أحجية ترامب على جدول أعمال الكابينيت الإسرائيلي غداً

أحجية ترامب على جدول أعمال الكابينيت الإسرائيلي غداً

11 فبراير 2017
نتنياهو يلتقي ترامب يوم الأربعاء في واشنطن(كريس راتكليف/فرانس برس)
+ الخط -
يرصد محللون إسرائيليون، من بينهم أريئيل كهانا في صحيفة "ميكور ريشون" الناطقة شبه الرسمية باسم حزب البيت اليهودي، وباراك رافيد من صحيفة "هآرتس"، التي تمثل ما تبقى من روح ومواقف اليسار الصهيوني الليبرالي، وناحوم برنيع في "يديعوت أحرونوت" الشعبوية، تغييراً في لهجة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وتراجعه حتى عن الموقف الإعلامي الخطابي، في مسألة التزام إسرائيل بحل الدولتين، وفق آخر اتصال بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى الحديث عن الالتزام بالتوصل إلى حلّ للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مع تهرب واضح من الالتزام بحل الدولتين، حسبما عكسته تصريحات نتنياهو خلال لقائه رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي.

مع ذلك، وجد نتنياهو نفسه في مواجهة حمى اجتاحت اليمين الإسرائيلي، وبشكل خاص تيار حزب البيت اليهودي الديني، في ملف الاستيطان. وتكمن المعضلة بوجوب مجاراة هذا اليمين بلاغياً وإعلامياً، وأخيراً برلمانياً، عندما دعم قانون الاستيطان حتى لا يخسر التأييد الشعبي والانتخابي من اليمين الاستيطاني له، في ظلّ العقيدة الراسخة لدى رئيس الحكومة في قدرته على مواصلة نهجه القديم في توفير "طعم التزامه بحل الدولتين" لتكريس حالة "الأمر الواقع" من دون لفت الأنظار، أو أقله من دون إغضاب إدارة ترامب.

غير أن تطورات الأسبوع الأخير منذ إقرار قانون الاستيطان، يوم الاثنين، والمواقف الأميركية الواضحة والمعلنة ضد الاستيطان وآخرها تصريحات الرئيس ترامب بأن "توسيع الاستيطان لا يخدم السلام"، وما سبقه من بيان عن البيت الأبيض في السياق نفسه، جميعها عوامل تضع حكومة نتنياهو أمام واقع الفجوة الكبيرة بين وعود ترامب ما قبل الانتخابات وبين التزاماته بسياسة رسمية بعد الانتخابات. للتذكير، إن أرييل شارون وبعد انقلابه على موقف الليكود التاريخي لجهة تنفيذ الانسحاب من غزة قال "إن ما نراه من هنا (موقع رئاسة الحكومة) لا نراه من هناك (موقع المعارضة)".

ومع أن نتنياهو حاول ضبط ثورة اليمين الاستيطاني وتأجيل موعد سنّ القانون الأخير إلى ما بعد لقائه بترامب، إلا أن انكساره أمام ضغوط نفتالي بينيت، وقناعته بأن القانون سيلغى في المحكمة العليا، جعله يسرع في سن القانون لتقليل "أضرار سن القانون" بدونه، وتفادي كارثة انتخابية لو أفشل هو هذا القانون هذه المرة كما سبق أن أفشله في يونيو/ حزيران 2012.



ويثير التغيير التدريجي في خطاب ترامب، من إبداء الحماس والتأييد المطلقين لإسرائيل خلال الحملة الانتخابية، إلى لهجة أكثر رسمية تنطلق من المصالح الأميركية العامة، خصوصاً في المنطقة العربية، وعدم الرغبة في الصدام مع دول حليفة للولايات المتحدة، المخاوف لدى الإسرائيليين، وتحديداً في أوساط حزب البيت اليهودي بقيادة بينيت ومجموعة من وزراء الحكومة من الليكود الرافضين أصلاً لخطاب جامعة بار إيلان عام 2009، الذي أيّد فيه نتنياهو حلّ الدولتين.

وفيما يحرص نتنياهو في الفترة الأخيرة على نحو خاص، وتحت شعار التنسيق مع إدارة ترامب، على التكتم الشديد على رؤياه للسياسة المعلنة لإسرائيل بشأن الحل مع الفلسطينيين، وسط ميل واضح للتراجع عن حل الدولتين، إلى حل "دولة فلسطينية منقوصة" تبقي سيطرة إسرائيلية أمنية على كل الأرض الفلسطينية، يصعّد بينيت ومن يؤيده حتى داخل حزب الليكود من ضغوطه على نتنياهو، لتحديد سياسة استيطانية بالكامل وبلورة موقف رسمي لوأد حل الدولتين نهائياً. ومن المفترض أن يناقش "الكابينيت الإسرائيلي" (مجلس الوزراء المصغّر)، غداً الأحد، جملة المواقف التي سيعرضها نتنياهو على ترامب، قبل سفره إلى الولايات المتحدة.

ووفقاً للمحلل السياسي في "مكور ريشون" أريئيل كهانا، فإن "اليمين الاستيطاني يخشى من أن يفوّت نتنياهو فرصة تاريخية لدفن حل الدولتين، وأن يشهد عصر ترامب بالذات ولادة ترسيم حدود رسمية لإسرائيل وولادة الدولة الفلسطينية". ويرى أن "نفتالي بينيت ومعارضي خطاب بار إيلان في الحكومة، وعلى رأسهم أيضاً زئيف إلكين وأوفير أكونيس وأيليت شاكيد، يطمحون إلى أن يستغل نتنياهو حقيقة انتخاب ترامب، الذي يتزامن مع استمرار انهيار العالم العربي وتراجع مكانة وتأثير أوروبا، للإعلان عن تجميد خطاب بار إيلان، والاتفاق مع البيت الأبيض على سياسة استيطان مفتوحة، لا تميز بين البناء داخل الكتل الاستيطانية والبناء داخل مجمل المستوطنات الإسرائيلية الأخرى في الضفة الغربية".



في المقابل، فإن نتنياهو، الذي أكثر الحديث أخيراً أمام نواب الليكود وجمهوره عن "دولة فلسطينية منقوصة"، يطمح بدوره للحصول على موافقة أميركية تتبنّى الطرح الذي حدده رئيس الوزراء المغتال إسحق رابين في خطابه الأخير أمام الكنيست قبل شهر من اغتياله في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 1995. وبحسب الخطاب المذكور، فقد حدد رابين، في أوج عملية أوسلو، رؤيته للحل النهائي، الذي يقوم عملياً على كيان فلسطيني لا دولة كاملة سيادة ومستقلة، تُبقي كامل القدس المحتلة تحت سيادتها مع إضافة وضم المستوطنات المحيطة بها مثل "غفعات زئيف" و"بيسجات زئيف و"معاليه أدوميم" وكتلة "غوش عتصيون"، ناهيك عن إبقاء السيطرة الأمنية والقوات الإسرائيلية في غور الأردن وعدم القبول بقوات أجنبية بين النهر والبحر.

ويأمل نتنياهو أن يتمكن من تحقيق ذلك، سعياً إلى الوصول إلى صورة الحل النهائي الذي يعتبره الأمثل، وهو الوصول إلى حل سياسي إقليمي، يضمن لإسرائيل انطلاقة في علاقاتها مع الدول العربية من خلال بلورة تعاون وتقاطع المصالح مع "كتلة الدول السنية" كتكتل إقليمي يشمل إسرائيل لمواجهة إيران وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

في غضون ذلك، نصح رئيس المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، مالكولم هونلاين، الحكومة الإسرائيلية بالتقدم بحذر وأن تتحلى بالصبر في تعاملها مع إدارة ترامب، وذلك بفعل الوقت المطلوب عادة لبدء نشاط أي إدارة أميركية جديدة، وهو ما ينطبق أيضاً على إدارة ترامب التي لا تزال في طور المصادقة على تعيين الوزراء والمسؤولين الفيدراليين فيها.

مع ذلك، ووفقاً لهونلاين، فإنه لا يستحسن تعليق توقعات وآمال كبيرة على اللقاء الأول، المرتقب بين نتنياهو وترامب، في 15 فبراير/ شباط الحالي. ففي مثل هذا اللقاء، "سيتم وضع أسس العلاقات، وتحديد سبل الاتصال وطرق العمل المشترك، وبناء العلاقات والجسور الشخصية، وأيضا تحديد آليات لحل الخلافات وتجاوزها في حال اندلاعها، فمثل هذه العوامل تتغير من إدارة لإدارة في الولايات المتحدة"، بحسب هونلاين.