مصر: عقوبات مسبقة ضد المراكز الحقوقية بقضية "التمويل اﻷجنبي"

مصر: عقوبات مسبقة ضد المراكز الحقوقية بقضية "التمويل اﻷجنبي"

25 اغسطس 2016
يفرض النظام المصري قيوداً على المنظمات المدنية والحقوقية(Getty)
+ الخط -
تكشف مصادر قضائية وأخرى حقوقية مصرية لـ"العربي الجديد" عن أن لجنة التحقيق الثلاثية القضائية في القضية المعروفة إعلامياً بـ"التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني"، "أجرت تحقيقات سرية خلال الأسابيع الأربعة الماضية مع عدد من العاملين بمركز هشام مبارك للقانون، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وعدد آخر من المراكز الحقوقية المصرية التي تلقت أموالاً من جهات أجنبية لأغراض حقوقية واجتماعية". وتؤكد أنّ هذه اللجنة بصدد إصدار طلبات جديدة بالتحفظ على أموال عدد من الأشخاص المؤسسين والمديرين لتلك المراكز.

وتوضح أن هيئة الرقابة الإدارية التي تجري التحريات المالية الخاصة بالقضية من خلال اتصالات مباشرة ومراقبة على مدار الساعة لحسابات مؤسسي ومديري تلك المنظمات، منعت بالفعل بعض المراكز من سحب أموال محوّلة لها من الخارج، وأن البنوك المختصة وصفت هذا المنع بأنه "قرار مؤقت لحين الفصل في الطلبات المقدّمة للتحفظ على أموال على ذمة القضية".

ومن المقرر أن تصدر محكمة جنايات القاهرة في 17 سبتمبر/ أيلول المقبل أحكاماً في الطلبات المقدّمة للتحفظ على أموال كل من: مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت، ومدير المنظمة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد وزوجته وابنته القاصر، ومؤسس ومدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان بهي الدين حسن وزوجته وابنته وشقيقه، ومدير مركز الحق في التعليم عبدالحفيظ طايل، ومصطفى الحسن آدم من مركز هشام مبارك للقانون.

بينما أيدت المحكمة في يوليو/تموز الماضي التحفظ على أموال مؤسس ومدير مركز الأندلس لدراسات التسامح أحمد سميح، وهو الحقوقي الوحيد الذي صدر حكم قضائي بالتحفظ على أمواله حتى الآن. وتصف المصادر الحقوقية خطوة منع بعض المراكز من سحب أموالها من البنوك بـ"الخطيرة"، وخصوصاً أن لجنة التحقيق لم يسبق أن أصدرت قراراً مباشراً بالمنع من التصرف، لأن القانون المصري يمنع مثل هذا الإجراء من دون استصدار حكم قضائي، ما يفتح الباب أمام تكرار تصرفات غير مستوفية للحد الأدنى من الشروط القانونية في المستقبل.

وتؤكد أن "هناك بعض المراكز التي لم تكن مشمولة في قائمة الاتهام التي أعدتها المخابرات والأمن الوطني (أمن الدولة) عام 2011، تلقت تحذيرات أمنية ومصرفية من التعامل مع التحويلات البنكية الواردة من الخارج، بسبب إجراء تحريات جديدة على جميع البنوك لضم مراكز جديدة للقضية". وتشير المصادر ذاتها إلى أن "بعض الأشخاص الذين تم التحقيق معهم وإخلاء سبيلهم على ذمة القضية، وبعض من تم منعهم من السفر، لم يتمكنوا من إجراء عمليات بنكية خلال الشهرين الماضيين، سواء بالسحب من حساباتهم الخاصة أو بتلقي تحويلات من الخارج". هذا الأمر يعزز افتراضية أن هناك قيوداً خارج الإطار القانوني تم فرضها على الحسابات البنكية للمتهمين المحتملين في القضية، وفقاً لها.

وتؤكد أن "الأشخاص الذين عانوا من هذه المشكلة لم تصدر بحقهم أي اتهامات، ولم تطلب لجنة التحقيق الثلاثية حتى الآن التحفظ على أموالهم". ويتحفظ "العربي الجديد" على نشر أسماء المراكز والأشخاص بناء على طلب المصادر لأسباب تتعلق بسلامتها.






وفي سياق متصل، تقول مصادر قضائية مطلعة على سير التحقيقات المحظور فيها النشر بقرار لجنة التحقيق الثلاثية إن "اللجنة تلقت تحريات جديدة من الأجهزة الرقابية حول تحركات عدد من النشطاء الحقوقيين في سفارات دول أوروبية خلال عامَي 2015 و2016، وتربط بين هذه اللقاءات ورحلات للخارج قاموا بها في الفترة ذاتها، وبين مصادر التمويل التي يتلقون منها مبالغ مالية بالدولار أو اليورو بانتظام أو لمرات عدة".

وتوضح أن "هناك دلائل واضحة على استخدام المراكز الحقوقية المصرية للأموال الأجنبية التي تلقتها في إثارة الرأي العام، وتحريض المواطنين على الحكومة قبل وبعد الثورة، وحشد التظاهرات خلال الثورة وطوال فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وذلك لوجود تطابق بين أقوال ضباط الأمن الوطني والمخابرات العامة والرقابة الإدارية الذين أدلوا بأقوالهم في التحقيقات، وبين أقوال مسؤولي البنوك الذين استدعتهم لجنة التحقيق".

وتشير إلى أن "اللجنة أوجدت بالفعل روابط عملية ومادية ومالية بين التمويلات التي تلقتها بعض المنظمات وبين أحداث العنف والتظاهرات التي شهدتها البلاد مطلع 2011، وكذلك بعض التقارير المعادية للنظام الحاكم التي أصدرتها هذه المراكز بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين منتصف 2013".

ووجهت لجنة التحقيق لجميع الحقوقيين الذين طلبت التحفظ على أموالهم اتهاماً بخرق المادة 78 من قانون العقوبات، التي عدّلها الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، في سبتمبر/ أيلول 2014 لتعاقب بالسجن المؤبد وغرامة نصف مليون جنيه (نحو 60 ألف دولار). ويطبق على "كل من يطلب لنفسه أو لغيره أو قبِل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية، أو ممن يعملون لمصلحتها، أو من شخص طبيعي أو اعتباري، أو من منظمة محلية أو أجنبية أو أية جهة أخرى لا تتبع دولة أجنبية ولا تعمل لصالحها، أموالاً سائلة أو منقولة أو عتاداً أو آلات أو أسلحة أو ذخائر أو ما في حكمها أو أشياء أخرى". ويضاف إلى ذلك "كل من وعد بشيء من ذلك بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية، أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها، أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام".

وهذا التعديل القانوني الذي أدخله السيسي على المادة 78 من قانون العقوبات، يوسّع جهات تمويل الجرائم ليشمل تلقي الأموال بقصد إضرار البلاد سواء من الداخل أو الخارج. كما لم يعد الإضرار بأمن مصر يقتضي "ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية" بل أصبحت الجريمة تتحقق بمجرد ارتكاب فعل يمكن تفسيره على أنه "مساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها، أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام".

وساعدت هذه التعبيرات المطاطة على انطباق الجرائم الواردة في المادة على كل منظمات المجتمع المدني تقريباً، والتي تعتمد بشكل أساسي في تمويلها على المساعدات الخارجية، وخصوصاً الأجزاء المخصصة لها من المعونة الأميركية لمصر، وفقاً لاتفاقيات حكومية سابقة بين القاهرة وواشنطن. ولا تتعامل اللجنة القضائية مع وسائل الإعلام بتعليمات من الدائرة المخابراتية ـ الرقابية التي شكلها السيسي لإدارة المشهد السياسي في البلاد، حتى أنها تصدر قراراتها المختلفة بالمنع من السفر وترقب الوصول بسرية وعدم إخطار المتهمين بها، ولا تستدعي مسؤولي المنظمات للتحقيق في مواعيد متقاربة، وتعمد لاستيفاء أوراق التحريات الأمنية والاستخبارية والبنكية أولاً.

ومن بين الإجراءات، التي اتخذتها اللجنة القضائية تشكيل لجنة مشتركة من وزارة المالية ومصلحة الضرائب ووزارة التضامن لملاحقة هذه المنظمات مالياً وضريبياً، إذ تتهم اللجنة الجمعيات المشهرة بالتهرب الضريبي، كما تتهم الجمعيات غير المشهرة قانوناً بممارسة عمل مستحق الضريبة بلا ترخيص بغية التهرّب من أداء الضرائب، وبمخالفات مالية أخرى أقل قيمة.