترتبط الأزمة الصحية بالاقتصادية في الولايات المتحدة. فالجدل واسع حول توقيت العودة إلى العمل وفتح المحالّ. فمعدلات البطالة في ارتفاع مستمر، إذ سجل، خلال الأسابيع الأخيرة، 22 مليون أميركي أنفسهم عاطلين من العمل. واستوعب حكّام الولايات الأميركية أن الحكومة الفدرالية بقيادة "صاحب السلطة الكاملة"، كما وصف ترامب نفسه في مؤتمر صحافي أخيراً، غير قادرة على مساعدتهم. فبدأوا بتنظيم أنفسهم والتنسيق في ما بينهم، ما زاد من شعبيتهم بين الأميركيين مقابل هبوط شعبية الرئيس إلى أقل من خمسة وأربعين في المئة. وبدا ترامب غير قادر على تحمّل الانتقادات المستمرة لأدائه من قبل الإعلام، فزادت حدة الشجارات في المؤتمرات الصحافية وكيل الاتهامات للإعلاميين لمجرد طرحهم لأسئلة نقدية.

وفي ظل هذا الوضع، ليس غريباً أن يحاول ترامب وضع اللوم على جهات خارجية، لخلق جدل وبلبلة تلهي عما يحدث داخل الولايات المتحدة، وتظهره بمظهر الرئيس الذي يتخذ خطوات ضد "العدو" الخارجي، منظمة الصحة العالمية، الذي يدعي أنها تسترت على الصين. لكن بعض المحللين يرون أن ما يقوم به ليس أكثر من مناورة قد تفيده على المدى القصير بين قاعدة مؤيديه، مشككين في أنها ستكون استراتيجية حكيمة على المدى البعيد.