الولاية الثانية للسيسي: جرائم انتخابية بلون الحبر الفوسفوري

الولاية الثانية للسيسي: جرائم انتخابية بلون الحبر الفوسفوري

28 مارس 2018
ساد الهدوء والصمت داخل اللجان الفرعية للاقتراع (العربي الجديد)
+ الخط -
فيما بدا أنه إعلان شعبي صامت بعدم الاعتراف بجدية أو شرعية الانتخابات الرئاسية في مصر، لضمان فترة رئاسية جديدة لعبد الفتاح السيسي، ساد الهدوء والصمت داخل اللجان الفرعية للاقتراع المنتشرة على مستوى الجمهورية، وخلا محيط اللجان من صور الاحتفال المدعومة من حملات تأييد السيسي ونواب الأكثرية النيابية "دعم مصر". وتلقت الهيئة الوطنية للانتخابات إشعارات عديدة من اللجان، خصوصاً من محافظات الصعيد والقناة، بأن الإقبال على المشاركة متراجع بصورة ملحوظة.

وفي محاولة كانت متوقّعة من الأجهزة الحكومية لإجبار المواطنين على المشاركة في الانتخابات لرفع نسب التصويت وتخطي الرقم المسجل في انتخابات 2014 على الأقل (الذي سجل نسبة 47 في المائة)، بدأت الوزارات والمصالح الحكومية المختلفة في استغلال "الحبر الفوسفوري"، الذي يغمس الناخب إصبعه فيه كدليل على سابقة تصويته، ما لا يمكنه من تكرار التصويت، كوسيلة للحشد الإجباري والتأكد من التصويت مقابل عطايا ومزايا معينة.

ورصدت "العربي الجديد" 5 حالات في محافظات القاهرة والجيزة والمنوفية والفيوم والدقهلية، اشترطت فيها الأجهزة الحكومية على الموظفين أن يبصموا باستخدام "الحبر الفوسفوري" على بطاقة بيضاء فارغة دونت عليها أسماؤهم، كدليل على إتمام عملية التصويت، مقابل الانتفاع بمزايا مختلفة حسب طبيعة الوظيفة والتعليمات الصادرة عن وكلاء الوزارات المختلفة. ففي القاهرة أوعزت الإدارات التعليمية المختلفة إلى المدارس الحكومية بتوزيع بطاقات فارغة على المعلمين، وعدم تمكينهم من توقيع دفاتر الحضور والانصراف إلا بعدما يعودون بها وعليها بصمة بـ"الحبر الفوسفوري" ومدونة عليها الأسماء، بما يثبت لإدارات المدارس أنهم شاركوا بالفعل في التصويت، بهدف رفع نسبة المشاركة. وفي الجيزة، قال موظف في هيئة المساحة المصرية إن إدارة الهيئة وعدت الموظفين بمكافأة استثنائية، قدرها 200 جنيه، لكل من يبصم البطاقة الفارغة بـ"الحبر الفوسفوري". كذلك تم تأجير حافلات خاصة لتقل الموظفين بشكل جماعي إلى لجانهم الانتخابية.

وفي المنوفية، قال عدد من الموظفين، الذين تم استبعادهم، لأسباب أمنية، من المشاركة في إدارة العملية الانتخابية كموظفين في اللجان، إنهم تلقوا تعليمات بالتوجه إلى لجانهم والبصم على البطاقات الفارغة ذاتها لمنحهم عطلة استثنائية لنهاية الأسبوع، وهو ما دفع الموظفين إلى الموافقة، حتى لا يتم التنكيل بهم، خصوصاً أنهم استبعدوا من الإشراف سابقاً بسبب انتماء أقارب لهم إلى جماعة الإخوان المسلمين. وفي الفيوم، نقلت مديريات التربية والتعليم والصحة كشوف الحضور والانصراف إلى مقار اللجان، بحيث لا يتم تمكين الموظفين من التوقيع إلّا إذا شاهد المكلف بالدفتر "الحبر الفوسفوري". وتكرّر الأمر ذاته في المنصورة، عاصمة الدقهلية، أكبر محافظات الدلتا من حيث الكثافة التصويتية. وتداول نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مقطع فيديو مطولاً، منذ فجر الأمس، يتضمن جلسة مغلقة بين مدير إحدى مدارس محافظة كفر الشيخ شمال الدلتا، قبل توزيعه البطاقات الفارغة على المعلمين، ويشترط عليهم بصمها بـ"الحبر الفوسفوري"، مقابل منحهم إجازة كاملة الأجر طوال أيام الاقتراع الثلاثة، وذلك بحضور موظف كبير في إدارة التربية والتعليم في المحافظة.

وعلى مستوى استخدام العطايا العينية والمالية، رصد "العربي الجديد" تكرار توزيع بطاقات فارغة على المواطنين لبصمها بـ"الحبر الفوسفوري" في دوائر حلوان والتبين ودار السلام ومنشأة ناصر وشبرا الخيمة، وذلك كله تحت إشراف تحالف غير معلن بين نواب الأكثرية البرلمانية ووزارة التموين، التي أمرت البقالين التموينيين في تلك الدوائر، ودوائر أخرى لم يتم رصدها مباشرة، بحيث يحصل الناخب بعد تسليمه البطاقة الفارغة التي يبصم عليها بـ"الحبر الفوسفوري" على "كرتونة" زيت وسكر أو كمية من اللحوم والأرز والمعكرونة، حسب الظروف.


أما في الصعيد، فاتخذت ظاهرة الإجبار على التصويت والمتاجرة بـ"الحبر الفوسفوري" منحىً آخر، إذ أبلغت مديريات الأمن العمد ومشايخ القرى والنواب في عدد من قرى محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج تحديداً بذبح العجول والخراف وتوزيعها على المواطنين، شرط أن تكون أصابعهم مغمسة بـ"الحبر الفوسفوري"، وهو ما دفع العشرات من أهالي قرى بعينها، يتحفظ "العربي الجديد" على نشر أسمائها حماية لهم، إلى التصويت للحصول على اللحوم.

وبذلك حول النظام المصري "الحبر الفسفوري"، الذي استحدث استخدامه، للمرة الأولى، بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 في استفتاء مارس/ آذار من عام 2011 على التعديلات الدستورية كضمانة واضحة لنزاهة الاقتراع وطمأنة الرأي العام من عدم تكرار ظواهر الانتخاب الجماعي وتكرار التصويت في عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك، إلى وسيلة لابتزاز المواطنين واستغلال عوزهم وفقرهم للحصول على أصواتهم مقابل منافع ضئيلة. إلّا أن أخطر ما تم تسجيله من شكاوى في المناطق الشعبية بمحافظتي القاهرة والجيزة هو الإجبار المباشر والمجاني للمواطنين على النزول للتصويت بواسطة قوات الشرطة تحديداً والمخبرين السريين وأمناء الشرطة. وقال 3 قضاة، يشرفون على لجان فرعية بمناطق القبة والشرابية والدويقة، إن عدداً من المواطنين شكوا لهم، خلال اليومين الأول والثاني للاقتراع، من أنهم توجهوا إلى اللجان بالإكراه، بعدما توجه بعض أمناء الشرطة إلى المقاهي وأجبروا كل الرجال، حاملي بطاقات الرقم القومي، على الذهاب إلى اللجان والتصويت رغماً عنهم، وفي بعض الأحيان كان الشرطي يرافق المواطن إلى لجنته. وذكر القضاة الثلاثة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنهم لم يتواصلوا مع اللجان العامة التابعية لها لإبلاغ الشكاوى، بزعم أن واقعة الإكراه حدثت خارج اللجنة ولم يكن لديهم ما يثبتها أو وقت للتحقيق فيها، مشيرين إلى أن الهيئة الوطنية للانتخابات أصدرت تعميماً بعدم الاهتمام أو التحقيق في الشكاوى إلّا التي تحدث داخل محيط اللجنة أو المجمع الانتخابي الذي يضم لجاناً عدة، حتى لا يدخل القضاة في مشادات مع الشرطة أو الجيش.

وانعكس ضعف الإقبال على وتيرة العمل في الهيئة الوطنية للانتخابات وغرف عمليات مجلس الوزراء والوزارات المعنية. وقال مصدر حكومي مطلع إن نصف العاملين في غرف العمليات حصلوا على عطلة أمس نظراً إلى وضوح ضعف الإقبال، مقدراً أن النسبة الحقيقية للتصويت لم تتعد 10 في المائة، بالنظر لأهم شاهد ملموس على ذلك، وهو عدد دفاتر بطاقات الاقتراع التي نفذت في اللجان الفرعية، إذ يضم كل دفتر نحو 100 بطاقة، الأمر الذي يسهل على القضاة الحصر العددي الإجمالي للأصوات.

وحاولت الدائرة الخاصة بالسيسي الحيلولة دون وصول المعلومات الرائجة في الكواليس الحكومية ومحيط اللجان الانتخابية عن ضعف الإقبال إلى الرأي العام. وتواصل مكتب السيسي مع جميع وسائل الإعلام، الحكومية والخاصة الموالية للنظام، وأمرها بعدم نشر أي معلومات سلبية عن سير الانتخابات، بما في ذلك جهود الحشد غير المنظمة والمنسوبة إلى نواب أو شخصيات تحاول التقرب من النظام. وكانت جهود الحشد في اليوم الأول مقتصرة إلى حد كبير على مساهمات رجال الأعمال والمقاولين الموالين للنظام، خصوصاً في المناطق الصناعية، كالعاشر من رمضان وأكتوبر والسادات والعاصمة الإدارية الجديدة، إذ تم حشد العمال في حافلات خاصة، وبعضها مستأجر، أقلت الآلاف إلى لجان تم تخصيصها لهم للتصويت في غير مقار سكنهم الأصلية، والمعروفة بلجان الوافدين. واعتمدت الحملة المركزية للسيسي، برئاسة مدير مكتبه عباس كامل، ومعاونة جهازي الاستخبارات والرقابة الإدارية، في الحشد ومظاهر الاحتفال المزعومة أمام اللجان على نحو 20 ألف شاب وفتاة تطوعوا على مستوى الجمهورية، وينتمون إلى أحزاب الأكثرية النيابية. وتم تسليم نصف هذا العدد توكيلات رسمية من السيسي ليكونوا مندوبين له في اللجان، أما بقية الأعداد فأشرفت على حملات احتفالية كـ"انزل شارك" و"لمسة وفاء"، وانضمت إليها، في وقت لاحق، مجموعات محلية في كل قرية ومدينة تم اختيار عناصرها بعناية بترشيحات النواب المحليين وبعد إجازتهم من الأجهزة الأمنية. ويسيطر على النظام المصري هاجس ضرورة تحقيق نسبة تصويت تفوق انتخابات 2014، التي حصل السيسي فيها على 23 مليون صوت، بنسبة 97 في المائة، مقابل 3 في المائة لمنافسه الوحيد حمدين صباحي، التي سجلت نسبة مشاركة إجمالية بلغت 47 في المائة، وهي أيضاً أقل من نسبة المشاركة المسجلة في انتخابات الرئاسة لعام 2012 بين مرشح جماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي، ورئيس الوزراء الأسبق، أحمد شفيق، التي بلغت نحو 49 في المائة.